|
جمعني لقاءٌ بصديق يتمتع بالثقافة وروح الدعابة؛ وتجاذبنا سوية أطراف الحديث حول ما يدور على الساحة؛ فقال لي: على المرء أن يضع في الحسبان كل الاحتمالات الممكنة في حال تنحي الرئيس عن الحكم، وأحد تلك الاحتمالات الأقرب إلى التحقق تقول أن تياري الزنداني والحوثي هما من سيقتسمان السلطة؛ بحكم شعبيتهما الواسعة على امتداد اليمن؛ وفي هذه الحالة لنا أن نتخيل ما يمكن أن تصير إليه الأمور.. وهنا أطرح؛ بعيداً عن رأيي الشخصي؛ توقعات وتساؤلات هذا الصديق:
أولاً: في ظل انعدام الثقة الحقيقية بين مكونات المعارضة؛ ما هي الضمانات التي يمكن أن يقدمها كل طرفٍ إلى الآخر؟ وأيضاً ما هي الضمانات التي تستطيع أن تقدمها أطراف المعارضة إلى كافة أفراد الشعب من أن مطالب الناس وأحلامهم وتطلعاتهم لن تُـسحق تحت عجلات الصراع السياسي والمذهبي؟
ثانياً: لم نسمع من المعارضة خطة متكاملة؛ وإنما المطلوب أن يتنحى الرئيس، ومن ثم ستفكر المعارضة في الخطوات القادمة.. والسؤال: يا تُرى ما هي أولويات المعارضة فيما لو وصلتْ إلى السلطة؟ وبناءً على فهمنا لطريقة تفكير الأحزاب والحركات الأيديولوجية فمن المتوقع أن يكوّن سُـلّم الأولويات مرتباً على النحو التالي:
1. إلغاء الديمقراطية؛ لأنها تتعارض مع كتاب الله العزيز الذي هو مصدر كل التشريعات وفقاً للدستور اليمني؛ حيث يقول تعالى:"إن الحكم إلا لله" وليس للشعب!!..
2. إقرار نظام طائفي لتقاسم السلطة كما في لبنان ولكن بصيغته اليمنية؛ حيث يتم بموجبه منح الطائفة السنية الكريمة منصب رئاسة الجمهورية، بينما يكون للطائفة الزيدية الكريمة رئاسة الوزراء.. وبالتالي يصبح الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيساً للجمهورية، والسيد عبد الملك الحوثي رئيساً لمجلس الوزراء.
3. تحويل الجامعات الحكومية والأهلية إلى نسخٍ متطابقة مع جامعة الإيمان؛ حتى لا ينقرض العلماء؛ كما قال الشيخ الزنداني؛ وحتى لا تنطفئ شعلة الأيمان في قلوب اليمنيين ويبدؤواْ بالمطالبة بالتغيير أو الخروج في مظاهرات أو تنفيذ اعتصامات؛ لأن كل ذلك يتنافى مع الشريعة الإسلامية ويتعارض مع مصلحة الوطن العليا؛ كما يقول علماء المملكة العربية السعودية.
4. إعادة تقسيم التعليم العام إلى معاهد ومدارس؛ حتى يتسنى لكل طرف أن يدرّس المنهج الذي يتوافق مع توجهه العقائدي.
5. تعميق علاقة هذا الطرف ببلدٍ عربي مجاور لأنهما ينتميان إلى ذات الأيديولوجيا، في حين يقوم الطرف الآخر بمد الجسور نحو بلدٍ إسلامي يشترك معه في التوجه.
6. تعيين المقربين؛عقائدياً؛ في المناصب والمراكز الحساسة؛ حتى يضمن كل طرفٍ قدرته على تنفيذ أجندته وتطلعاته.
7. إلغاء وزارات: العدل والأوقاف والإعلام والتربية والداخلية والخارجية والدفاع؛ وربما وزارات أخرى أيضاً؛ لأن كل طرفٍ لن يقبل بسيطرة الآخر على أيٍ منها.
8. تحويل معاهد اللغات والكمبيوتر والاتصالات وغيرها إلى دورٍ لتحفيظ القرآن الكريم؛ فالمجتمع اليمني لا يحتاج إلى قراءة علوم الكفرة والملحدين..!
9. العمل على تجنيد الشباب في معسكرات ومخيمات جماعية بهدف تعبئتهم روحياً وثقافياً وتدريبهم على أنواع الأسلحة؛ وذلك استعداداً لمواجهة أمريكا والغرب الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر.
10. الاعتراف؛رسمياً؛ بتنظيم القاعدة في اليمن كمكون من مكونات المجتمع، ولاعب رئيسي على مستوى السياسة الداخلية.
11. طرد من تبقى من اليهود اليمنيين باعتبارهم ملعونين أينما ثقفواْ؛ وكذا طرد الإسماعيليين(المكارمة) لأنهم فرقة غير إسلامية عند تياري الزنداني والحوثي، وبالتالي يجب تطهير اليمن من كل الشوائب..!!!
12. الاستغناء عن المسميات التاريخية لقبائل اليمن الكبرى(بكيل وحاشد ومذحج) واستبدالها بقبيلتي: القاعدة والحوثي؛ ويكون شرط الانتماء إلى هذه القبيلة أو تلك هو التسليم للقائد والولاء العقائدي والمذهبي.
13. التفعيل الواقعي لمقولة "من لم يكن معنا فهو ضدنا" وذلك من خلال فرز الناس إلى فسطاطين لا ثالث لهما(يا ابيض يا اسود).
14. في نهاية المطاف وبعد أن يكون كل طرفٍ قد أكمل استعداداته لمواجهة الطرف الآخر؛ يقوم الطرفان باستنساخ التجربة الأفغانية؛ حين تعاون الفرقاء المذهبيين والسياسيين على طرد الاحتلال السوفيتي من أفغانستان، وبعد أن أخرجوه من بلادهم عام 1989م، دخلواْ في حربٍ ضروس كانت أشد فتكاً من الاحتلال ذاته، واستمرواْ في ذلك حتى جاءهم احتلال جديد نهاية العام 2001م.
بعد استماعي بإنصاتٍ لما قاله هذا الصديق؛ قلتُ له مستغرباً: هذا الأمر يبدو بعيداً؛ نظراً لما يراه البعض من انسجامٍ بين مكونات المعارضة المطالبة برحيل الرئيس.. فأجابني: يخطئ من يظن أن الأطراف التي تقود الاعتصامات هي على وفاق حقيقي؛ فالحوثيون؛مثلاً؛ على قناعةٍ تامة بأن التيار الذي يتزعمه الزنداني كان وراء تحريض الرئيس ضدهم ودفعه لمحاربتهم، وما يؤكد هذه القناعة لديهم أمور عديدة؛ منها: سكوت تيار الزنداني عما حدث لهم طيلة السنوات الماضية؛ بل إن بعض أنصار الزنداني من القبائل أعلنواْ أنهم يتقربون إلى الله بقتال الحوثيين، إضافة إلى التصريح الشهير للشيخ حسين الأحمر(وهو المدعوم من ذات الجهة التي تدعم الزنداني) حين قال: "إن إيقاف الحرب خيانة وطنية" وذلك عندما أعلن الرئيس وقف الحرب الخامسة مع الحوثيين بشكلٍ مفاجئ، كما أن الشيخ حسين الأحمر(الذي يقود الاعتصامات إلى جانب أخيه الشيخ حميد) قاد حرباً في منتصف العام الماضي ضد أهلي مدينة حوث؛ بدعوى كونهم ينتمون إلى تيار الحوثي؛ فحبس شيوخهم وشبابهم في معتقلات جماعية، وأحرق العديد من منازلهم، وشرّد بالنساء والأطفال من بيتٍ إلى بيت..وحسين الأحمر مع الزنداني هما من أقنعا الرئيس بتحويل المعهد المهني بمدينة حوث إلى فرعٍ لجامعة الإيمان؛ بحجة إيقاف الزحف الحوثي.. إلى غير ذلك من المواقف والأحداث التي يتناقلها الحوثيون عبر مجالسهم وتتناولها منتدياتهم على الإنترنت.
والأمر نفسه بالنسبة للحزب الاشتراكي الذي لديه قناعات مماثلة بأن حرب 94م، ما كان لها أن تحصل لولا التحريض الذي مارسه الشيخ الزنداني وتياره؛ حيث كان الشيخ يجوب المعسكرات ويخطب في الجنود داعياً إلى محاربة أعداء الدين الشيوعيين(الحزب الاشتراكي)، كما أن فتوى الشيخ الديلمي؛ وهو الذي ينتمي إلى تيار الشيخ الزنداني؛ هي من أشهر الفتاوى في تاريخ الحروب، ولازالت الألسن والأقلام تتداولها حتى اليوم.
وفي الجهة المقابلة فإن تيار الزنداني يعلم يقيناً أن الحوثي وتياره يضمران العداء لثوابته التاريخية ومسلماته العقائدية، كما أن تمدد تيار الحوثي في الأرياف والمدن يأتي على حساب تياره.
إذاً فالواقع يا صديقي يقول أن كل طرفٍ يتربص بالآخر شراً؛ ولكن لتصفية الحسابات مرحلة لاحقة.. انتهى كلامه.
وأنا بدوري أتساءل بكل جدية وحرص: إذا كان هذا السيناريو مطروحاً ومحتملاً؛ فلا أراه من مصلحة أي طرف؛ حتى من افترض السيناريو أنهم سيمسكون بالسلطة؛ فإذا كان مآل الآمر إلى الحرب والاقتتال والاختلاف وإعادة اليمن إلى الوراء عقود من الزمن؛ فمن هو العاقل الذي يقبل بذلك أو يسعى إليه؟!.
وفي ظل احتمالية تحقق هذا السيناريو أو أي سيناريو آخر مشابه تزداد أهمية تحكيم العقل والمنطق، ويتوجب على جميع الساعين إلى التغيير والاصلاح أن يقومواْ بذلك من خلال ترسيخ الحالة الديمقراطية في اليمن والتعاون لبناء دولة المؤسسات والقانون والاحتكام إلى الشعب عبر صناديق الاقتراع؛ لأنه إذا اكتوى الرئيس علي عبد الله صالح بنيران التغيير عبر التظاهرات والاعتصامات والتحريض في الشارع فلا اعتقد أن من سيختلف مع النظام القادم سيحتكم إلى الصندوق؛ بل سينزل إلى الشارع أيضاً، وهكذا نظل في صراعات لا تنتهي.
كما أن أولاد الشيخ الكبير عبد الله بن حسين الأحمر(رحمه الله) وكذا غيرهم من مشايخ القبائل ورجال الدين والسياسيين والشخصيات الاجتماعية؛ كل هؤلاء أقدر على الحفاظ على مكانتهم الشخصية والتاريخية واستقرار بلادهم عبر الاستماع لصوت العقل والسعي لتحقيق الاصلاح المنشود من خلال القنوات الموجودة في النظام الديمقراطي، والتي أساسها الصندوق الانتخابي.
فيا أيها العقلاء على امتداد الساحة؛ لن يزايد أحدٌ منا على أحد في الوطنية؛ لأن الوطن للجميع والكل حريصون عليه.. ولنتذكر جميعاً؛ أن في عالم السياسية لا توجد عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، وعندما تنجلي هذه الغبرة عن اليمن الغالي سيجد كل طرف أن من كان يراه بالأمس خصماً لا يُطاق أصبح اليوم حليفاً وصديقاً، وكم هي معبَّرة؛ في هذا المقام؛ كلمة الامام علي بن أبي طالب(كرم الله وجهة):"أحبِبْ حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما..وأبغِضْ بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما".
أخذ الله بأيدي الجميع إلى المحبة والائتلاف، ورزقنا القبول بالحوار كحلٍ حضاري نستطيع من خلاله تجنيب بلادنا الدخول في المجهول.. والله يحفظ اليمن وأهله.
world_love3000@yahoo.com
في الخميس 24 مارس - آذار 2011 07:14:26 م