التكتل الوطني بين الحاجة الملحة لوحدة الصف .. وأصوات الرفض المصطفة مع الانقلاب مكافأة حوثية صادمة لـ 16 قياديا متحوثا .. متى ستصحو القبائل من سباتها ؟ أبرز ما تحدث به الرئيس العليمي بالقمة العربية الإسلامية في الرياض عاجل :وفد عسكري من وزارة الدفاع يصل محافظة صعدة الإنتقالي يُخفي مواطناً منذ 7 سنوات بدون تهمة أو محاكمة الحوثيون يوصلون حسن نصر الله الى محافظة المحويت وينصبون الرموز الموالية لإيران بشكل مستفز لليمنيين في زيارة غير متوقعة .. لماذا زار رئيس الأركان السعودي إيران؟ رئيس الوزراء يكشف عن عثر 76 مشروعا بقيمة تتجاوز 5 مليار في المحافظات المحررة الاستخبارات الروسية تكشف مخطط أمريكي للاطاحة بالرئيس الأوكراني زيلينسكي الرئيس أردوغان يلتقي ولي العهد السعودي بالرياض
بادئ ذي بدء لا يمكن لليمن أن ينتقل من سكونه وتخلفه ما لم تتمكن النخبة الثقافية والفكرية من التأسيس لمشروع حضاري عصري واضح المعالم، ولن يتحقق هذا المشروع ما لم يتم تفكيك المشروع الثقافي التقليدي والآليات الحاملة له، فالمجتمع والدولة في اليمن هما إفراز لمشروع تقليدي يزين نفسه بأشكال عصرية وظيفتها الفعلية هي إعادة إنتاج البنية التقليدية وتطويرها شكليا دون تغيير جوهرها للحفاظ على مصالح من يمثلها، والأهم من ذلك إعاقة أي بناءات تنويرية مجددة على مستوى الثقافة أو الفن أو السياسة أو حتى على مستوى سلوك الفرد.
تشكل الأصولية الإسلاموية والقبلية الانتهازية ومافيا الفساد المنظمة القوة الفاعلة المهيمنة والمتحكمة بكل حراك في المجتمع والدولة، وهذا لا يعني أن القوى المجددة المعاصرة ولمتنورة بنور عصرها لا وجود لها بل هي متواجدة وفاعلة ولكن في إطارات ضيقة وفي مسارات معزولة عن المجتمع والخطير أن بعضها يناضل في بحر لجي من التخلف بلا رؤية واضحة أو مشروع بيّن وهذا ما جعل أيدي الهيمنة التقليدية تتخطفها أو تستولي عليها وتوظفها لخدمة مشروعها.
أما الإشكالية العويصة التي تعاني منها بعض القوى الباحثة عن الدولة المدنية العادلة وعن المجتمع العصري أنها في مسارات النضال تنحرف عن أهدافها وتغرق في الأنفاق المظلمة للقوى التقليدية وتمارس النضال بأدواتها وتقاومها بنفس آلياتها فتصبح في نهاية الأمر مشروع يؤسس لقوة من تحاربه بل وتزيد من شرعيته وترسخ هيمنته، ويمثل الحراك الجنوبي مثالا بارزا لهذه القوى.
فالحراك بدأ قويا وشكل منظومة فاعلة لها مطالب حقوقية واضحة وبيّنة، وكان في بداية أمره ينبئ عن تحرك لتعمير مشروع وطني مناضل من أجل المجموع الوطني، وفجأة وقع في فخ الوعي القبلي وأصابته حمى الجغرافيا والولاء للذات وغرق في شعارات الحقد والكراهية وأعلن موته بنفسه أو باختراقات تقليدية قادته نحو حتفه دون أن يعي نتائج خطابه وشعاراته وسلوكه الفوضوي.
يمكن القول ان الحراك ونتيجة فقدانه لنخبة متميزة لها وعي تاريخي خصوصا بعد ان عُزل الحراك عن مشروع الحزب الاشتراكي والنخبة اليسارية المثقفة وعن النخبة الوطنية الليبرالية وعن النخبة العدنية والحضرمية التي لها باع طويل في النضال الثقافي والسياسي وتتميز بثقافة مدنية ونزوع وحدوي ناضج، كل ذلك جعله ينفعل مع الثقافة المحلية ويتحرك من خلالها فولد مشروع متخبط ومتناقض مع نفسه ومع واقعه وهذا جعله يفقد الحس التاريخي ويغرق في نضال آني مرحلي لا همّ له إلا الغنيمة والثأر حتى في أبرز تجلياته الإيجابية في التصالح والتسامح سنجد انه الفعل الهدف منه بناء عصبية جنوبية بوعي القبيلة لمواجهة الشمال!
ويمكن القول أن الحراك فقد حيويته وحسه التاريخي بسبب طبيعة القيادة الفاعلة والمؤثرة في الحراك وبشكل مختصر ومبسط سنجد أن محركي الفعل هم:
- إما قوى عسكرية خبرتها النضالية في المجال المدني محدود ومتأثر كثيرا بالبعد القبلي ووعيه المتخلف.
- وإما أفراد لديهم نزوع أناني مفرط ويجدون المصالح تتوزع دون أن يحصلوا على نصيبهم فيتولد لديهم غضب شديد وهؤلاء على استعداد أن يقودوا قتال شرس لمواجهة الآخر المستفيد ولا يهمّ أن يكون شماليا أو جنوبيا.
- أو قوى مناضلة مثقفة تبحث عن دور بصرف النظر عن نتائج هذا النضال ولأن لديها خبرة طويلة في التعامل مع الجماهير ولأنها لم تعدّ تؤمن بمشاريعها السابقة ولم تطور مشروع تجديدي، لم تجد إمامها إلا بعث ثقافة الوعي القبلي ولكن بصورته الثأرية القائمة على الكراهية والحقد ومواجهة الدخلاء على أرض القبيلة.
- أو سياسي مهزوم كان له القول الفصل وفجأة وجد نفسه مطرود ومعزول عن السلطة وعن الغنيمة ولأنه مهموم بالذات ولأنه لا يملك مشروع أو لم يعد مؤمن بالمشروع الوطني الذي يؤسس لشرعية من يريد هزيمته لم يجد أمامه إلا بعث الغرائز لدى الناس وبعث ثقافتهم القبلية الراسخة في الوعي الشعبي ولكن باسم الجنوب.
- أو مثقف وأكاديمي فقد بوصلته ويعتقد ان النضال بالطريقة التي يعتقد ان من يحكم يدير البلاد من خلالها كفيلة بالاستجابة لحقوق أبناء الجنوب، وأن النضال بطريقة المواجهة باسم الجنوب كفيلة بإجبار النظام بالاتجاه نحو إصلاحات تسهل إعادة توزيع الثروة والسلطة لصالح النخبة الجنوبية المعارضة، دون إدراك لطبيعة الواقع وتناقضاته ولطبيعة القوى المهيمنة وللتحالفات الفعلية في الواقع وقوتها وجبروتها في مواجهة من يتحدى مصالحها.
كان بإمكان الحراك الجنوبي أن يمتلك زمام المبادرة ويصنع التاريخ ويسهم بفاعلية مع القوى الأخرى في إخراج اليمن من مأزقه ويشارك في قيادة اليمن في اتجاهات التغيير، بل ان الحراك كان بإمكانه ان يتحول إلى تحالف وطني واسع يشمل جزء كبير من المعارضة ومن الحكم لو تبنى خطابا وطنيا وحدويا ديمقراطيا عصريا وطور المشروع الحضاري للحزب الاشتراكي وساعد الحزب على الخروج من مأزقه ودمجه في الحراك دون أن يقود الحزب الحراك.
كان من المفترض أن ينطلق الحراك في بداية الأمر من خلال تقديم رؤية نقدية جذرية للتجارب السابقة ومن ثم إعادة قراءة المشروع الوطني وتوسيع التحالفات خصوصا مع القوى الحديثة في اليمن كله في الحكم أو في المعارضة، وربط الحركة كلها من خلال التأصيل للنضال السلمي القائم على أسس إنسانية حضارية عصرية مهمومة باليمن لا بالجنوب وبعض رموزه، ولا مانع أن يدافع الحراك عن حقوق المظلومين من أبناء الجنوب ويطالب بالعدالة في توزيع الثروة والسلطة ولكن وفق آليات محددة وواضحة لا تتناقض مع المشروع التاريخي الحضاري لليمن المتجه نحو المستقبل.
القوى الحديثة في اليمن مشتته وموظفة بطريقة انتهازية لصالح القوى التقليدية في المعارضة والحكم وهي بحاجة إلى حامل تاريخي من المجتمع المدني يعبر عن طموحاتها ويحمي مستقبلها ومستقبل اليمن من الصراعات العبثية التي تجره إلى الخلف وترديه في أزمات لا تخدم إلا القوى التقليدية القبلية والأصولية والمافوية التي لا يمكنها أن تعيش وتهيمن وتستمر إلا بالفوضى. كان الحراك الجنوبي مؤهل لحمل مشروعنا الوطني برؤية تجديدية متنورة بالعصر لكنه قتل بفعل فاعل وجهل الجهلاء وآنية الصراع.
من يقرأ واقعنا سيجد أن كل القوى في الساحة أصبحت غير قادرة على حمل أي مبادرة لتغيير الواقع، والمحاولات الساذجة والغارقة حتى النخاع في براثن القوى التقليدية والتي يشرف عليها المشترك ليست إلا مقاومة فاشلة لا مشروع لها إلا بقاء الأوضاع ثابتة وأن حدث تغيير ففي الشكل لا الجوهر والشعارات المرفوعة لا تعبر عن أصحابها بل هي الديكور المزين للوجه القبيح ولأهدافهم الحقيقية الدافعة وبقوة لمحاصرة العصر لصالح القوى التقليدية القبلية والأصولية وتحالفاتها الخفية مع القوى المافوية الانتهازية.
كان بإمكان الحراك وبروحية وطنية وحدوية حضارية أن يعيد الأمل للكثير من أبناء اليمن لكنه سقط في مقولات وشعارات مدمرة وسلوكيات تخريبية واتجاهات جعلت من المستقبل مظلم.
وفي الختام أسأل:
هل بإمكاننا أن نقدم رؤية نقدية للحراك علّنا نتمكن من بعث الروح النضالية المدنية الوحدوية الكامنة فيه؟ وهل بالإمكان تجاوز المقولات الانتهازية في بنية خطابه والرقي بخطاب الحراك إلى مستوى الواقع اليمني ومتطلباته؟
أن نقد الخطاب وتطويره وتعديل مساراته لابد أن تكون من داخل الحراك وعمقه. الحراك بحاجة إلى قوى مثقفة وقيادة شجاعة تمتلك الجرأة لمواجهة الأخطاء وإعادة رسم الخريطة الفكرية والنضالية للحراك بالطريقة التي تجعله قوة تنويرية حاملة في حركتها المستقبل اليمني الباحث عن دولة مدنية ويمن موحد متمكن من ولوج العصر.