العقدة والحل بأيدينا
بقلم/ حورية مشهور
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 29 يوليو-تموز 2011 04:48 م

للقضية اليمنية جذورها وأبعادها وتداعياتها والنقطة الجوهرية التي نريد أن ننطلق منها في هذا المقال أنه وبغض النظر عن تفاعل وتداخل العوامل الداخلية الوطنية والخارجية ، وعلاقات الخارج وتأثيراته المباشرة وغير المباشرة على الوضع العام برمته وعلى تفاصيله إلا أن الواضح والثابت أن الأطراف الداخلية هي الحاسمة وهي أصل العقدة والمشكلة وبيدها الحل.

ولاشك أن أطراف خارجية كانت ذات علاقة من قريب أو بعيد بالمشكلة وتعقيداتها ، ويمكنها بصورة أو أخرى تساهم وتساعد في الحل . والشارع اليمني في الغالب يحمل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية . وبداية دعونا بداية نلخص الموقف الأمريكي بما ورد على لسان أصحاب القرار في الولايات المتحدة والمختصيين المباشرين من المسؤولين الأمريكيين المتعاملين مع الملف اليمني ففي 19 مايو المنصرم ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطاباً قال فيه :" أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب تطلعات شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتشكيل حكومات مسؤولة تستجيب لاحتياجات شعوبها ، حكومات تسمح لهم بأن يكون لهم رأي فيمن يحكمونهم ، وأنه من الواضح أن استقرار المنطقة يعتمد على وجود مثل هذه الحكومات "

المعنى مباشر وواضح في أنهم يدعمون التغيير ، ولكنهم بالطبع ليسوا المعنيون بالقيام به ، وإنما يمكنهم أن يدعموه إذا كانت هذه رغبة القوى الوطنية لإحداثه . وسيناريو المساعدة إما يكون بالوسائل الدبلوماسية والضغط على الحكام كما حدث في مصر وبصورة محدودة في اليمن وأكثر منها قليلاً في سوريا ، وقد تلجأ إلى القنوات العسكرية تحت غطاء أو مشروعية دولية كما هو الحال في ليبيا . العامل الحاسم في الدعم الأمريكي هو حضور وقوة العامل الداخلي المطالب بالتغيير ولا بد من التذكير هنا بالحالة المصرية التي أجبرهم فيها الثوار إجباراً على التخلي عن أكبر حلفائهم في المنطقة وفي أهم دولة عربية شرق أوسطية ، وشجعت المؤسسة العسكرية المعتمدة كثيراً على الدعم الأمريكي على الانحياز لخيار الشعب المصري حتى لا تنحدر الأمور إلى ربما ما يخرج مصر من دائرة التحالف مع امريكا وتحولها إلى دولة معطلة لبرامج ومشاريع الولايات المتحدة في المنطقة ، ولولا هذه الرسالة من الأمريكان لاستمرت المؤسسة العسكرية التي هي جزء أصيل ومكون رئيس من مكونات النظام في دعم مبارك لأنه هو الذي عينهم وهوالذي يستطيع عزلهم ، و ما زالوا يدعمونه من طرف خفي بعيداً عن الثورة والثوار ، ولو كان الأمر بيدهم لأعادوه معززاً مبجلاً رئيساً وزعيماً خالداً مدى الحياة . وقد أفادت الأخبار بأنهم أرادوا له جنازة – بعد ما تسربت أخبار عن تدهور حالته وربما وفاته - تليق بأبطال العبوروالبطل القومي وصاحب الضربة الجوية الأولى في حرب 1973 ضد إسرائيل ، وكان يوجب له ما يستحقه من تكريم لولا أنه بسوء إدارته وانحراف سلوكه عن الأبطال القوميين في إيثار الذات والعائلة وجد نفسه وأسرته في غياهب السجون. 

وفي ذات السياق تكرر حديث وزيرة الخارجية السيدة هيلاري كلنتون التي قالت " إن ما يهمنا أن تكون هذه المنطقة مستقرة في ظل حكومات مسؤولة تستجيب لمطالب المواطنين ، وفي الواقع تعالج أولويات شعوبها "

وفي الثلاثة الأشهر الأولى من عمر الثورة في اليمن ومع تزايد أعمال العنف ضد الثوار لم تكن وزيرة الخارجية أو الرئيس الأمريكي نفسه يترددا في الحديث صراحة عن التسليم السلمي والفوري للسلطة ، ثم هدأت هذه اللغة بظهور المبادرة الخليجية والفتور النسبي للمد الثوري ، ومرواغة النظام وتسويفه ومماطلته كسباً للوقت تجنباً لتنفيذ ما وعد به أمام الأشقاء الخليجيين والأصدقاء الأوروبيين والأمريكان حتى جاءت حادثة مسجد النهدين فمنحت النظام استراحة المحارب وجمّدت كلياً الفعل السياسي وهدّأت الفعل الثوري.

وفي رد جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى على عبدالرحيم فقرا في برنامج من واشنطن على قناة الجزيرة حينما سأله هل ما يزال الاستقرار وليس التغيير هو الهدف الأساسي يقول فيلتمان " لنا مصلحة في تعزيز حقوق الإنسان والقيم العالمية في جميع أركان المعمورة بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط " ثم يستطرد قائلاً : " نحن مهتمون بتأمين تدفق المشتقات النفطية لتغذية الاقتصاد العالمي ، ولنا مصالح في التصدي للإرهاب وعدم انتشار الأسلحة الفتاكة ..."

ونلاحظ نفس الانسجام في الخطاب الأمريكي بين مختلف المسؤوليين ، وهو أوضح هنا بالإشارة إلى احترامهم لحقوق الإنسان والقيم العالمية ، وهذا الخطاب فيه أيضاً تأكيد للرأى العام الأمريكي الذي ينتقد إدارته ، والذي ما فتيء يلمح ويصرح بوقوفها مع الحكام الدكتاتوريين والمستبدين في المنطقة مقدمةً المصالح على حقوق الإنسان والقيم العالمية . وفي الجزء الآخر من الجواب يؤكد الرجل على المصالح العالمية وهي في نفس الوقت مصالح أمريكية بامتياز، ويفهم من هذا الخطاب محاولة الولايات المتحدة الموازنة بين المعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية وبين المصالح والمنافع التي قد تتصادم أحياناً خيارات الشعوب كما هو حال العلاقة مع اليمن والذي وصلت فيها الأمور إلى مزيد من التعقيد بتقديم الولايات المتحدة لمصالحها على مصلحة وخيارات الشعب اليمني، بصمتها وغض الطرف عن انتهاكات النظام أو نغمتها الناعمة معه وربما تدليله مقارنة بما يفعلون في سوريا وليبيا . كما أن الموقف الأمريكي في الشأن اليمني محكوم إلى حد كبير برضى المحيط الإقليمي والمستند أيضاً على المصالح والمنافع دون التفات كبير إلى خيار الشعب . وربما يُحسب لهم إيجاباً تقييد الشبل في عرينه وكبح شهواته للافتراس وإلا لكان الدم فعلاً قد سال للركب كما وعدوا . يقابل هذا الموقف الأمريكي والإقليمي وهن وفتور في الساحة الوطنية الثورية ، التي لو نهجت السيناريو المصري في التصعيد لكان التوازن في الموقف الأمريكي أفضل بممارسة مزيد من الضغط على صالح وإظهار مزيد من الدعم لخيار الشعب اليمني .

وفي المحيط الإقليمي أستعان صالح بالأشقاء الخليجيين في نهاية مارس الماضي بعد أن ضيقت عليه الثورة الخناق فدفعوا له سفينة نجاة أغرقها بعناده ، ومازال حتى هذه اللحظة وهو واليمن في غرفة العناية المركزة يصر على مواقفه المتصلبة ، التي لا تنم إلا عن عدم تقدير لعواقب الأمور أو التمحور الضيق في إطار رغبات الأسرة وما تريده الأسرة غير عابئاً أو مكترثاً بما تريده الجماهير العريضة والواسعة من أبناء الشعب . والمبادرة حتى وإن كانت مرفوضة من الثوار ومن قطاعات واسعة من الشعب ، إلا أنه تم القبول بها وإن على مضض، على أساس أن كان في هذا الحل إنقاذ للبلد من مصير مظلم يسعى إليه النظام . وتحملت الأطراف السياسية وأقصد تحديداً المعارضة اتهامات الأطراف الوطنية الأخرى بالتهاون والتخاذل الذي وصل إلى درجة التخوين ، ومع ذلك فقد ظهر جلياً بأنها لم تكن مقبولة لمن أرادها وساهم في صياغتها وعدلها واستغاث بها لتنقذه من زخم الثورة وزحف الثوار ووجد فيها الملاذ لإعادة ترتيب أوراقه مستخدماً كل الأوراق بما فيها ملف الإرهاب ذو الأهمية البالغة دولياً وإقليمياً والذي حاولت الأنظمة المتهالكة الأخرى في سوريا وليبيا الاستفادة منه ولم تجد لها آذان صاغية لأن حيثياته غير متوفرة في هاتيين البلديين ، فبدت لعبة سمجة لاقيمة ولا مصداقية لها ، بينما في اليمن كان قد تم تغذيته وإخفائه كاحتياط لوقت الحاجة الملحة والتي حانت اليوم كما تم ضخ المزيد من الأموال للأنصار وشبه الأنصار ،من الذين يبيعون ويشترون لمن يدفع أكثر دون اكتراث لما يمكن أن يلحقه هذا الإهدار بالمال العام لمزيد من الإنهيار الإقتصادي للبلد بسحب الاحتياطي النقدي ، وذهبت بعض التقارير إلى أنه تم طبع أوراق نقدية دون غطاء معادل من العملة الصعبة. إذن النظام زاد في تعقيدات المشكلة سياسياً واقتصادياً وامنياً وضيع فرص الحل. 

ودعونا نستمر باستعراض نتائج زيارات أو تصريحات بعض المسوؤليين الدوليين الساعيين للمساعدة في إيجاد مخرج أو حل للشأن اليمني وكلها تصب في مضمون واحد وهو صعوبة وتعقيد الوضع وضرورة إيجاد حل.

كان جون برينان مساعد الرئيس الأمريكي للشئون الداخلية وشئون الإرهاب أول من حاول كسر حالة الصمت المريب و الجمود السياسي الغريب بعد " معركة النهدين " فذهب إلى الرياض وأماط لنا اللثام عن حالة الرئيس الصحية التي استنتجها الناس ، بعيداً عن حركة الرئيس الإيحايئة بأن كل شئ على ما يرام من خلال توجيه قدمه لشعبه وللعالم كالطفل الذي حينما ينتصر يمد لسانه لأقرانه ، وجاء إلى اليمن والتقى بكل الأطراف ذات العلاقة وكان صريحاً جداً مع المعارضة ومباشرة وبدون مواربة قال لهم بالحرف الواحد أن صالح لن يتنحى ولن يسلم سلطاته لنائبه وأنه عائد إلى بلاده ولا يستطيع أحد منعه. فهل كان الرجل يستفزهم للبحث عن الحل لإنقاذ بلادهم ؟

 وخطى الأمريكان خطوة إلى الأمام – كما فعل الأوروبيون- بالضغط على النظام بتوقيف المساعدات إلى أن تنجلي الأمور وتتضح الرؤية. ومع ذلك لم تتفتق قريحة المعارضة إلا عن تصريح أقل ما يمكن أن يُقال فيه أنه مهين لكل القوى الوطنية في الساحة ولهم بالأساس حينما قالوا بأنهم شعروا بالإحباط . هل هذا هو كل ما استطاعوه حيال تعنت صالح وجروح الوطن وأنينه ... كان يُفترض بهم الاستعداد ليوم كهذا ولمرحلة كهذه ليس فقط بحل واحد ولكن ببدائل حلول متعددة فإذا لم ينفع الأول ربما الثاني أفضل وإذا لم ينفع الثاني لعل الثالث أيسر تطبيقاً وأكثر قبولاً ...ولم نسمع شيئاً من هذا القبيل ولعلهم كانوا بانتظار حلول تسقط عليهم من السماء أو تنبع لهم من باطن الأرض ... وقد ستر الله بمبادرة الشباب والتقدم باتجاه الحل بالإعلان عن مجلس انتقالي رئاسي. ومهما شاب التجربة من قصور إلا أن أي شخص يمتلك ذرة إحساس بالمسؤولية الوطنية لم يكن ليقف معارضاً أو منافحاً أو صامتاً حياله. وللأسف لقد أختاروا الخيار الأخير مما أضعف الاصطفاف الوطني باتجاه الحل الذي كان يترقبه الجميع داخلياً وخارجياً وربما أدى إلى استسلام الخصم في هذه المعركة التي يخسر فيها الجميع دون استثناء.

وفي الأسبوع قبل الماضي كانت هناك زيارة لمسؤول ألماني رفيع إلى الرياض وبعد زيارته لصالح تصدر عنوان رئيس كثير من المواقع الإخبارية بأن الرئيس مقتنع بالتنحي ولكن عائلته تعيقه من التنفيذ .وهذا العنوان في الحقيقة كان من أكثر العناوين استفزازاً للعقول والمشاعر اليمنية ولا أعلم كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يستمر بالتعامل مع هكذا نظام أسري يجاهر بخطأه وخطيئته دون حياء أو وجل. وبيّن بدون أدنى شك أنهم هم أصل المشكلة وهم من أكثر الأطراف تعقيداً للحل. وهذا السلوك خارج إطار الدستور والقانون هو الذي عطل تطبيق الحل السياسي / الدستوري بنقل السلطة لنائب الرئيس.

كل المسؤوليين الدوليين يذهبون إليه برسالة واحدة فحسب بأن بلاده منهارة وعليه الإستجابة لمطالب الشعب بنقل السلطة إلى نائبه – وهي خطوة أقل مرتبة من سقف الثورة المطالبة برحيله وإسقاط النظام برمته ، ولكن يبدو جلياً أن الرئيس لا يثق بأحد حتى بنائبه وهذه الثقة غير ذات علاقة أو خوف على البلد ومصالح البلد بل هي خوف على شبكة المصالح والمنافع الفردية والضيقة للأسرة المعقدة والمتغلغلة في مفاصل الحياة الإقتصادية والعسكرية والأمنية على وجه الخصوص . والنائب يقف مكتوف الأيدي وقد كانت الآمال معلقة عليه لأن يكون جزءاً من الحل ولكنه فضل أن يكون حاضراً في لب المشكلة ، مثله مثل صالح وأسرته.

وها هو مسوؤل دولي آخر يقذف بالكرة في مرمانا ، فبعد زيارات مكوكية لليمن خلال الستة الأشهر الأخيرة، و يوم أمس نفض السيد جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يديه وقال إن الحل بيد اليمنيين وأن الأمم المتحدة لم تقدم أي مبادرة جديدة محذراً من أن اليمن يعاني إنهيار الدولة . أي وبعد أن كانوا يصنفوننا بالدولة الهشة والمعرضة للفشل ها نحن نصل إلى مرحلة انهيار الدولة أي أن المشكلة استفحلت ولا حل يلوح في الأفق.

نستقرئ الوضع على النحو التالي بأن الرئيس وأسرته ونائبه بدرجة أساسية وقلة قليلة جداً من المنتفعين هم أساس المشكلة وهم لا يريدون حلاً . والقوى الوطنية وخاصة الثوار على الطرف الآخر إيقاعهم أقل من المطلوب ولا يتفق وحجم التحديات الخطيرة التي تعصف بالبلاد والعباد واختلفوا حول الحل الذي قدمه فصيل منهم مما حدّ من أهم عنصر من عناصر قوتهم ألا وهي وحدتهم . والمجتمع الدولي لا توجد لديه حلول مفصلة وجاهزة وينتظر من اليمنيين وضع الحل وهم منتظرون وعلى درجة عالية من الاستعداد لتقديم المساعدة بعد وضع هذا الحل موضع التنفيذ لأنهم يدركون حجم المأساة ، ودون ذلك فإن اليمن إلى الهاوية بيد أبنائها ، ولا نلوم إلا أنفسنا.ولا يفيد كثيراً الإتكاء على نظرية المؤامرة إن لم نستعيد زمام المبادرة بإيجاد المخرج والحل.

وأخيراً فإن سؤال كبير مطروح بقوة هل المجتمع الدولي أحن وأرأف على اليمن من اليمنيين ؟ ولا أعتقد أنه سوء إدراك من قبل اليمنيين حول حجم الكارثة لأنها ليست حاضرة على المستوى الكلي والوطني بل لقد مست كل فرد.