إستشهاد السنوار: كيف يتحول الصامتون عن الانتهاكات الإسرائيلية إلى شامتين؟
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: أسبوع و 3 أيام و 9 ساعات
الثلاثاء 29 أكتوبر-تشرين الأول 2024 06:50 م
 

بعد أن تلقيت نبأ استشهاد القائد يحيى السنوار في اشتباك مع العدو الصهيوني، تهيبتُ مطالعة ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، خشية أن تطلّ فئة من الكُتاب والناشطين أعرفهم على وجه التعيين أو بسيماهم، فيكتبون بحق السنوار ما كتبوه في حق سلفه إسماعيل هنية.

كتبوا ويا ليتهم صمتوا، حامدين شاكرين لا صبرا على مصيبة، بل فرحا وابتهاجا لمقتل السنوار، وبأن الله قد أراح الأمة من شره، وأظهروا من البُشر والسرور ما يُشعرك بأن هذا القائد كان مُحتلاً لأرضهم أو مغتصبا لنسائهم، أو قاتلا لذويهم.

جيش الشامتين الذي يظهر في كل محنة تصيب المقاومة، ويتقيأ على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من سريرته الخبيثة، كثّف الشماتة لمقتل السنوار، بعد أن خطف أنظار العالم بنهايته البطولية التي لم يستطع إعلاميون صهيونيون كبح جماح أنفسهم في إبداء الإعجاب بشجاعة الرجل، لكن جيش الشامتين كالعادة صهاينة أكثر من الصهيوني.

ارتضى الشامتون الفرحون لمقتل السنوار، أن يكونوا جزءا من لقطة خروج الصهاينة في الشوارع، ابتهاجا برحيل الرجل الذي مرّغ أنف الاحتلال في التراب، فلم يبالوا بأن يوجدوا في خندق الصهاينة نفسه.

هؤلاء الشامتون ظهروا في هذا المشهد عراة، نعم كانوا عراة متجردين تماما من كل هوية ومن كل خُلق، فتجردوا من هوية المسلم الذي يحزن لمصاب أخيه المسلم، ويقابل نبأ موته بالترحم عليه والاستغفار له حتى إن كان مخالفا له. تجردوا من أخلاق العربي الذي عُرف بالمروءة والشهامة حتى مع خصومه، وإذا أجهز عليه لم يشمت به، بل ينظم الشعر في شجاعة خصمه، ويقر بمآثره. تجردوا من مشاعر الإنسانية التي تتحرك مع أي صورة تحمل أذى لكل كائن حي، فضلا عن إنسان، وتقف بخشوع أمام رهبة الموت. هؤلاء الشامتون المبتهجون لمقتل السنوار، لم يتعرض السنوار يوما لدولهم وحكوماتها، ولم يناصبها العداء، ولم يسم أو يعين أي جهة متخاذلة تخلت عن دعم القضية الفلسطينية، ولم يتجاوز عمل المقاومة الفلسطينية يوما حدود الأرض الفلسطينية، فلماذا كل هذا العداء والحقد للمقاومة وقادتها؟ هذه الفئة من جيش الشامتين، هم أنفسهم الذين كانوا يقولون قبل طوفان الأقصى إن قضية فلسطين هي شأن داخلي، وأنه يكفي ما فعلته بلادهم للقضية الفلسطينية طيلة العقود السابقة، فلما انطلق طوفان الأقصى، لم يثبتوا على آرائهم بأن ما يحدث في فلسطين شأن داخلي يخص الفلسطينيين وحدهم، فأصبحت القضية الآن قضيتهم يخوضون فيها بأفكارهم وتصوراتهم الرثّة، انطلقوا – بدعوى التعاطف مع قطاع غزة المنكوب والحزن على القتلى والجرحى والنازحين – يشيطنون المقاومة وقادتها، ويتهمونهم بالتسبب في هذه الكارثة الإنسانية التي لحقت بالقطاع.

هم أنفسهم الذين التزموا الصمت قبل طوفان الأقصى حيال حصار غزة ومنعها سبل الحياة وتركها وحيدة بين البحر والأسلاك، هم أنفسهم الذين صمتوا عن الانتهاكات المستمرة بحق الأقصى من قبل الصهاينة، برعاية حكومتهم، وهم أنفسهم الذين لم نسمع لها حسا لآلاف الأسرى الفلسطينيين المعذبين في سجون الاحتلال، وهم أنفسهم الذين تجاهلوا كل الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين في كل بقاع فلسطين. هؤلاء تجاوزوا حقيقة أن الاحتلال ماض في طريق ابتلاع فلسطين ورفضه حتى حل الدولتين الذي عملت عليه الدول العربية، وأن عملية تهويد الأقصى وصلت إلى محطاتها الأخيرة في ظل الصمت الدولي والعجز العربي، فما الذي تبقى للفلسطينيين من حل سوى المقاومة؟ إلى أي مدى يصبرون إذا كان الانتظار يفاقم الأوضاع سوءا؟ هؤلاء الشامتون في مقتل السنوار لم ينطلق عداؤهم للمقاومة وقادتها من الحرص على أرواح الفلسطينيين، فهم أبعد الناس عن الاكتراث لها، إنما هي حالة من الحنق والغيظ انتابتهم لأن معركة طوفان الأقصى وضعت العصا في عجلة التطبيع الذي كانوا يسعون إليه ليعيشوا أوهام السلام الدائم مع أمريكا وإسرائيل، وكأن كل مشكلاتهم في الحياة سوف تنتهي بالتماهي مع الاحتلال.

ذكرني حالهم هذا برأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول، الذي كان يُطرَّز له التاج ليكون ملكا يدخل تحت رايته الأوس والخزرج في المدينة، ولكن جاءت الهجرة النبوية لتفسد عليه حلمه، فجاء عداؤه للمسلمين، رغم إظهاره الإسلام، تعبيرا عن الحنق والغيظ الذي يعتمل في نفسه. في الطريق الوحيد المؤدي إلى منزله، مرّ الرجل بجيرانه الذين حذروه من الذهاب إلى بيته لأن لصا مجرما يقف في هذا الطريق، ولأن الرجل لا يعرف طريقا إلى داره غير هذا الطريق، فقد أبى إلا أن يذهب إلى بيته مهما كانت النتائج، فلما مرّ هاجمه اللص فاشتبك معه الرجل بكل قوته، فوقف الجيران يرقبون المشهد ولم يتفوهوا بكلمة واحدة للمجرم، كان كل حديثهم موجه إلى الرجل صاحب المنزل: أيها الأحمق، أيها السفيه، ألم نحذرك؟ ألم نقم بتنبيهك؟ هذا المشهد يجسد حال جيش الشامتين مع المقاومة، يحملونها أسباب الكوارث في غزة، بينما يغضون أبصارهم عن الجاني المجرم الذي قصف ودمّر وأراق الدماء.

لقي السنوار ربه مقاوما صابرا مقبلا غير مدبر، يقاتل عدوه حتى الرمق الأخير، في مشهد سوف يخلد في ذاكرة هذا الجيل والأجيال التي تليه، وستخلد إلى جواره كذلك تلك الكلمات التي أظهرت الشماتة والفرح بمقتل هذا القائد، لتكون شاهدة على خسة أصحابها، الذين لن ترحمهم الجماهير بعد تحقيق موعود الله بالنصر، فمآلهم إلى مزبلة التاريخ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

#القدس العربي