جدلية نقل السلطة
بقلم/ د: عبدالرحمن أحمد المختار
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 8 أيام
الأربعاء 07 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:24 م

بين فهم الشيوخ ووعي الشباب

منذ اليوم الاول الذي تم فيه طرح المبادرة الخليجية على طاولة البحث لفك الاشتباك السياسي بين الفرقاء في الساحة اليمنية - الحزب الحاكم واللقاء المشترك المعارض – والحديث يجري لم ينقطع ، والجدل لا يكاد يتوقف حول ضرورة توقيع الرئيس شخصيا على المبادرة التي تعد وبكل مقاييس الدنيا لصالح الصالح دون سواه ، وما اعتبرته المعارضة مكسبا بالتوقيع لا يعدو عن كونه سرابا يحسبه المتعطش للسلطة ماءً ، وبالتأكيد سيدركون عندما يصلون الى السلطة أن التوقيع لم يكن سوى فخ وقعوا فيه ، كشف عنهم القناع الذي ركبوا به موجة ثورة الشباب لان ولوجهم باب السلطة الى جانب من أعلنوا ثورتهم عليه يعني انسلاخهم عن الشباب وثورتهم وركوبهم موجة أخرى توصلهم الى غايتهم بسرعة أكبر تاركين الشباب وهدف ثورتهم في التغيير الجذري في الساحات، وربما سيواجهونهم من مواقعهم الجديدة في السطة التي أثبتوا من خلال التحاقهم بركبها أنها وحدها وليس التغيير هدفهم، ومن كانت السلطة هدفه فالانقلاب وليس الثورة طريقه.

إن الحديث عن نقل السلطة كما برعت المعارضه في تسويقه هو حديث لا يستقيم ولا يتفق مع أحكام القانون والمبادئ الدستورية لان ذلك الحديث ببساطة شديدة عبارة عن مخدر موضعي لن يتعدى مفعوله المدة الزمنية المحددة لكمية الجرعة المخدرة ، وما يستقيم من الحديث مع المبادئ الدستورية المستقرة ، والذي يمكن أن يكون ملزما وحجة على أطرافه ، ويمكن من خلاله توصيف ما جرى ويجرى من ترويج لمضامين المبادرة الخليجية وأهمية توقيع الرئيس عليها ، وقبوله بها ، كل تلك المضامين لا تعدو عن كونها تفويض بعض اختصاصات الرئيس الى نائبه يمارسها هذا الاخير بأسم الرئيس وتحت أشرافه، لان التفويض وكما هو معلوم لا يكون صحيحا الا إذا كان جزئيا ، أما إذا شمل التفويض جميع الاختصاصات فيعد باطلا ويؤكد ذلك ماور في المادة ( 124) من الدستور التي نصت على أن " ... وللرئيس أن يفـوض نائبـه في بعض اختصاصاتـه " كما أنه لا يترتب على تفويض بعض الاختصاصاصات تفويض السلطة لان هناك بون شاسع وفرق واضح بين الاختصاص والسلطة فيمكن تفويض بعض اختصاصات الرئيس - بشرط أن يجيز ذلك النص - الى المرؤس في حين تضل السلطة بيد المفوض دون أن تنتقل الى المفوض اليه ، وتضل مسؤلية الرئيس قائمة عن الاختصاصات التي يمارسها المفوض اليه ، ولا تسقط بأي حال من الاحوال، بل أن الرئيس يستطيع وفقا للاحكام العامة للتفويض أن يمارس ذلك الاختصاص بنفسه، أويعدله ، أو يلغيه متى شاء .

ولم يتوقف الترويج عبر وسائل اعلام المعارضة للمبادرة وما مثلته من مكسب عظيم ترتب عليها دخول البلاد في مرحلة انتقالية حسب وصفها من خلال توزيع الحقائب الوزارية بين المعارضة والحزب الحاكم ، وحقيقة لاندري عن أية مرحلة انتقالية يتحدثون ، هل هي انتقالهم هم من ساحة المعارضة الى ظلال السلطة الوارفة ؟ أم انتقال البلاد من مرحلة الى اخرى؟ إذا كان الحديث يجرى عن الاستفهام الاول فمعهم حق انتقلوا من حالة الى اخرى أما الاستفهام الثاني فلا يجوز الحديث عن مرحلة انتقالية قي الوقت الذي لا تزال فيه المرحلة الدائمة قائمة بحكم الدستور ، بل ولا يزال الحاكم يتربع على قمة هرم السلطة ، ويمارس صلاحياته الدستورية بشكل مباشر وغير مباشر كما جاء في صدر المادة (124) من الدستور " يعاون رئيس الجمهورية في أعمالـه نائب الرئيـس . نعم يصح وصف الوضع في تونس قبل الانتخابات وفي مصر حاليا وكذلك ليبيا بأنه مرحلة انتقالية لكن لا ينطبق ذلك الوصف على بلادنا بحال من الاحوال بل أن جل ما يمكن أن يوصف به الوضع هنا بغض النظر عن كل ماورد في المبادرة الخليجية بأنه ( مبادرة من الرئيس لانتخابات مبكرة مع التزامه حكم المادة 112 من الدستور) وأكثر من هذا الوصف يعد تكلفا وتصنعا ومبالغة وتزييف للواقع.

لم يفاجئني ما شاهدته واستمعت إليه من حوار عقيم سقيم ليلة أمس على قناة سهيل حول الجوانب القانونية للمبادرة لتبرير ورطة المعارضة من وجهة نظر لا يمكن أن توصف بحال بأنها قانونية ، ويبدو أن المتحدث الذي اسهب في القول عن نقل المبادرة الخليجية للسلطة من الرئيس الى نائبه يفتقر لمكنة التمييز بين السلطة (بضم السين) والسلطة (بفتح السين) إذ يصح القول بانتقال الثانية من شخص لاخر بالتناول، في حين لا يستقيم هذا القول بالنسبة للاولى ، لان فيه تجاوزا لاسس ومقومات السلطة نظريا وواقعيا ! ففيما يتعلق بالجانب النظري والذي يمثل خلاصة نظريات صاغها فلاسفة وفقهاء كرسوا جل حياتهم لفهم اساس خضوع المحكومين لسلطة الحاكم ولا يخرج هذا الاساس عن قبولهم راضين مختارين لسلطة حاكمهم، أو انصياعهم لهذه السلطة بالقوة بكافة مظاهرها، ومن ثم فإن الحديث عن نقل السلطة يجب أن يسبقه الحديث عن نقل أساسها فإذا انتفى نقل هذا الاساس انتفى بالنتيجة القول بنقل السلطة ، ولا يستطيع أحد أن يجازف بالقول أن المحكومين في بلادنا قد عبروا عن رضاهم بالقبول بسلطة نائب الرئيس من خلال انتخابات رئاسية، وكذلك لا يستطيع أحد أن يجازف بالقول أن نائب الرئيس حاز القوة بكافة مظاهرها ، وفرض سلطته من خلالها، وإذا كان رضى المحكومين كأساس لسلطة الحاكم في بلادنا غير مكتمل وغير واضح ، فإن القوة بكافة مظاهرها كأساس لسلطة الحاكم هي ما يجب النظر إليه فلا يزال يمسك بزمام القوة القهرية( المسلحة ) ويملك القوة الناعمة (المال) ويوجه قوة الاقناع (الاعلام) وهذه القوة لازالت فاعلة وفعالة، وإذا كان الامر كذلك فالحديث عن نقل سلطة الرئيس الى نائبه يعد حديثا فارغا من كل مضمون، وفيه خلط واضح بين حكم المادة (116) التي تنص على أن " في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجـزه الدائم عن العمل ، يتولى مهام الرئاسة مؤقتاً نائب الرئيس لمدة لا تزيد عن ستين يوماً من تاريخ خلو منصب الرئيس يتم خلالها إجراء انتخابات جديـدة للرئيس ... " والمادة (124) من الدستور التي تنص على أن " يعاون رئيس الجمهورية في أعمالـه نائب الرئيـس ، وللرئيس أن يفـوض نائبـه في بعض اختصاصاتـه.

وكما هو واضح من النصين فمنصب الرئاسة لم يخلو ، والرئيس ليس عاجزا عن ممارسة مهام الرئاسة ، فهو موجود يعاونه نائبه من خلال تفويض الرئيس له بعض اختصاصاته ، وواضح أيضا أن المبادرة الخليجية كلها تدور فقط حول مضمون المادة (124) من الدستور ولم تأت بجديد وهي كما وصفناها سابقا لا تعدو عن كونها دعوة رئاسية لاجراء انتخابات مبكرة، ولكي يصبح الحديث عن نقل السلطة صحيحا فلا بد أن يوجه هذا الحديث نحو المادة (116) من الدستور إذ أنه وفقا لاحكام هذه المادة يعتبر منصب الرئاسة خاليا في حال استقالة الرئيس أو إقالته ، أو وفاته أو عجزه الدائم عن العمل أو اتهامه بالخيانة العظمى أو بخرق الدستور أو بأي عمل يمس استقلال وسيادة البلاد ، وهنا فقط يمكن الحديث عن انتقال السلطة من الرئيس الى نائبه مؤقتا.