لا دينية...
بقلم/ فيصل علي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 22 يوماً
الأربعاء 27 يوليو-تموز 2011 05:02 م

استفاض بنا الحديث وهي تسألني عن شكل الدولة القادمة في اليمن بعد انتصار الثورة ، هذا النصر هي ترى انه اصبح وشيكا للغاية !. لسوء الحض فانا يا سدتي لا احب الحديث عن الشكل بعكس حبي للحديث عن المضمون .. فها نحن نكابد كي نخرج من شكل الدولة الزائف ، فكما تعلمين لم تكن دولتنا علمانية ولا اسلامية ولا شيوعية ولا ليبرالية كانت خليطا من هراء ، وشكلا من وهم، ولذا لم نصل الى شيء مما نصبوا اليه، بل وصلنا الى ما قاله احدهم :" قالوا خرج وهو دخل قبالي الله يشله لا لهم ولا لي" .. فلماذا تثيري البحث عن الشكل القادم ولا تفكري قليلا في المضمون ؟ماذا يهمك في التسميات الفارغة؟ بكل برود قالت اريد ان اطمئن على مستقبل اليمن، وما الذي سيكون عليه الحال بعد التخلص من الكابوس الذي اضاع نفسه واضاعنا معه؟ وترددت وهي تسالني هل تريدون انتم دولة دينية ام مدنية ام ماذا ؟ وجدت نفسي اتحدث عن شجون القادم واردد: كل ما هو آت آت.. وقلت بصريح العبارة : نحن ضد الدولة الدينية بكل اشكالها ، فلا يوجد في منهجنا ما يشي بذلك، و هذا المفهوم لا اصل له في تراثنا الفكري!.

الدولة الدينية معناها تعصب لرأي ،او لمذهب، او لدين، دون سواه وهذا مفهوم باطل وتجاربه فاشله من اوروبا سابقا الى تشوهات خلقية في بعض دول الشرق الاوسط ، اذ تكونت لدينا ثلاثة نماذج لما يصح تسميته بالدولة الدينية ، النموذج الاول : ايران الاسلامية الجعفرية، دولة المذهب المتعصب.. ديمقراطية لمصلحة المرشد واقطاب التشدد ،حتى المساجد ممنوعة عن المُخالف مذهبيا، لا تقام خطبة وصلاة الجمعة لخمسة مليون مسلم سني في طهران وحدها لان المذهب الحاكم لا يرى لها وجوبا حتى عودة صاحب الزمان (عج) . فالديمقراطية شكلية لا احد يفوز سوى من اراد له الخامنئي ذلك لانه اعلم بمصالح العباد وبمصالح الشعب الفارسي اجمع، فهو وكيل الامام الغائب والمتلقي لتعاليمه القادمة من السماء على هيئة ولاية الفقيه المعصوم المستمد عصمته ايضا من الرجل الغامض بسلامته - المهدي المختفي- الذي اختفى مترجلا عن فرسه قبل مئات السنين في مغارة سامراء بارض العراق .. وهذا النموذج اقرب للثيوقراطية الدينية التي سادت اوروبا وما زال الشعب الحر في ايران يقاوم هذه الخرافة اللعينة البعيدة عن الله وروسوله وال بيت الرسول الاطهار.

النموذج الثاني: اسرائيل العنصرية التي تلبس لباس الحداثة والعصرنة في ثوب حاخام متعصب لا يرى الا طائفته من اولاد يهودا الذي القى بنبي الله يوسف في غياهب الجب، لن نقول ان اسرائيل تبدي العنصرية الدينية ضد المسلمين او العرب مسلمين ومسيحيين وهم السكان الاصليين لهذه الارض المباركة، بل التعصب حتى بين اليهود انفسهم فلم نسمع من 1948م ان يهوديا من اخواننا يهود شرعب الذين هاجروا من ضمن صفقة الامام واليهود التي بموجبها هاجر 50 الف يهودي يمني الى فلسطين لاقامة دولة التلمود وبناء الهيكل المزعوم قد وصل الى ان يكون وزيرا للخارجية، ولا حتى وزيرا للزراعة.. العنصرية ضد يهود اليمن قائمة ولن يتغير فكري عن عنصرية اسرائيل حتى اسمع ان سعيد الشرعبي اليهودي رئيسا للوزراء.. اقل شيء نطمئن على اخواننا يهود اليمن في فلسطين – اخوة التراب او اخوة الرضاعة – وانهم متساوون بيهود اوروبا الحاكمين.

النموذج الثالث: المملكة العربية السعودية حيث ان شعبها وكثير من قادتها متجهين نحو العصرنة وينقصهم تشكيل نظام حكم مطور يتناغم مع ممالك العالم الا انهم مازالوا مصرين على التمسك بالتحالف القديم بين محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب مع انه تحالف انتهى عمره الافتراضي، فلم يعد هناك شرك في جزيرة العرب ولا عبادة اصنام ولا قبور، وكل ما في الامر ان هناك عبادة ذهب واموال وهذا لم يرد عن الشيخ فيه شيء ، عمليا انتهت مبررات هذا التحالف، واستغرب كثيرا كيف يسمح في السعودية لاظهار تيار المتشددين الذين خرجوا حتى عن منهج الشيخ نفسه وخرجوا عن المذهب الحنبلي الذي ينتمي اليه الشيخ وخالفوه في كثير من المسائل على انه هو التيار الممثل للدين في المملكة، فيظهرون على انهم حماة التوحيد في عالم من الشركيات المختلقة، ولعمري انهم ادخلوا المملكة في حرج وشوهوا صورتها امام العالم المتحضر فماذا يعني ان تقود المراة سيارتها واي دين يحرم ركوب البعير واكل الدُخن او الشعير.. ان هذا الشكل من اشكال الحكم ايضا مرفوض.

وكما اننا نرفض نموذج الدولة الدينية في المنطقة ايضا نرفض نموذج الدولة العلمانية فنماذج بن علي والاسد ومبارك وصالح وبوتفليقة وكل الديكتاتوريات التي سبقتها او مازلات باقية هي ايضا مرفوضة، وهي نماذج للفشل علمت على تقوية الديكاتورية، وبدلا من ان تخرج لنا دولة مدنية وديمقراطية اخرجت لنا اصناما وحيوانات متماثلة في افتراس الشعوب والضحك على عقول البسطاء ، والنتيجة منطقة فاشلة في الحفاظ على كرامة ابنائها .

لقد مضينا نتخبط يمينا ويسارا فلم نفلح ولن نفلح بعد الثورة اذا كررنا ما سبق، نحن اليمنيون لنا خصوصيتنا سواء اكنا اسلامين او علمانيين فكلنا وبلا استثناء نحب الله ورسوله وهذه حقيقة مطلقة على الجميع فهمها من امريكا الى الصين وعليهم ان لا يصدقوا حروبنا الاعلامية والكلامية وليتأملوا جيدا الشعب اليمني عن قرب في سلوكياته، وان ينظروا لمنظمات المجتمع المدني في مختلف القضايا التي يختلف عليها الجميع لا يعدوا الخلاف بين فكرتين الا كونه خلافا فقهيا قديما جديدا ، ولا يخرج احد الطرفين عن نصوص فقهنا الى غيرها. الثورة اليمنية مزيج من اظهار التعايش بين جميع الاطياف اللقاء المشترك هو ذاته مزيجا فكريا متفق على اسس لا يختلف عليها احد حتى في الجانب الفكري. لكن البعض حرفيين مهتمين بالمسميات لا غير في الجانب الشكلي فقط.. لقد شهدنا بعد الوحدة اليمنية في مجلس النواب خلافا على "بسم الله وباسم الشعب وعلى باسم الله ثم باسم الشعب" وخلاصة الكلام نحن يمنيون متعايشون ترفنا الفكري والفقهي يطغى على معظم المسائل ،ولا تخرج عن كونها تراثا متراكما.. ابحثوا في كافة المسائل ستجدوها كذلك.

نحن ارق قلوبا والين افئدة ولذا نريد دولة تقوم على الحب والتراحم وعلى المؤخاة على فكر الاشعريين- وهم من اجدادنا - الذين كانوا يضعون طعامهم في اناء واحد ويقتسموه سوية ليجعل الله فيه البركة للجميع، الذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم". بكل لغات العالم وبكل حروف الدنيا نريد دولة عدل وحرية ومساواة وكرامة، الرئيس فيها موظف بقانون يطبق عليه قبل غيره مسائل من قبل اي مواطن كان .. لا نريد سوى ان نعيش بسلام وامان، وان نسهم في سلم العالم وامنه واستقراره ، لنا كرامتنا مثل شعوب الارض، نقيم علاقتنا مع المجاورين ومع العالم بناء على مصالح الشعوب لا على رغبات الحكام وتجار البارود .

لا نريد سلب احد ملكه ولا اخذ مال احد ولا نريد قطع رزق احد، بل نريد صلة رحم بين كل الناس وحب يغطي السهول والشعاب نريد ان يسافر المواطن من صنعاء الى حضرموت لا يخشى الا الله، ونحن نحرس غنمه من الذئب، لاننا شعب واحد مهما تعالت اصوات المرجفين. دولتنا المنشودة لا اقصاء فيها ولا تهميش ولا طبقات. هل يرفض احدا المساواة هل يرفض احد الخير؟ لا والف لا لمن يبعث الحقد ويثير بحرصه الزائف الفتن .. لسنا مصدري ثورات ولن نكون.. اليمن لم تصدر الا الحب والسلام لهذا العالم وستظل على هذا النحو.. موقعنا يجعل العالم ينظر لمصالحه عندنا،ولذا نقول للامريكان والاوربين وللعالم اجمع مرحبا بكم في اليمن الحر الديمقراطي المدني تعالوا الى كلمة سواء الى مصالح مشتركة ، واقامة القواعد المنبثقة من اتفاقيات الاقتصاد والسياسة والامن العالمي، وفقا لمصالح شعبنا العظيم لا وفقا لاهواء الافاقين مريقي الدماء ومثيري الحماقات.

لم ينته حواري معها .. لكنها اومأت براسها اليا انها قبلت ما طرحت، الا انها ابلغتني قبل مغادرتها المكان ان اسئلة اخرى في راسها تدور ستطرحها بقوة اكثر ولن تتردد لمعرفة القادم حتى تعرف مع من ستتعامل وكيف ستضع خطتها للوصول لما يدور في خلدها ! ربما هي تريد ان تكون بلقيسا اخرى فمن يدري ربما هذا هو المستقبل! وعدتها ان اكون اكثر طلاقة في الحديث واقل دبلوماسية في الاجابات فلست متقيدا لاحد بشيء وما اثق فيه ساقوله لها وللعالم اجمع، بشرط ان تجنبني الشكليات وتركز على المضامين بمعنى اخر ان تترك ملة وافكار المتمسكين بحرفية المصطلحات والغوص في اعماق المستقبل، فهذا هو الافضل.