كرة القدم ، درس في السياسة..!!
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 7 أيام
الجمعة 09 يوليو-تموز 2010 05:22 م

بعد أيام قلائل يستكمل مونديال 2010م فصوله في جنوب أفريقيا ويتوج الفائز بطلاً لكأس العالم في كرة القدم..

ولاشك أن محبي ومشجعي هذه اللعبة في مختلف بلدان العالم قد ظلوا خلال شهر كامل مشدودين إلى متابعة المباريات أو معظمها على الأقل، ولا فرق في ذلك بين كبار القوم أو بُسطائهم، فالكل في تشجيع وحب كرة القدم سواء..

وتعتبر كرة القدم أهم لعبة عرفها الناس في التاريخ الحديث، واستطاعت أن تسحر ألبابهم وتفرض نفسها كجزء من الواقع المُعاش حتى على أولئك الذين يتخذون منها موقفاً مضاداً، ويعتبرونها ملهاة..

وبحكم التطورات التي شهدتها لعبة كرة القدم وما رافقها من تطورات تقنية واتصالية مرتبطة بها، فإن هذه اللعبة أصبحت محل اهتمام خبراء السياسة والاجتماع وعلماء النفس وأجهزة الدعاية والإعلام، بالإضافة إلى أصحاب الأهداف الاقتصادية والسياحية..

وفي كل الأحوال تظل كرة القدم مدرسة نموذجية لأصحاب المشاريع السياسية على مستوى الدولة والأحزاب،، فالفردية هي مصيبة العرب بشكل عام واليمنيون بشكل خاص، في السياسة والاقتصاد، وفي العمل الاجتماعي والاهلي وفي العمل الرسمي والشعبي . وما يميز لعبة كرة القدم هو أنها تقوم على أساس العمل الجماعي وتكامل جهود كل أفراد الفريق وقيام كل لاعب بدوره المطلوب في موقعه المحدد..

وبالنظر إلى مايعانيه واقع الأحزاب اليمنية من اختلالات وضعف وترهل وعدم القدرة على لملمة الجهود وتوظيف الامكانيات المتاحة، فإن هذه الأحزاب مدعوة إلى استلهام النجاحات التي حققتها لعبة كرة القدم، كتجربة بشرية قائمة على التخطيط ورسم الأهداف والتركيز في التنفيذ والمثابرة في بذل الجهد والتطوير المستمر..

وإذا كان كل فريق يمثل في ذاته وحدة اجتماعية، فإنه في مجموعه العام يمثل الوحدة الوطنية لبلده، حيث يتم تشكيله واختيار أعضائه بحسب الكفاءة والقدرة وتوفر الاستعداد والجاهزية بعيداً عن المحسوبيات أو العلاقات الشخصية والمناطقية والقرابية، ولا توجد مهام أو أدوار دائمة وثابتة, فالتجديد المستمر في دماء الفريق هو جزء من عملية التطوير والتحديث..

وأمام البحث الدائم والمتواصل عن القدرات والطاقات البديلة فإن اعتزال أو إبعاد السابقين يصبح أمراً معتاداً بمجرد الشعور بتدني مستوى أدائهم وتوقف قدراتهم عن التطوير وتقديم الأفضل أو بمجرد تقدم السن..

وكل المبدعين والمتميزين في ميدان كرة القدم تقبلوا قرارات اعتزالهم بروح رياضية، دون منٍّ أو أذى، ودون إضفاء أية هالة دعائية على ما قدموه من جهد، ودون القول بأن الفريق سيضيع وسينتهي بمجرد مغادرتهم الميدان، فحياتهم في هذا النشاط الرياضي علمتهم أن خروجهم الطبيعي وإتاحة الفرصة لمن بعدهم، هو عنصر قوة في بنيان فريقهم، وركيزة أساسية لاستمراره ونجاحاته، وأن لعبة كرة القدم تمثل التداول السلمي بأنقى صوره، وتقدم للناس دروساً عملية واضحة وجلية، تؤكد أن النشاطات السياسية، على مستوى الدولة والأحزاب، المرتبطة بمصالح الناس ومستقبل الوطن مثلاً، لا يمكن أن تنجح وتتطور وتؤدي دورها المنوط بها من خلال الكولسة والشخصنة والاستحواذ، والإدعاء بامتلاك الحقيقة، وتقديس الفردية، وتكريس مبدأ التأبيد، والتعامل بأسلوب تقريب أهل الثقة وإقصاء واستبعاد أهل الخبرة..

والمتفحص في نظم وقواعد لعبة كرة القدم سيجد أنها تستند على الوضوح والشفافية والبساطة، والسلاسة وعدم استخدام العنف أو التسبب فيه، وكل خطأ محسوب، فجميع من في ميدان اللعب هم تحت رقابة شديدة, سواء من قبل مجموعة حكام الساحة أو من قبل الجمهور أو من قبل النقاد والمتابعين..

ولذلك فإن تقبل النقد وتصحيح الأخطاء أولاً بأول هو ظاهرة صحية وضرورة حياتية، ولا يمكن لأي جهد أو رأي أن يحقق النجاح المطلوب دون أن يستوعب في ذاته جهود وأراء الآخرين، وهنا تأتي عملية التصويب والتقويم المصاحبة واللاحقة لكل أداء..