ماذا تريد الشعوب العربية
بقلم/ هاني غيلان عبد القادر
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر
الخميس 18 أغسطس-آب 2011 05:05 ص

ليست مشكلة الحرية المفقودة إلا واحدة من مجموعة من الأسباب التي سببت كل هذا الغضب والغليان الذي تكابده المنطقة ، والذي لن يزول الجفاء بين الحاكم والمحكوم في بلداننا إلا بزوالها، تلك الأسباب نفسها التي دفعت المواطن العربي للتصويت بحماس ضد الأحزاب الحاكمة مع كل انتخابات تتوفر فيها قدر ضئيل من النزاهة والشفافية، وهنا حاولت جاهداً سرد أهم تلك الأسباب- من وجهة نظري- وتتلخص في:

1- في الغالب وباستثناء بعض الأقطار العربية هناك تدنٍ في المستوى المعيشي للفرد، بسبب ارتفاع الأسعار وقلة الأجور، كما أن هناك اتساع في الهوة بين شريحتي الفقراء التي تزداد اتساعا والأغنياء التي تزداد ثراء، وخاصة في ظل غياب أنظمة الضمان الاجتماعي -أو ضعف دورها وأثرها- وارتفاع معدلات البطالة.. ليظل هم المواطن الأول وشغله الشاغل هو توفير لقمة العيش ووسائل الحياة الكريمة، وللأسف الشديد كان من واجب الحكومات العربية الوقوف بجدية لمعالجة المشكلات المتفاقمة، بدلاً من الهرولة نحو الانفتاح والعولمة وحرية السوق، والرضوخ لشروط البنك الدولي المجحفة التي لا ينتج عنها غالباً إلا المزيد من الجرع التي أثقلت كاهل البسطاء وأقضت مضاجعهم.

2ـ يحلم المواطن العربي باليوم الذي يصحو فيه من نومه ليجد بلاده قد وصلت إلى مصاف الدول المتقدمة تكنولوجياً واقتصاديا وخدمياً ، ويؤرقه واقعه المعاش، إذ بالرغم من كل الطاقات والثروات يعيش محروماً من أبسط حقوقه الآدمية، يولد ويموت وهو يفتش عن العمل المناسب وعن السكن المناسب وعن وسيلة النقل المناسبة وعن الملبس والمأكل المناسبين، ينظر بحسرة لحال الأمم والشعوب الأخرى، ويحلم بالهجرة من وطنه الذي يحبه ويفديه بحياته!!

3- الدور السلبي التي لعبته أغلب وسائل الإعلام العربية خلال الخمسين سنة الماضية، والذي أدى إلى إبراز التناقضات وإثارة الصراعات وإهدار الطاقات داخل مجتمعاتنا، وبث روح الاستسلام والهزيمة والتبعية للآخر بين مثقفينا وسياسيينا، فضلاً عن دور الفضائيات العربية في إفساد الأسرة وتمييع الشباب وانحرافهم، وإثارة الغرائز والتشجيع على الرذائل والتمرد على القيم، بدلاً من قيام تلك الأجهزة بدورها الرائد والمنشود للحفاظ على تماسك أمتنا والدفع للنهوض بها, ونشر الوعي بين الناس، وتعزيز العلاقة بالثوابت الجامعة..

4- إن عدم الاهتمام الكافي بتربية النشء وتأهيلهم، والاعتماد فقط على الأسلوب التقليدي في التعليم -بما فيه من قمع للمتعلم وتقييده- يؤديان إلى نشوء أجيال مشوشة الرؤية مضطربة المفاهيم، غير قادرة على تحمل المسئولية, أجيال من أشباه المتعلمين الذين استسلموا للضعف والخوف والخور والشعور بالذنب، والفشل والانهيار أمام أبسط التجارب والأزمات، أجيال مقطوعة الصلة عن تراثنا وقيمنا وعاداتنا الأصيلة.. وهو ما نتج عنه ذلك الشعور الدائم بالعجز والإحساس القاتل بالأمية الثقافية، كمحصلة حتمية لتخلفنا الشامل اقتصادياً وعلمياً وحتى رياضياً!! لذا كان ينبغي على حكوماتنا الرشيدة التركيز على إصلاح مؤسساتنا الإعلامية والتربوية، فإذا كان الواقع اليوم في الحضيض، فحرامٌ علينا أن لا نسعى جاهدين من أجل غد أفضل وأجمل لأبنائنا، قبل أن يأتي يوم يلعننا فيه من بعدنا ولسان حالهم يقول (هذا ما جناه على أبي، وما جنيته على أحد)..

5- غياب دولة (النظام والقانون) وما صاحبه من تردي للأوضاع الأمنية وانتشار للقلاقل والبلابل وظهور الجريمة المنظمة وتقييد الحريات وانتهاك حقوق الإنسان الذي يمارسه أقطاب النظام الغارقون حتى آذانهم في الفساد، بالإضافة إلى ضعف أجهزة النيابة والقضاء.. كل ذلك أدى إلى خلق جو مشحون، جعل كل رب أسرة يسعى للحصول على السلاح -ربما بدافع حماية النفس والممتلكات- ليظل الشعور بالأمن والطمأنينة والعدل والسكينة وسيادة القانون أمنيات في مهب الريح وأحلام صعبة المنال..

6- لا يمكن للإنسان العربي الخائف القلق المسلوب الإرادة المقيد الحرية الإفصاح عن طاقاته وقدراته وإبداعاته، كما أنه لا يستطيع أن يعيش وينتج ويبدع بشكل طبيعي.. يقول تقرير منظمة التنمية الإنسانية العربية (أن القاسم المشترك بين أغلب الدول العربية هو تركيز السلطات بيد قمة هرم الجهاز التنفيذي، والتأكد من أن هامش الحريات المتاح لا يؤثر على القبضة الصارمة للأنظمة)..

7- تتحمل الأنظمة الحالية كامل المسئولية عن تلاشي أحلام الوحدة العربية والتكامل والسوق العربية المشتركة وحلم الاكتفاء الذاتي صناعياً وزراعياً -وخاصة في زراعة القمح والحبوب- فالملاحظ أن أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً هي أزمة مفتعلة، تستخدمها الدول الغنية للتحكم في مصائر شعوب العالم الثالث، بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط، وكأن الغرب يقول لنا بصريح العبارة (النفط مقابل الغذاء) وهي بالمناسبة تسمية أطلقت على برنامج الأمم المتحدة الإغاثي أثناء حصار العراق!!

وإذا كان الغرب قد استطاع مؤخراً إيجاد وسائل بديلة للنفط لإنتاج الطاقة –كما يقال- كالوقود الحيوي والطاقة الشمسية، فمتى سيعتمد العرب على أنفسهم زراعياً بالمثل ليأكلوا مما يزرعون ويلبسوا مما يصنعون؟ متى؟

8- ومما لا ريب فيه أن عدم استقرار الأوضاع السياسية، والتوتر الدائم الذي تعيشه المنطقة عموماً، قد ألقى بظلاله السوداء على كل منا، فما نراه يوميا من مجازر وحشية، وما نسمعه في كل نشرة عن حرب إبادة منظمة تشن في أكثر من قطر عربي أو مسلم، لا بد أنه قد أشعل نيران الغضب فينا، خاصة في ظل الشلل والعجز والتخاذل الذي أصاب قياداتنا، ربما خوفاً من تهمة (دعم الإرهاب) التي صارت موضة أمريكية إسرائيلية يحلو لهما أن يوصمان بها كل من تسول له نفسه الوقوف ضد أطماعهما التي لا تنتهي.

وهنا أشير إلى أن الأوهام والخيالات لن تجد نفعاً، فإذا كان البعض يعتقد أن إرضاء أمريكا بديل لإرضاء الشعوب، وطلب رضا الله تعالى، فتلك نظرة قاصرة جربها الكثيرون من قبل فسقطوا في مزبلة التاريخ, بعد أن تخلت عنهم (ماما أمريكا) بعد إحراق جميع أوراقهم, فكانوا مجرد قفاز قديم، يرمى به متى يشاءون ويلجأ إليه متى يشاءون.. ولنعلم جميعاً –حكاماً وشعوباً- أن الحيل الهروبية لا تنفع دائماً، وأن الركض خلف السراب لن يؤدي إلا إلى سراب، وأنه (قد تبين الرشد من الغي)، فلنعد إلى أنفسنا، اليوم قبل الغد, لنبحث عن جوانب القوة فينا ولنبدأ باستثمارها, ولنفتش عن نقاط الضعف فينا ولنتجاوزها, ولنواجه الحقيقة المرة الأليمة، بكل صبر وثبات وشجاعة وشكيمة، ولنجعل من هفوات الأمس عضات وعبر، إذ ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل..

فيا حكام العرب!! (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) افهموا قبل فوات الأوان، قبل أن يأتي يوم تخيركم فيه شعوبكم بين الرحيل أو الرحيل، يوم لا ترون فيه -حول كراسيكم- سوى الجموع الساخطة الناقمة المرددة (الشعب يريد اسقاط النظام) ..