منافق في ساحة التغيير
بقلم/ م. انور الشميري
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 01 يونيو-حزيران 2011 07:18 م

مشكلتي بدأت منذ الصغر!! عندما اطلق احد المتسولين مفاجأة من العيار الثقيل مبشراً امي وهي تناوله صاع من حبوب الذرة بأن طفلها الذي يقبع بجوارها سيكون وزيراً يوماً ما .. اكراما له و لنبوئته زادته أمي صاعاً اخر والظاهر من كبر حجم كيسه فان كل اطفال القرية بُشروا بالوزارات في ذلك اليوم..المشكله ليست هنا ، ولكنها تكمن فيما حصل بعد وبالتحديد عندما بدأت التعامل مع هذه النبوءة بشيء من التصديق حتى اصبحت حقيقة مسلمة لدي ولابد من تحقيقها.

من الوهلة الأولى لدخولي الجامعة ايقنت بأن نقطة البداية لتحقيق النبوءة تبدأ من هنا ،خاصة بعد ان سمعت من اصدقاء لي بأن الحزبية والتحزب هو المدخل الرئيس للطموح السياسي. تجاذبتني الكيانات الطلابية في اسابيعي الأولى في الكلية.. هذا يقدم لي الخدمات ويسهل لي المعاملات وهذا يدعوني الى ندوات ،وذاك الى مخيمات، وآخر لا يترك لي فرصة لأداء سنة صلاة الظهر" ان وفقني الله وصليت جماعة" للبدأ بالحديث ومعرفة همومي وآلامي والدعاء لي ولا تخلو احيانا من دعوة الى محاضرة قيمة..بعد كل هذا ايقنت باني لا بد ان انتمي الى حزب من هذه الاحزاب والمتمثلة بالكيانات الطلابية في الكلية واخترت طريقة منهجية عملية تقربني من تحقيق طموحي في أسرع وقت ممكن..

هداني تفكيري الى التمعن بالمراكز القيادية في الجامعة وفي المؤسسات فتبلورت الفكرة ووضحت الصورة فبعض الأحزاب لم ارلها تمثيلا سياسياً يتعدى إدارة عامة أو إدارة مدرسة مسلوبة الصلاحية. وأحزاب أخرى لا تمتلك غير صحيفة وبعض المثقفين " كما يسمونهم " يكتبون ويُنَضِرون شرقاً وغرباً بما تجود به علاقية القطل من أفكار. في المقابل رأيت حزباً آخر تعج بكوادره مفاصل الدوله من أميين وقبليين ومشائخ وعسكريين ومتعلمين. حينها ثبت بوصلتي ورسمت طريقي وانتميت الى هذا الحزب. تعلمت الف باء الحزبية من كوادر هذا الحزب وفي أول زيارة الى مقر الحزب طلبت مطلباً خُيل الي أنه بديهي ولكن لم اكن اتصور انه مطلبا صعباً! طلبت لوائح الحزب وأدبياته.. للأسف لم يكن احد من الحاضرين يعرف عنها شيئ ورد علي أحد الموجودين بتهكم "ياعلي لوائح وأدبيات " دعك من كل هذا النظري، هنا لا وقت للوائح والأدبيات. لوائحنا هنا تعمل أكثر تصعد أكثر... فهمه يا فلان (....). وفي بحشامه واحده فهمني فلان وضرب لي أمثلة عديدة كيف اصبح فلان وزيراً وعلان وكيلا وسمعان سفيرا. ..

فهمت اللعبة ومن يومها لم ادع فعالية حزبية الا وأنا أول منظميها ولم تحل انتخابات في بدو ولا حضر الا جمعت لها الأنصار من كل حدب وصوب. اكثرت من التصفيق حتى فقد كفي الاحساس بالالم. اتقنت المدح والثناء في الاحتفالات والمناسبات والصحف والمنتديات. أعتدت شراء الصرفة اليومية وأيصالها الى البيوت_بيوتهم طبعا_ ولا مانع من آخذ الاولاد من المدرسة في نهاية الدوام. اصبح رئيس القسم وعميد الكلية يضربوا لي الف حساب، فكنت اتباهى أمامهم اظن اني صرت واحدا من المهمين الواصلين الى فوق خاصة عندما كنت اسمعهم يقولون: أمس خزنا عند الوزير و هذه مكالمة من الأفندم ... الى آخره من وسائل الهنجمة التي بهرتني.

استمر بي الحال هكذا طوال سني الدراسة وفي الأخير وبجرة قلم نجحت وبمكالمتيين هاتفييتين تعينت معيداً وسافرت للدراسة بالخارج. فالوزارة تحتاج الى حرف " الدال " هكذا فهمت. سافرت للدراسة واجتهدت في عملي الحزبي واعطيت قسطاً من وقتي لدراستي ليقيني ان المكالمات هنا لا تنفع..

لكن كابوسا بدأ يلاحقني منذ اشهر. منذ تلك الليلة المشئومة التي نام بها 40 معتوها في إحدى ساحات تعز تلتهم شرذمة أخرى في صنعاء. انتشر الأمر كالنار في الهشيم ..الساحات تكبر والاعداد تتكاثر والشعارات تتحد وتتعدد. هتافات تريد اسقاط النظام. اسقاط النظام يعني ضياع حلمي.. حلمي الذي رويته بجهدي وعرقي، بنيته بتحمل برد الليالي وحر الفيافي وأنا اتنقل من مسئول الى آخرأو من دائرة انتخابية الى أخرى. حلمي الذي من أجله قابلت الإهانات بابتسامات عريضات. حلمي الذي قبلت من اجله الأيادي التي مرغت انفي بالتراب.. ابهذه السهوله ينادون بالتغيير وكأن شيئ لم يكن؟ نصحني بعض الأصحاب بأن الحق بالركب وان لا يفوتني القطار .. وهم لا يعلمون ان القطار قد سحق احلامي على قضبانه الفولاذية. معظم من حولي ركبوا القطار منهم من يريد الوصول معه الى آخر محطة حياً أو ميتاً والبعض اضمر انه سيقفز إن رأي القطار يترنح أويهوي..أما أنا فقد كفرت بكل ما آمن به أهل الساحات أمتهنت النفاق " وعذرت عبدالله بن أبي بن سلول " فقد تشابهت احلامنا ودوافعنا للنفاق..

أصبح حديثي بحسب جليسي. أدعي التغيير قلباً وقالباً مع البعض وأمسك بالعصا من النصف مع آخرين وأجد راحتي في البوح بالكفر بالتغيير مع منهم على شاكلتي. تختلف مشاعري وأساليب طرحي بإختلاف الزمان والمكان وأيام الأسبوع. اما قلبي فيدعو ليل نهار بأن لا يحقق الله لهم غاية ولا يرفع لهم راية..

هذه هي مشكلتي وهذا هو حالي ذل وهوان تعب ونصب كذب ونفاق لعشرات السنين في سبيل تحقيق حلمي وفي الأخير تريدونني أن أؤمن بالتغيير لا وألف لا..

-----------------

*اعتذر لشباب الثورة في كل الميادين عن الكلمات التي استخدمتها والتي لا تليق بهم فهم تاج الرأس ومصدر الفخر والاعتزاز أقبل رؤوسهم فردا فرداً وأدعو الله ان ينصرهم ويخذل عدوهم لكن السياق لهذه الشخصية استدعى ذلك.