كنا تطرقنا في الجزء الخامس من مقالنا " مآزق المشهد السياسي اليمني والحلول الممكنة " وتحدثنا فيه عن تحالف الشر الحوثي والعفاشي ( أفعى برأسين )، نواصل اليوم الحديث عن المأزق السادس والمأزق السابع وذلك على النحو التالي :
جيوش مشتتة الولاء :
الجيش قبل ثورة 11 فبراير كان جيشين ، جيش قوي وضارب ومدرب وبكامل تجهيزاته ويخضع لعلي عفاش ، وجيش منهك أكل الدهر عليه وشرب ، ولم يُعط له من الإهتمام حتى 10 % من الإهتمام بالجيش العائلي العفاشي ، وتم التعمد لأن يكون كذلك ، ثم جاءت الهيكلة العسكرية وبخبث وتم تدمير ما تبقى من كيان للجيش اليمني ، ثم جاء الإنقلاب الحوثي العفعاشي وتم نهب معدات الجيش الوطني ، وتم توريدها لمخازن عصابتي الشر فى اليمن ..
بعد هذا نستطيع القول أن مسمى الجيش فى الوضع الحالي بتعدد ارتباطاته وولائه لعدة جهات لا يمكن له القيام بأي دور يعتد به فى تغيير الموقف على الأرض ، وأي تحركات له يصب في الصراع المسلح القاتل بين الألوية والمناطق العسكرية ، فالولاء يتجزأ بين ما يسمى بالزعيم المخلوع ، وآخر لما يسمى بالسيد المأفون ، وبقية ألوية أخرى نراها أشد ضعفًا وقدرة على مواجهة تلك الجيوش الخارجة عن الرئيس والدولة والنظام ، بل أنها تعاني من الإنكسار المعنوي والقتالي بسبب الخيانات التي مرت على هذه المؤسسة ، وأصابها وهن شديد لم تصب به من قبل ..
نأتي الى كيفية المعالجة لهذا الموضوع ، ورغم صعوبته إلا أنه يحتاج إلى رؤية واضحة ومحددة ووطنية ، ويجب أن تلتزم هذه الرؤية بمحددات موضوعية أهما : أن يتم البناء على أسس وطنية بعيدة الإنتماء عن الحاكم وحاشيته ، ثم إعمال مبدأ الكفاءة والقدرة القيادية وبشروطها لمن يتولى التراتيب القيادية في كل مفصل من مفاصل القيادة ، والإبتعاد عن المناطقية والشللية والسلالية المذهبية فى التجنيد ، ثم الأهم من ذلك إعمال مبدأ التقاعد والتفكير جديًا في ضمان حقوق المتقاعدين باستلام حقوقهم كاملة ومزيدة عند أي تحسن في رواتب الموظفين تشجيعًا لمن بلغ الأجلين أو أحدهما ليتقاعد ، بحيث لا يكون هذا التقاعد مبنى على رؤية سياسية وذلك بغية التجديد في بنية القوات المسلحة ، مع يقيننا أن ليس كل أفراد القوات المسلحة ساهموا في عملية إنهيار القوات المسلحة ، فغالبية الجنود من الفئات المطحونة ، والذي ساهم في تدميرها قيادات كبيرة ومتوسطة ، وأوصلت الوحدات العسكرية إلى هذا الإنهيار عندما رأوا أنهم سيكونون وقودًا لصراعات وخيانات عسكرية فآثروا التسليم والركون ، وكان وجودهم في وضع غير وطني ، كما أنهم أضعف من أن يقوموا باتخاذ قرارات عسكرية وهم ملتزمون بكل الأوامر العسكرية ..
كما يجب أن يتم وفي وضع مستقر للنظام إبعاد كل القيادات العسكرية الذين ثبت خيانتهم ومحاكمتهم على كل ما ارتكبوه بحق الوطن ، ثم الهيكلة الحقيقية لكل المؤسسات العسكرية والأمنية المبنية على أسس وطنية بعيدًا عن كل القيادات العتيقة والمحنطة ، وإعطاء فرصة لكل القيادات الشابة غير الملوثة بالولاءات الضيقة
7) أحزاب واهنة وحوار أوهن :
أقل ما يمكن أن نقول عن أحزابنا أن ولاءها للوطن مؤخر عن ولائها لأحزابها الا من رحم الله ، فولاؤهم لأحزابهم وأجنداتها هي العامل المعيق فى الوصول بالبلاد إلى طريق آمن ، بل إلى هاوية لا قرار لها ، وساهم في ذلك تناقضاتها وصراعاتها الخفية والظاهرة ما أدى إلى غياب دورها الفاعل في إخراج البلاد مع بقية القوى الوطنية من مآزقها ، وأهم كارثة عملوها – كما أشرنا سابقًا – أنهم انجرفوا مع المبادرة الخليجية باعتبارها الأمان من الفوضى ، ولم يحسنوا التدبير باشتراط خروج عفاش من ممارسة العمل السياسي وإبعاده عن البلاد ما لا يقل عن خمس سنوات ..
كما أنها غابت تمامًا من التأثير والتصويب ، ومن خلال ما ضمنت لها المبادرة الخليجية بالتوافق في اتخاذ القرارات وتركت الرئيس ينفرد بقراره ، وهذا الإنفراد كان له ما بعده من كوارث أضرت بالبلاد وبالأحزاب جميعًا .. وأهمها صمتها المطبق عن إنهيار مؤسسة القوات المسلحة وتدميرها من قبل اللواء / محمد ناصر أحمد ، ولم تتخذ موقفًا واضحًا ومعارضًا لما يحدث من قبله في إسقاط مؤسسات الجيش بأيدي عصابات الحوثيين ، وإسقاط المحافظات بحجة قذرة ( حياد الجيش ) ..
ثم أنها ظلت تلكم الأحزاب تتصارع مصارعة ثيران في مؤتمر الحوار مما جعل قراراته لا تتعدى صفحات الكتاب الذي تم فيه كتابة مخرجاته ، ثم بدأت الصراعات فيما بينها حول لجنة تنفيذ مخرجات الحوار وما يتم تقديمه وما يتم تأخيره ، وظلوا يعبثون بالمشهد السياسي وأخص هنا بالذكر فريق المؤتمر وفريق الحوثيين لأن غالبية مخرجات الحوار جاءت متقاطعة ومتعارضة مع مصالحهما تمامًا ..
ثم اتخذت هذه الأحزاب موقفًا غير صائب من إنقلاب 21 سبتمبر 2014م ، وأعطته الشرعية بالتوقيع تحت مبرر الخوف من انهيار انهيار البلاد ، ولم تُعْمِلْ العقل السياسي في تقدير الأمور ، وكان الأصل الإنسحاب ، وعدم الإنجرار بالتوقيع ، رغم أنهم لم يكونوا بمنأى عن بطشهم وغدرهم ، ثم ظلوا يتحاورون عبثيًا مع ( الحوثيين ) الذي لا يفهمون سوى لغة الرصاص ، فظل الحوثيون يلاعبونهم بحوار أحمق في موفنبيك وبنفس الوقت يقومون بتثبيت مداميك حكمهم ، والتوسع العسكري في بقية المناطق غير المسيطرين عليها ..
ثم هاهي الأحزاب الآن تتخذ موقفًا مؤيدًا للرئيس هادي ، وهذا أمر طيب وصائب لا شك فيه ، لكن يجب أن يكون موقفهم مشترطًا على تحقيق أمور وطنية محددة وواضحة وجريئة ، ولا يكون هذا التأييد هروبًا من جبروت الحوثيين ، بل يتم فيه تحديد أولويات المرحلة المقبلة بتفاصيلها ، ولتكن ضمن استكمال نتائج الحوار ، والإسهام في تأسيس الدولة ، وإن حصل تهاون في اتخاذ مواقف جريئة ، فنؤكد أن الحوثيين والعفاشيين يخططون لاقتحام عدن ومعاشيق ، وبالتالي لن يتركوا هادي ولا الأحزاب المؤيدة له ينعموا بنعمة الفرار من أي منفذ ..