اليمن ما بعد الربيع العربي.. جعل من أيامه عاشورا ومُدنه كربلاء !
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 10 سنوات و شهر و 7 أيام
السبت 11 أكتوبر-تشرين الأول 2014 09:38 ص

سبتمبر في اليمن قدر له أن يكون شهر التحولات فاليمنيون بين عهدين سبتمبر 1962م وسبتمبر 2014 وما بينهما نصف قرن من الفساد والظلم والحروب والارتهان للخارج الإقليمي والدولي وجعل اليمن حقل تجارب لمراهقي السياسة ، تارة جمهورية مناطقية وأخرى قبائل ماركسية وثالثة ديمقراطية (ديماغوجية) مع وحدة ارتجالية موؤدة بسبب هوس السلطة وتحالف المؤسسة العسكرية مع القبيلة والإسلام السياسي مقرونا بالإقصاء والتهميش والجهوية وعدم تأسيس دولة مدنية وسبتمبر ما بعد الربيع العربي جعل اليمن جعل اليمن يدخل الإسلام السياسي بشقيه فالأول ذهب إلى غير رجعة والثاني بداء متحمساً ليجعل من أيام اليمن كلها كربلاء وأيامه عاشورا !

هل بدأت أعمال العنف والإرهاب تدق طبول الحرب بين القاعدة وأنصارالله ، انفجار ميدان التحرير الخميس الماضي والذي لاشك يستهدف تجمعا لأنصار الله ، ولكن ضحيته مواطنين ابريا ايا كان اتجاههم بل ومنهم اطفال ، وتزامن ذلك الانفجار الدموي للأسف بحوادث عنف اخرى في محافظة البيضاء وحضرموت ، وقبلها بأيام في مارب والجوف وغيرهما ، ويرى المراقبون بأن ذلك قد جاء كرد فعل فالعنف يولد العنف تماما كما حصل في العراق فداعش لم تكن بهذه الجرأة والقوة لو لم يكن لها حاضنة اجتماعية وهو الامر نفسه في اليمن ومن هنا فيفرض هذا سلوكا مغايرا لانصار الله فهم تحت المجهر وعليه ان يتصرفوا بحكمة ويعرفون بأنهم ليسوا الوحيدين في الساحة وبأن اغلبية الشعب اليمني من مذهب مغاير.

احداث الشهور الماضية كانت سببا لاحداث العنف المضاد وهي مجرد ردود افعال غير مسئولة لانصارالله في كل من (دماج) وتهجير أهلها بذريعة الطلبة الأجانب مع ان (عمران) و(همدان) و(بني مطر) ليس فيها طلبه أجانب انتهى مغامراتهم ( بالفتح المبين ) لصنعاء مستغلين ضعف وغياب الدولة ، وهكذا فأن سقوط صنعاء في 21 سبتمبر قد استدعى القاعدة وكل قوى الشر إلى كل مناطق اليمن بعد ان كانت محصور في المحافظات الجنوبية .

 عجبي لمثقفين يحتجون لمن يعارضهم الرؤية وشعارهم (اما العب وحدي او خربت الملعب ) وأن لم تكن معي فأنت ضدي ومن ليس مساندا او متعاطفا فهو اخواني وداعشي وتكفيري ، وعندما يحذر البعض من الطائفية وكأنهم يدسون رؤسهم في الرمال ، فالطائفي ليس من يشخص الحالة الاجتماعية السلبية ، او من يضع النقاط فوق الحروف ويقراء مابين السطور ، لماذا لا نسمى الأشياء بمسمياتها ، بل ان الطائفي هو من يتجاهل هذه الحقائق التي تكبر ككرة الثلج في مجتمعنا من وقت لأخر ، ومن يتخوف من المستقبل ليس بالضرورة متشائم لأنه ليس في أفق المشهد السياسي اليمني ما يدعو للتفاؤل ، بل سلسلة من التعثرات والمكايدات السياسية ، ومن يحذر من انزلاق اليمن لحرب أهلية ليس بالضرورة ان يكون تاجر سلاح او من امرأ الحرب ، أليس نموذج العراق ماثل أمامكم ، مع الفارق ان العراق يختلف كثيرا عن اليمن فالأغلبية شيعية وكان العراق يحكم لخمسمائة عام من طرف العثمانيين السنة ومن ثم ملوك العراق السنة وبعدها الجمهوري السني رغم ان كل هؤلاء بخيرهم وشرهم لم يكونوا يحكموا بأسم المذهب ، ولهذا فلا عتب على العراقيين الذي خدمتهم أمريكا وإيران ليصبح العراق في فلك إيران بعد طول انتظار ، بينما في اليمن الأمر يختلف فالأئمة الزيديين حكوا اليمن لأكثر من ألف سنة وبعدها العصر الجمهوري شكلا الطائفي عمليا ولاسيما في العقود الثلاثة الماضية حيث الجيش الذي كان بيد أسرة وقبيلة واحدة من مذهب السيد الحوثي نفسه ، وإلا ما سر تخاذل الجيش الذي بُنى على أسس مناطقية طائفية ولائها لشخص واحد عبث باليمن لثلث قرن من الفساد المطلق ، ورغم سيطرة حركة أنصار الله لمفاصل الدولة في العاصمة صنعاء بمساعدة فلول النظام السابق وتواطئ الدولة العميقة ، الا ان المراقبين يرون بأنهم ليس في استطاعتهم حكم اليمن ، ويرجع ذلك إلى عوائق ذاتية وموضوعية تحول دون تمكن الحركة من حكم اليمن، أو حتى الهيمنة على الحياة السياسية كحالة حزب الله في لبنان. ويعزى ذلك لجملة أسباب منها بداهة طبيعة الحركة وظروف نشأتها وكذا تاريخها السياسي ، فمن يبحث في الجذور الفكرية لهذه الحركة سيجد أنها عبارة عن حركة دينية أصولية تقوم على فكرة إحياء العقيدة الزيدية والتي تسمى مجازا مذهب وفي هذا السياق يقول الدكتور عبدالله الشماحي : بأن الزيدية ليست من المذاهب الاربعة اصلاً ، بل حركة فكرية سياسية ! ، وقد اتسمت بأسمها دعوات أخرى تمذهبت ، وهي بعيدة كل البعد في بعضها عن تعاليم الامام زيد ، ولا سيما في مسألتي الامامة وحصرها في البطنين وما نتج عنها من طعن في الصحابة من بعض المغالين ، وبالتالي خلطت بعض المفاهيم الاسلامية .

الامر الثاني ان الزيدية وحتى التشيع أصلا كانتا حراكاً سياسياً ولم يحمل أي خلاف عقائدي ، وهذا بتقرير كبار علماء الزيدية قديما وحديثا ، وايضا منصفي علماء الشيعة ، والهادوية في اليمن كانت نموذجاً للتشيع المبكر باسم الزيدية .

وهكذا فأن حركة انصار الله في اليمن قد نمت عبر التعبئة المذهبية مستندين الى القوة والدعم الخارجي وهذا الأسلوب يجعل الحركة وفقا لعلم الاجتماع وحتى السياسة قريبة من الاحزاب الكلية الشمولية التي لاتقبل المشاركة بل لاقصاء خصومها ، اما أسباب ضعف ، واستخدام القوة، أو التهديد باستخدامها. وهذه الصفة تجعل الحركة، وفق علم السياسة، أكثر شبها بالحركات الشمولية التي يجعلها لا تقبل التعدد أو الشراكة في ظل نظام ديمقراطي.

وبعد انسحاب المرشح الدكتور بن مبارك عن تشكيل الحكومة كان يفترض ان يقف تصعيد انصار الله وما كان ينبغي الدعوة لحشد جماهيري ، ولكن عقدة (كربلاء) والمظلومية والانجرار لأحقاد تاريخية عفى عنها الزمن لازالت للأسف تسيطر  على بعض ساستهم وليس كلهم ، ومن هنا فأن حقائق ومعطيات جديدة تفرض نفسها على المشهد السياسي ، فلماذا الحشد الجماهيري بعد الغاء التظاهرة في ميدان السبعين طالما زالت أسباب تلك الدعوة ، ام ان الحشد في ميدان التحرير للتنديد بجريمة لا يعلم بأنها ستحدث مسبقا الا علام الغيوب !

خيرا لليمن وأنصار الله ان يبتعدون عن العنتريات ومنطق القوة وليعلمون بأنهم ليسوا الوحيدون في الساحة بل هم اقلية ، فغداة اعتذار المرشح الغير مرغوب به ، يفترض من انصار الله الجنوح للسلم وتطبيق اتفاق الشراكة وأبعاد أسباب التوتر والمظاهر المسلحة ، ولكنهم على مايبدو فقط لمجرد خلق (المظلومية) التي يضنون إنها ستزيد من شرعيتهم ، على حساب دماء الأبرياء ، وجعل ايام اليمنيين سلسلة من الحشد الجماهير والمأساة الكربلائية وإقحامه في فلك ماسُمى بدول الممانعة ، ومتى سيقتنع بقية اليمنيين (ولكن بعد خراب مالطة) بأنه بعد تباشير رحيل دولة العسكر والقبيلة بان الإسلام السياسي بشقيه المذهبي بالنسبة لليمن ماهو إلا مستنقع قذر ، وبأن ذلك سيجعل من اليمنيين مجرد بيادق في رقعة الشطرنج ، فالمواطن لايهُمه الاستكبار العالمي ودول الممانعة والموت لاسرائيل ، يهمُه الأمن والآمان وتأمين لقم العيش والحياة الكريمة ..

وليس للمواطن البسيط علاقة بالشيطان الأكبر ولا بالاستكبار العالمي ، فاستمرار خلق واصطناع الأزمات تضع أنصار الله في موضع تساؤل ، و ليسوا بملائكة منزهين عن الخطاء ، وهم اليوم بالفعل على المحك وفي الزاوية أمام المسئولية فقد غدت هذه الحركة أمام المجهر الوطني الشعبي والإقليمي والدولي ، وعليه ان يتعاملوا بحذر وعقلانية ، ولا يكونوا مثل بقية الأحزاب التي عبث بمصير اليمن او كانت مجرد ديكور يصفق للحاكم ، وأجمالا فإذا كانت هذه هي أحزابنا تهيج الشارع وتحشد الجماهير وساعة العمل تتنصل من مسؤلياتها فالسلطة مغرم وليست مغنم ، لقد تغاضى الكثيرون عن كيفية وصول انصار الله من فوهة البندقية وتجاوزا خطة الطريق والمبادرة التي ايضا تنصل منها الكثيرون ومخرجات الحوار والفدرالية والدستور الذي كان على وشك الاستفتاء عليه ، وأخيرا اتفاق السلم والشراكة .