القاعدة ..الحل الأخير ولو كره السفير
بقلم/ محمد الأغبري
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 7 أيام
الإثنين 04 فبراير-شباط 2013 04:33 م
 

تم القضاء على الإرهابيين في أبين، هكذا صرحت الحكومة يوماً بعد أن نادى الرئيس التوافقي عبد ربه منصور أن لا حوار مع الإرهابيين. لم يكن عبد ربه يتحدث من قلب خالص ولكنه كان يكرر كلمة الرئيس أوباما وينقلها حرفياً بضغط من السفير الأمريكي كما أتصور.

خرجت القاعدة من أبين وتفرق رجالها بين القبائل، ثم بدأت بالانتقام ممن كانوا يوماً سبباً في قتالها أو ربما سيكونون. نفذت عمليات عديدة كان أعنفها عملية السبعين التي ذهب ضحيتها ما يقارب المائة من منتسبي الأمن المركزي. إن كل من يلبس البزة العسكرية مستهدف للقاعدة.

عادت القاعدة إلى رداع، هكذا تقول الحكومة – بضغط من السفير الأمريكي ربما- فمن في رداع ليسوا قاعدة تماماً وليسوا أيضاً أعداء للقاعدة، إلا أنهم قابلين "للتقعيد" في حال وضعهم في خانة القاعدة.

نظرات في مشهد القاعدة.

لو بدأنا الحديث عن القاعدة كتيار فكري جهادي يعطي امتياز اسمه لكل من يريد " franchise " فإنه من السهل توغل هذا الفكر في العمق اليمني لعدة أسباب سآتي لذكر بعضها لاحقاً، ولكن إن نظرنا إليها كتنظيم هيكلي فإنه ليس بالمهول الذي يستحق كل تلك الحشود العسكرية. دعونا هنا نبسط في قراءات المشهد القاعدي.

1-للوهلة الأولى وبعد خروج القاعدة من أبين قال مطلعون بأن الأمر لم ينته بعد، تلك القوة التي دخلت المدينة خرجت منها، القوة ما زالت قادرة على التواجد في أي فراغ آخر، حكومة الوفاق غير المتوافقة مكبلة بنفسها، فالوزارات الصلبة ما زالت متفككة من الداخل ولا تستطيع بسط نفوذها على مناطق اليمن، حقاً إنها لا تستطيع بسط النفوذ تماماً فلم تكتمل إعادة الهيكلة بعد قرار رئيس الجمهورية الأخير بإعادة تقسيم المناطق العسكرية وتعليق تعيين القيادات حتى كتابة هذا الخبر، هذا الفراغ الزمني يمكن للعديد ممن يتوقعون فقدان مناصبهم من إلقاء الكثير من الأوراق قبل خسارتها دون لعب،فصالح وإن فقد العديد من أوراق الضغط ما زال يملك أوراقاً أخرى تمكنه من العبث،رجاله في مرافق الجيش والإعلام والمال قادرون على تحريك الكثير من الرمال وإحداث الفوضى، وما تسليمهم معسكرات أبين سابقاً للقاعدة ومعسكرات صعدة للحوثي إلا علامات شاخصة في ذلك الطريق الطويل من العبث.

2-باعتبار القاعدة تياراً مستقلاً لا يهتم بشيء سوى فرض نفوذه، فإنه يتعين على المتعاملين معه فهم النظرية القاعدية المستمدة من الحديث الصحيح" أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" وبغض النظر عن ماهية جزيرة العرب- فهي عند الشافعي الحجاز بمثلثه الواقع بين مكة والمدينة واليمامة- إلا أنهم يعتبرون كل شبر في شبه الجزيرة مكاناً لا يحل أن تطأه أقدام المشركين وفهم هذه النظرية يحتاج إلى قراءة عميقة في الفكر القاعدي وفي الحركة الاجتماعية القاعدية قبل اتخاذ أي قرار بالحرب، لأن الحرب وحدها لا يمكن أن تنهي الفكر تماماً.

3-توفر بعض المناطق في اليمن بيئة حاضنة للفكر الجهادي، سواء كان هذا الفكر قاعدة أو غيرها، فكل من يحمل الفكر الجهادي- صواباً كان أو خطأً- قد يجد في بعض مناطق اليمن بيئة حاضنة لعاطفة الناس الجياشة نحو الجهاد. حديث جيش أبين عدن في الصحيح يجعل الكثيرين يقدمون أنفسهم على أنهم المعنيون بهذا الجيش، فعبر التاريخ ظهرت جماعات ترفع هذا الحديث على أنه يعنيها بالتحديد. إضافة إلى أن الشعب اليمني بفطرته شعب متدين يحمل تاريخاً جهادياً طويلاً منذ الفتوحات وانتهاء بحرب أفغانستان فاليمن أرضاً وإنساناً مكاناً خصباً للفكر الجهادي – بصوابه وخطئه.

4-ضعف الدولة اليمن وقلة حيلتها في فرض الهيبة وبسط النفوذ مكن كل من استطاع أن ينشئ قوة بديلة من الظهور، فالحوثي يبسط نفوذه في دولة بين اليمن والمملكة السعودية، يمارس فيها الحكم بجوهره حيث لا صوت يعلو فوق صوت الحوثي، ويحاول التمدد كلما برقت له في الأفق فرصة. والقبائل في مناطقها تمارس نوعاً من الحكم الذاتي وإن كان تحت سيطرة الدولة فإنه بالإمكان أن يتحول إلى حكم مستقل إن ازداد ضعف الحكومة، وهكذا تصنع القاعدة.

ومشكلة الحكومة تتجاوز قوة العدو إلى ضعف الحكومة نفسها التي لم تتمكن من التوافق حيث يريد صالح أن يفشلها بكل ما يستطيع ليظهر للناس أن دهره كان أفضل ممن خلفه، والمستقرئ لطبيعة تصريحات صالح الناقمة على حكومة الوفاق التي يمثله فيها 50% و الدور الذي يلعبه رجالاته في الحكومة يستطيع بسهولة أن يفهم أن هناك من يحاول إفشال الحكومة من داخلها.

5-التدخلات الخارجية التي لم تتوقف منذ بداية الثورة إلى أن سلمت اليمن مفتاح حلها "اضطراراً" إلى الدول المعنية بالمبادرة – فصالح الذي لم يغادر السلطة إلا وقد سلم اليمن لعشر دول بالإضافة إلى القاعدة والحوثي- جعلت كل من له غاية وهدف يضع شروطاً مسبقة من تحت طاولة القرارات السياسية، فهيكلة الجيش لا يمكن أن تتم دون رضا أمريكا والسعودية ودون فرض أجندة واضحة عليها – وأهمها مكافحة الإرهاب- والميزانية اليمنية التي تقررها الدول المانحة لن تكون منحة خيرية صرفة وكما يقول المثل الإنجليزي " لا يوجد غداء بالمجان".

6-التدخل الأمريكي السافر، فحسب آخر التقارير التي تقول بمقتل ما يقترب من 2000 مواطن يمني بواسطة الطائرات الأمريكية 98% منهم من المدنيين وغير المعنيين بالقاعدة، يصنع العداء للأمريكان ويكثر من أنصار القاعدة، ولا أستغرب أن تكون أمريكا تريد بهذا كله أن تقوي موقف القاعدة في اليمن فكما يقول الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز الذي عمل في السبعينيات مع الـ CIA على إسقاط عدد من الدول في الإفلاس الاقتصادي : " إذا أردت أن تصنع الإرهاب فأرسل الجنود"؛ والهدف من ذلك تعزيز تواجدها العسكري أكثر فأكثر في المنطقة.

وتكفي عبارة بيركنز الآنفة لتفسير الكثير من الأحداث الحالية في اليمن.

7-يمكن بقراءة عميقة للوسط القاعدي معرفة أن هذا الوسط يتمدد بالظلم وينكمش بالعدالة، فأعمال الاعتقال غير المبررة لكل من يتم اتهامه بالانتماء للقاعدة دون دليل إثبات، وعدم السماح لذويهم بالتواصل معهم ومعرفة أخبارهم، والمعاملة اللاإنسانية التي يتعرضون لها في دولة واضحة القانون، كل هذه الأشياء تزيد من التعاطف مع القاعدة، فكل من يظن في نفسه أنه سيعتقل وسيزج به في سجن دون محاكمة عادلة سيجد في جبال اليمن وشعابها متسعاً إلى حين، والموت خير من سجون الأمن القومي القذرة.

8-مشكلة القاعدة ظاهرة في ضحالة الفكرة والاستعجال وضعف التخطيط الاستراتيجي وعدم قراءة المعطيات بكل حذافيرها، بالإضافة إلى الشجاعة وروح المغامرة وحب الشهادة التي يتمتع بها أفرادها وتهور مع ضحالة في فقه الدولة والدم. كل هذا ينتج قوة ضاربة تدمر كل شيء ولا يوقفها سوى الحوار الهادئ والنقاش الجوهري مع إشعار بالأمان.

9-امتداداً للنقطة السابقة، فإن التعامل بحكمة وبسط الحوار مع مقاتلي القاعدة سيمكن من فتح قنوات لمعرفة الآراء المتعددة في التنظيم سواء تلك الآراء التي تؤمن بفكر الخوارج التكفيري أو تلك التي تحمل السلاح عاطفة جياشة وحباً للقتال وقلة في الفقه ، أو ربما تلك التي فرت من محاكمة غير عادلة إلى الشعاب والوديان ، أو تلك التي غرستها أيدي الأمن القومي. سيفكك الحوار القاعدة إلى عواملها الأولية، وسيعود كلٌ إلى أصله وسيبقى الخوارج وحدهم يقاتلون الدولة - كما قاتلوا علي بن أبي طالب من قبل- بينما سيجنح الباقون للصلح والصلح خير، وفي الحوار الحل وإن كره السفير الأمريكي، وإن لم تسمح الظروف الآن فغداً سيتسع الفضاء للحوار مع الكل حتى مع الشيطان، ذلك الذي حاوره الله في القديم.

Mohammed.a90@hotmail.com