طهران الى أين؟ وما مصير ميليشياتها في المنطقة؟
بقلم/ كلادس صعب
نشر منذ: سنة و 10 أشهر و 21 يوماً
الإثنين 19 ديسمبر-كانون الأول 2022 04:26 م
 

عندما يقدم نظام نفسه كهالة تحيط بها “القدسية” يحرم المساس بها، لا بد أن يصطدم بارادة شعبية ضاقت ذرعاَ بهذا النظام القائم على الاستبداد باسم الله والدين تحت مسمى “ثورة”، في وقت يمارس الظلم والقمع تجاه الذين ثاروا عليه ،تحت شعارات مختلفة في مقدمها “المرأة، الحياة، الحرية” ورغم أهميته فقد تصدرت المشهد، الهتافات التي يرددها المتظاهرون تجاه رأس النظام المرشد علي خامنئي ،الذي بات يوصف بـ”الدكتاتور” تسمية وحدت هؤلاء بعيداَ عن الاختلافات الطبقية الجغرافية والعرقية ، التي راكمت في داخلها غضباَ على مدار حكم “ولاية الفقيه”.

أربعة اشهر مرت على التظاهرات في ايران ومازالت على وتيرتها، رغم احكام الاعدام والسجن والتعذيب التي تتكرر، في كل مرة ينتفض فيها الشعب. لكن ثورة اليوم تختلف عن سابقاتها وأشبه بنصف ثورة وفق توصيف الاكاديمي المتخصص بالشأن الايراني الدكتور نبيل العتوم ،الذي اعتبر في حديثه “لصوت بيروت انترناشونال”، ان الاحتجاجات اليوم غير مسبوقة، بدأت بشكل عفوي بعد مقتل الايرانية مهسا أميني، وانطلقت من مناطق الهوامش والاطراف من

كردستان وبلوشستان وانتقلت الى المدن الكبرى لاسيما العاصمة طهران وبتنا نتحدث عن ما يقارب الـ137 بؤرة ساخنة في طهران. تكمن اهمية الاحتجاجات انها “بلا رأس”، بمعنى آخر بلا قيادة ،على خلاف تلك التي قام بها قادة الاصلاح عام 2009 من مير حسين موسوي الى مهدي كروبي وغيرهم ممن باتوا تحت الاقامة الجبرية. ويضيف الدكتور العتوم ان البؤر الساخنة التي اشرنا اليها سابقاَ ،التي تمتد على الجغرافيا الايرانية مازالت مستمرة حتى

اللحظة ولن تتوقف كونها تستند لعوامل موضوعية ترتبط بـ40 مليون ايراني يعيشون تحت خط الفقر و17 مليون يعانون من انعدام قدرتهم على تأمين المواد الغذائية، في ظل انهيار العملة الايرانية “التومان” حيث بلغت قيمته 38 الف تومان مقابل الدولار الواحد ،يضاف اليها ارتفاع مستويات التضخم والبطالة غير المسبوقة. وتابع الخبير العتوم ان سردية النظام لناحية التعامل مع هذه التظاهرات تنحصر وفق روايتين، الاولى وصفه لجزء من المتظاهرين باعداء الداخل و”تيار الفتنة”، وعادة ما ينسبه الى “منظمة مجاهدي خلق” وانصارهم الموجودين في الشارع الايراني او “انصار التيار الملكي” وبقايا الاصلاحيين وغيرهم من التنظيمات، التي تعكس تدخل العامل الخارجي

المتمثل بانخراط ما يطلق عليه النظام “قوى الاستكبار العالمي” من الولايات المتحدة واطراف اقليمية وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والامارات والدول التي تشترك من الناحية الجغرافية معها مثل اذربيجان.

ولذا فان النقطة الخطيرة، هي ربط هذه التظاهرات بهذه المحاور لتبرير استهدافها ومن ناحية اخرى القيام بمغامرات خارجية حينما استهدفوا مراكز تابعة لحزب العمال الديمقراطي الكردستاني و”كوميله” في كردستان العراق لاشاحة الانظار عما يجري في الداخل الايراني مبررين الامر، بتدخل الحزبين بادارة مناطق الاقليات وتزويدها بالسلاح ،وكذلك التصعيد تجاه اذربيجان بحجة احتضانها لقواعد ومحطات امنية مسؤولة عن التدخلات في الشأن الداخلي الايراني واثارة المحتجين، منذراَ اياها بعملية عسكرية قد يحتل فيها بعض الاراضي الاذربيجانية.

ان الشعب الايراني وفق الباحث العتوم، يرى ان النظام الايراني انتحاري يسعى الى القيام بمغامرات خارجية، ولذا فان المحتجين لم يكتفوا برفع الشعارات المناهضة لخامنئي ورموز النظام والحرس الثوري، بل ذهبوا بعيدا لناحية التدخلات الايرانية في عدة دول ،حيث كانوا يرددون بالفارسية “نا سوريا نا لبنان نا عراق روحي فداء ايران” وهم بذلك يريدون انسحاب قوات فيلق

القدس من مداخل الازمات في هذه الدول، التي كانت مدفوعة من حساب الشعب الايراني ،وسيضغطون أكثر لاجباره على الانكفاء بعدما استنزفت قدرات ايران ونفقاتها على ما يسمى ميليشياتها واذرعها ومخالبها المزروعة في الحريق الاقليمي، من حزب الله اللبناني الى “حركة انصار الله” الحوثية وغيرها من التنظيمات التي تعتبر فرق كومندوس، تنفذ ما يريده النظام مستنزفة الشعب الايراني وخزينته، وما يطلق عليه محور الممانعة هو محور للصوص والحرامية ،وهذا ما ظهر جلياَ خلال التظاهرات حيث كان اسم حسن نصر الله وقيادات من الحشد الشعبي من الرموز التي يندد بها، خصوصاَ بعدما ثبت انخراطهم في عمليات قمع المتظاهرين من خلال العديد من التسريبات ،ما

سيدفع الامور باتجاه التصعيد يضاف اليها ارتباك النظام وعدم قدرته على الاستمرار، الا من خلال التوسل بادوات القمع العديدة واعدام المحتجين مع توسع دائرة الاحتجاجات، لتشمل الفنانين والرياضيين والمظاهرات التي تقوم بها الجالية الايرانية في العديد من العواصم الغربية لدعم المحتجين ودفع المجتمع الدولي لمساندتهم من خلال اجراءات عقابية صارمة لا تتعلق فقط بالعقوبات بل مساندة الشعب لايصال صوته عبر الانترنت والمحافل الدولية. (الجزء الثاني يتناول تداعيات الاحتجاجات في طهران على ميليشياتها في الخارج).