آخر الاخبار

صحفيات بلا قيود: حرية الصحافة في اليمن تواجه تهديدا كبيرا.. وتوثق عن 75 انتهاكا ضد الصحفيين خلال 2024. مركز الإنذار المبكر يحذر المواطنين في تسع محافظات يمنية من الساعات القادمة بشكل عاجل أردوغان يكشف عن أرقام اقتصادية تذهل العالم بخصوص الصادرات التركية خلال 2024 لماذا اصدرت وزارة الداخلية اليمنية قرارا بمنع تشغيل المهاجرين الأفارقة في عدن؟ وزير الخارجية الأمريكى: فوجئنا بسرعة سقوط نظام الأسد وإيران في وضع لا يسمح لها بالشجار .. عاجل وزير الخارجية الألماني والفرنسي في غرف التعذيب بزنازين صيدنايا سيئ السمعة بسوريا وزيرة خارجية ألمانيا بعد لقائها أحمد الشرع: حان وقت مغادرة القواعد الروسية من سوريا وزير الخارجية الفرنسي من دمشق يدلي بتصريحات تغيظ إيران وحلفاء امريكا من الأكراد بعد تهرب الجميع.. اللواء سلطان العرادة ينقذ كهرباء عدن ويضخ الى شريينها كميات من النفط لتشغيلها هكذا سيتم إسقاط الحوثيين عسكريا في اليمن .. تقرير أمريكي يكشف عن ثلاث تطورات ستنهي سيطرتهم نهائيا ...كلها باتت جاهزة .. عاجل

ارحل......
بقلم/ غسان شربل
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 23 مايو 2011 08:35 م

انتهت المواعيد الرسمية. غرق المقر في الليل. تعب الحراس من تأدية التحية. استأذن المستشارون في الانصراف. رائحة كآبة تهب على المكان. تراجع عدد الزائرين. حين يغيب الأجانب يشعر الحاكم بالعزلة. تواريهم يوحي أن شيئاً ما يدبر. أن شيئاً سيئاً يطبخ في الخفاء. بعض المداحين قلبوا معاطفهم. يغسلون الآن مفرداتهم لتوظيفها قريباً في خدمة آخرين. كانت روائح مباخرهم تسبقهم حين يتقدمون مبتهجين للمثول بين يدي الحاكم. وكان يضطر أحياناً إلى زجرهم ليوقفوا إسباغ المدائح عليه. ربما لأنه لا يصدقهم. وربما ليمارس تواضعاً دجالاً.

وها هم يتساقطون كورق الخريف. يهرون ويهربون. فجأة اكتشفوا انه لا يحب الشعب. وأنه لا يستسيغ الديموقراطية. وأنه الزعيم الحقيقي لآلة الفتك. وأن همه الأوحد هو أن يبقى مزروعاً في مكتبه. وأن الانتخابات التي كان يجريها كانت مطبوخة في دائرة الاستخبارات. وأن المهمة الفعلية للبرلمان المهذب كانت قطع الطريق على الديموقراطية لا ترسيخ وجودها. وأن كل الصحف كانت تطبع لإرضاء قارئ وحيد يحتقرها ولا يقرأها. وأن مقدم نشرة الأخبار المسائية في التلفزيون كان ضابطاً يدبج كل مساء وشايات حول مدى ولاء زملائه. وأن أمين الإعلام كان يشرف شخصياً على انتقاء صور القائد. والمهمة دقيقة. يجب معالجة التجعدات التي تجرؤ على الاقتراب من وجهه الصبوح. لا بد أن يبقى رمزاً للفتوة والفحولة كي لا يفكر أعداء البلاد بالتجرؤ عليها. ويجب إظهاره حازماً وقبضته صاحبة الكلمة الأخيرة. ولا بأس بين حين وآخر أن يندلق حنانه على الناس كأن يظهر وهو يقبل صغيراً يلوح بالعلم أو يتكرم بتسلم وردة من صغيرة اقتادوها إلى الاحتفال لتعبر عن امتنان الشعب. هؤلاء الذين كانوا يمتدحون نبله وتجرده وتضحياته اكتشفوا فجأة أن عهده يعوم على الفساد. وها هم ينشرون غسيل العائلة والبطانة على الشاشات. يتحدثون عن ثروات ومناجم ويضربون الأرقام ويبالغون.

رائحة خيانات. شربوا من بئر الحكم. تضخموا وتورموا. سافروا وارتكبوا. اشتروا وأسرفوا. سهروا وبذخوا. فجأة استيقظت ضمائرهم. احبوا الشعب. وأصيبوا بولع بالديموقراطية. وحقوق الإنسان. والشفافية وتداول السلطة. والمؤسسات. والفصل بين السلطات. كانوا مجرد ايد تصفق. وألسنة تلهج بالثناء. فجأة جاءت العاصفة وذهبت بهم. بعضهم خان والبعض الآخر يستعد.

قبل النعاس بقليل لا يجد غير التلفزيون. لن يشاهد التلفزيون الرسمي. لا هو يصدقه ولا المذيع يصدق ما يقرأ. سيذهب مضطراً إلى شاشات يكرهها. «الجزيرة» لا تنام. «العربية» لا تتعب. يغضب. لا يمكن وضع مستقبل الأمة بأيدي المذيعين. يشاهد صورته تتكرر. يرى قنابل تنفجر. جثثاً تمر وتتوارى ثم تعود بعد قليل. كم يشتهي أن يستعيد قوته كاملة ليصفي الحسابات.

يحدق في الشاشة. فتى ولد بالتأكيد في عهده لف رأسه بكلمة وقحة «ارحل». متظاهر آخر كتبها على راحة يده. امرأة منقبة رفعت الكلمة مكتوبة بألوان عدة. فر إلى الشاشة المنافسة. تكررت صورته. ولهب الانفجارات. جثة تطل وتغيب ثم تعود. وفجأة صبي آخر يخاطبه بلا حياء ويقول له :«حان أن ترحل». انتابته نوبة غضب اسود. كيف يحق لفتى لم يحصل بعد على رخصة لقيادة سيارة أن يهين من يتولى قيادة البلاد؟ اين أهله؟ وأولياء أمره؟ وكبار عشيرته؟ وشيوخ قبيلته؟ اين رجال الشرطة؟ وأين الأمن الذي كان يفتش حتى الطيور العابرة؟.

«ارحل». قال الكلمة وراح يرددها. لا يأتي الحاكم كي يرحل. نحن لا علاقة لنا بتقاليد تلك البلدان الفاسدة. البلدان التي تغير حكامها كما تغير جواربها. قالها وابتهج بالتشبيه. «ارحل». قالها بمرارة وأضاف أن لا مكان للحاكم إلا حيث تقيم الأختام. يموت حين يتركها. يموت حين يراها في ايدي آخرين.

ما أصعب المشاهد. هذا العالم لا يرحم. يتحول الحاكم مشاهداً وتجلده الشاشات. يتحول جثة بين ايدي المذيعين والمعلقين. ما أقسى هذا العالم الجديد. ما أقسى كلمة ارحل.

*افتتاحية الحياة اللندنية