الشيخ عبدالله الأحمر … الحضور النضالي والتأثير السياسي الفاعل
بقلم/ علي محمود يامن
نشر منذ: يوم واحد و ساعة و 29 دقيقة
الجمعة 27 ديسمبر-كانون الأول 2024 06:20 م
  

تعد القبلية ركيزة أساسية في التركيبة الاجتماعية اليمنية، ولعبت القبائل اليمنية دورًا محوريًا واستراتيجيًا في الفتح الإسلامي وتوسيع الدولة العربية الإسلامية منذ الخلافة الراشدة، ومع الظهور العربي الإسلامي في الدولة الأموية التي امتد نفوذها في معظم قارات المعمورة. وللقبيلة أعرافها وتقاليدها الراسخة، وتشكل مكونًا إجتماعياً وسياسيًا مهمًا في الدولة اليمنية. وقد عملت الإمامة على تجنيد القبيلة لخدمة مشروعها الاستبدادي، وضرب القبائل اليمنية ببعضها البعض، وإفقار وتجهيل أبناء القبائل ليظلوا سوط الإمامة ضد الشعب وتطلعاته نحو الحرية والعدالة والمساواة والتقدم والرفاه.

 

إلا أن التحول التدريجي في ولاء بعض القبائل للانخراط في مشروع الثورة ضد الحكم الإمامي البغيض، لعب دورًا مهمًا في انتصار الثورة اليمنية السبتمبرية. وكان على رأس التيار الوطني القبلي المناصر للثورة منذ اندلاعها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم قبيلة حاشد والشخصية القبلية الأكثر حضورًا في تاريخ اليمن المعاصر في النصف الثاني من القرن العشرين.

 

نقف في هذه السطور مع مقتطفات من حياة ومسيرة الرجل:

 

أولاً: النشأة والميلاد:

ولد الشيخ عبد الله بن حسين بن ناصر بن مبخوت الأحمر في شعبان 1351هـ الموافق 1933م في (حصن حبور) بمنطقة ظليمة حاشد، في أسرة قبلية ذات تاريخ عريق، لعبت أدوارًا مهمة في التاريخ اليمني المعاصر.

 

تلقى دراسته الأولية في كتاب صغير بجوار مسجد (حصن حبور) على يد أحد الفقهاء، الذي علمه القراءة والكتابة والقرآن الكريم ومبادئ الدين والعبادات.

 

كان والده الشيخ حسين بن ناصر الأحمر منشغلاً بخلافات مع الإمامة تتعلق برغبة الإمام في تحجيم دورهم وتوجيه مكانة قبيلة حاشد لخدمة الإمامة وتجذير نفوذها، فيما كان شقيقه الأكبر حميد رهينة لدى الإمام من أسرة آل الأحمر. ونظام الرهائن هو ابتكار إمامي لضمان ولاء القبائل وعدم خروجها عن طاعة الإمام، ويستخدم ورقة ضغط قوية لإخضاع خصوم الحكم الكهنوتي.

 

ولذلك، آلت إليه مسؤولية الإشراف على شؤون أسرته وممتلكاتهم الزراعية في بلاد حاشد والعصيمات ولواء حجة.

 

عندما تعرض والده وأخوه حميد للتضييق والحبس من قبل الإمام، قضى الشيخ عبد الله ثلاث سنوات في جهود مضنية لمتابعة إطلاق سراحهم. وبقي سنتين في السجن بديلًا عنهم ليتمكن في إحداها والده من زيارة أسرته، وفي السنة الثانية تمكن أخوه من الزواج ثم العودة للإشراف على أسرته وشؤون القبيلة.

 

تصاعد في نهاية الخمسينيات الرفض الشعبي ضد الإمام أحمد حميد الدين، وقاد الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وابنه الشيخ حميد تحركات وطنية للقبائل المتحمسة للتخلص من الإمام أثناء تواجده في رحلته العلاجية إلى إيطاليا. لكن الإمام، عند عودته، ألقى خطابًا تهديدًا في الحديدة متوعدًا بالتنكيل بأحرار اليمن ومناضليه، وأقسم أنه لن يدع أحمر ولا أخضر إلا وأحرقه، وأرسل حملة عسكرية على قبيلة (حاشد) ومنازل آل الأحمر وممتلكاتهم، عاثت فيها خرابًا ودمارًا واعتقلت بعض مشائخ حاشد.

 

ثم قام باستدراج الشيخ حسين الأحمر بعد أن أعطاه الأمان، ثم ألقى القبض على ولده الشيخ حميد في الجوف بعد أن سلم نفسه في وجه بيت الضمين، وقد تم إرساله إلى الحديدة على طائرة خاصة، وقام بإعدام الشيخ حسين ونجله في لواء حجة.

خلال تواجده في (السخنة) لمراجعة خلاء سبيل والده وأخيه، تعرف على رموز كثيرة من رجالات اليمن ومثقفيه وعلمائه ومفكريه، واستمع منهم إلى شرح عن أوضاع اليمن والمنطلقات السياسية والفكرية والإسلامية لمواجهة الاستبداد والانتصار للقضية الوطنية. فتكونت لديه قدر من المعرفة السياسية والمنطلقات الفكرية الإسلامية مكنته من الانخراط في معترك القضية الوطنية، وبلورت لديه معرفة بأبجديات العمل السياسي والوطني.

اعتقل في الحديدة وتم ترحيله إلى سجن المحابشة، حيث مكث فيه ثلاث سنوات حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.

 

ثانيًا: مسيرة النضال

مثَّلت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة لحظة تاريخية فاصلة، جسَّدت رغبة جماهير الشعب اليمني في إزالة نظام الكهنوت الإمامي وتحقيق تطلعات الشعب في حياة حرة وكريمة.

وكانت ثمرة جهد نضالي طويل، وقدمت تضحيات مستمرة في سبيل الحرية وكرامة الأمة اليمنية ، كان يومًا خالداً في ذاكرة الأجيال، وخطوة عظيمة لاستعادة مجد اليمن التليد وإحياء دوره الحضاري الضارب جذوره في أعماق التاريخ، والذي عملت الإمامة عبر تاريخها الطويل على طمس الهوية التاريخية لليمن.

فعند قيام ثورة سبتمبر 1962م، كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ما يزال في سجن المحابشة، وفي عصر ذات اليوم، أرسل قائد ثورة سبتمبر، المشير عبد الله السلال، برقية إلى عامل المحابشة آنذاك، وجه فيها بإطلاق سراح الشيخ عبد الله. فتوجه في اليوم التالي إلى العاصمة صنعاء عبر الحديدة، ليصل إليها في اليوم الرابع من عمر الثورة، وتم تكليفه بسرعة التوجه إلى المناطق الشمالية الغربية لمطاردة فلول الإمامة.

التقى فور وصوله العاصمة صنعاء بأبي الأحرار محمد محمود الزبيري في أول لقاء يجمع بين الرجلين، لتتمدَّد علاقتهما حتى استشهاد الزبيري في 31 مارس 1965م. واتسمت تلك العلاقة بقدر كبير من الارتباط والاحترام المتمازج بالإعجاب وتمتين عرى التعاون في سبيل القضية الوطنية وترسيخ مداميك النظام الجمهوري. تأثَّر الشيخ بالشهيد الزبيري وبأفكار الوطنية المحافظة وبالتزامه القيمي والإسلامي باعتباره رمز الثورة اليمنية ضد الاستبداد والطغيان والتخلف.

فيما كان الزبيري يرى في الشيخ أحد أبطال الثورة والجمهورية ومناصريها، متوحدين في الفكر والنضال وهدفهما ومبدئهما. وعند بروز الخلاف بين الجمهوريين الداعين لفكرة تثبيت النظام الجمهوري بالسلام والإصلاح بقيادة الزبيري من جهة، وبين الجمهوريين الداعين لحسم الصراع بالقوة والسلاح بقيادة المشير عبد الله السلال، اتخذ الشيخ موقفًا داعمًا ومساندًا للشهيد الزبيري ومن وافقه من العلماء والمشائخ والضباط. وتحولت مدينة (خمر)، المركز القبلي والعسكري الذي كان يواجه الإمامة، إلى مركز التقاء للعلماء والمشائخ والضباط الملتفين حول الأستاذ الزبيري.

بعد استشهاد القاضي محمد محمود الزبيري، ظل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر على وفائه له، وتبني أفكاره الإصلاحية المستوحاة من الفكر الإسلامي المعاصر، وتوثقت علاقته بتلاميذ الشهيد الزبيري من دعاة الإصلاح القائم على الشريعة الإسلامية السمحة والتصور الإسلامي الأصيل الراشد بعيدًا عن الانغلاق والجمود والتعصب من جهة، وعن دعوات التفلت من الإسلام تحت مبرر التحرر الزائف من جهة أخرى.

في 3 مايو 1964م، عُيِّن وزيرًا للداخلية، وأُعيد في ذات المنصب مرتين، واستمر حتى 19 يوليو 1965م.

 

في الأيام الأولى للثورة، وضمن التحضير لمعركة الدفاع عن الجمهورية، اتخذ من منطقة "القفلة" باعتبارها منطقة متوسطة يمكن التحرك منها بسهولة في شتى الاتجاهات مقرًّا لقيادة المقاومة ضد فلول الإمامة في شمال الشمال والجبهة الغربية التي دارت فيها معارك كثيرة في (حجة) و(المحابشة) و(كشر) و(وشحة)، وفي الجبهة الشمالية تجاه لواء (صعدة).

عندما دبَّ الخلاف في أوساط الصف الجمهوري، والذي تمحور حول كيفية الدفاع عن الثورة وفتح خطوط للحوار مع القوى القبلية المناصرة للإمامة، اتجه الفريق الذي منه الشيخ عبد الله والداعي للحوار مع القوى المؤيدة للإمامة لغرض تشجيعها وضمها للجمهورية إلى عقد المؤتمرات واللقاءات لحشد القوى الوطنية الاجتماعية لتأييد خياراتها.

 

دعا الشهيد الزبيري إلى مؤتمر عمران الذي عُقد في سبتمبر 1963م لتدارس كيفية مواجهة الأخطار التي تهدد الثورة والجمهورية. وكانت قرارات المؤتمر تهدف إلى توسيع المشاركة الشعبية في السلطة، وتقليص سلطة حكم الفرد، والتخفيف من هيمنة الإدارة المصرية في اليمن على القرار اليمني في شؤون السياسة. ودعا المؤتمر إلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة اللواء حمود الجائفي.

 

وفي أواخر 1964م، غادر الزبيري العاصمة صنعاء متوجهًا إلى خمر، حيث كان الشيخ عبد الله متواجدًا في منطقة جبل رازح بصعدة ضمن حملات المواجهة مع أعداء الثورة والجمهورية. ومن جبل برط دعا الزبيري إلى عقد "مؤتمر خمر للسلام". وقبل انعقاد المؤتمر بأيام قليلة، استشهد في منطقة برط (رجوزة) في 31/3/1965م.

وفي 2 مايو 1965م، عقد مؤتمر شعبي في منطقة خمر بمحافظة عمران معقل الشيخ الأحمر، بعد شهر من اغتيال فلول الإمامة لأبي الأحرار محمد محمود الزبيري. وقد جاء هذا المؤتمر في ظل خلافات شديدة داخل الساحة اليمنية، وحضره نحو خمسة آلاف شخص، ورأسه القاضي عبد الرحمن الإرياني.

اتجه المؤتمر، حسب وصف بعض المصادر، لإظهار بعض المرونة في الصراع مع فلول الإمامة، ومعارضة سياسة المواجهة التي تنتهجها حكومة الرئيس المشير عبد الله السلال. وكان من بين أسباب المؤتمر خلافات في وجهات النظر داخل الصف الجمهوري. وكانت المعارك يومها مشتعلة بين قوات الثورة ومرتزقة الفلول في 42 جبهة.

 

وقد أوصى مؤتمر خمر بقيام تنظيم شعبي شامل، وتعديل الدستور، وإقامة مجلس جمهوري، وتأليف مجلس الشورى.

 

وعُقد مؤتمر حرض في يوم 11/11/1965م من الأعضاء:

وهم القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس الوفد، وعضوية كل من الأستاذ أحمد محمد نعمان، والعميد محمد الرعيني، والعقيد علي سيف الخولاني، والشيخ محمد علي عثمان، والشيخ عبد الله حسين الأحمر، والشيخ مطيع دماج، والشيخ أحمد عبد ربة العواضي، والشيخ علي ناصر طريق، والشيخ عبد الرحمن ذمران، والشيخ عبد الله حسين الدعيس، والشيخ عبد الغني مطهر، والأستاذ محمد الأسودي، والشيخ محمد عبد الواحد دماج، والعقيد عبد الله جزيلان، والعقيد محمد الأهنومي، واللواء حمود الجائفي، والقاضي عبد الكريم العنسي، والقاضي عبد السلام صبرة، والقاضي محمد إسماعيل الحجي، والقاضي محمد بن علي الأكوع، والمقدم أحمد الرحومي، والقاضي محمد الخالدي، والدكتور حسن مكي، والشيخ محمد علي الرويشان، والشيخ عبد الله بن محين ثوابة، والشيخ علي صغير شامي. وقد روعي في الاختيار تمثيل المناطق.

 

أسهم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إسهامًا كبيرًا في الإعداد والتنفيذ لحركة 5 نوفمبر 1967م.

 

تعد ملحمة السبعين التاريخية وفك حصار العاصمة صنعاء من أهم وأقدس ملاحم البطولة والفداء التي خاضتها القوى الوطنية اليمنية ببسالة عالية، حيث تصدت لزحوف الكهنوت التي ضيقت الخناق على العاصمة من كل الاتجاهات، وشكلت واحدة من أهم منعطفات الثورة والدفاع عن الكيان اليمني وترسيخ مداميك الجمهورية. في هذه الملحمة شارك الشيخ عبد الله الأحمر بقيادة مجاميع قبلية وشعبية مقاومة في فك الحصار عن العاصمة من جهة بلاد الروس وبني مطر، وطريق صنعاء - سنحان. وتوزعت الحملة على عدة اتجاهات وكان هدفها (بلاد الروس) و(سنحان) و(سيان) والمناطق الشرقية من صنعاء حيث كان يتواجد عبد الله بن الحسين، أحد أبرز قادة القوات الإمامية. وتم هزيمة القوى الإمامية وفتح الطريق الرابطة بين صنعاء والمحافظات التي تقع جنوب العاصمة.

 

حظي الشيخ عبد الله بمكانة خاصة عند رجالات الحركة الوطنية، ويمكن إدراك ذلك من خلال الرسالة التي بعثها الأستاذ أحمد النعمان، والتي تنص على: "الابن الحبيب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس المجلس الوطني، ما أظنني طربت وسررت وشعرت بالسعادة والهناء كما طربت وسررت حين سمعت الأنباء تردد اسمك رئيسًا للمجلس الوطني، ما أظنني طربت وسررت وسعِدت كما طربت وسررت حين سمعت الأنباء تردد اسمك رئيسًا للمجلس الوطني، ما أظنني طربت وسررت وسعِدت بالسعادة والهناء كما طربت وسررت حين سمعت الأنباء تردد اسمك رئيسًا للمجلس الوطني.

إنني هنأت نفسي وزميلي وأخي الشهيد محمد محمود الزبيري الذي ظل يرقب هذه اللحظة ويتمناها... لا لأن عبد الله بن حسين الأحمر هو الذي انتُخب بالإجماع رئيسًا للمجلس الوطني، أعلى سلطة تشريعية... بل لأن الشخصية اليمنية التي حاربها الطغاة والبغاة والذين باعوا أنفسهم للشعارات الواردة من الخارج... لأن هذه الشخصية طلعت اليوم بتأريخها وماضيها ووجهها الناصع، طلعت كما تطلع الشمس بعد ليلة ظلماء.

إن روح الزبيري تطل اليوم على اليمن وهي تفيض بهجة ورضًا واطمئنانًا... إن دم الزبيري لم يذهب هدرًا ولا عبثًا... فلينعم في رضوان الله بعد أن حققتم ما جاهد من أجله ووهب في سبيله حياته. اليوم أمنا أن الشعب هو الذي يحكم وأنه صاحب السلطة... ولقد قلت للكثير إن ظهور عبد الله بن حسين الأحمر على رأس المجلس الوطني هو ظهور حقيقة شعبنا ببطولاته وأمجاده وحضارته وتاريخه... ولقد كان الزبيري مؤمنًا بهذه الحقيقة حين قال: "آمنت أن لنا حقًا، وأن لنا شعبًا سينهض من كابوسه الطامي، وأن في الشعب أبطالًا، وأن به قومًا يعد الفتى منهم بأقوام".

إنني أهنئ المشايخ الأحباب الأبطال، أهنئ رجال القبائل وأبناء الشعب عمومًا، وأحييكم من كل قلبي وأتمنى لكم التوفيق."

ثالثًا: التجربة البرلمانية

 

تعد التجربة البرلمانية اليمنية أحد أهداف الحركة الوطنية منذ ثورة 1948م، ومن مرتكزات الدستور المقدس وأدبيات الثورة، ومن أهدافها الستة:

"إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف"،

حيث يعد تطوير المسار البرلماني والديمقراطي من ضروريات الازدهار الوطني كأسلوب وحيد للوصول إلى الحكم والممارسة السياسية، وتحقيق مجتمع العدل كقيمة أساسية، ومنع الظلم والتسلط، ومراقبة أداء مؤسسات الدولة وتقييمها، وإصدار التشريعات والقوانين المنظمة لحياة الشعب ومؤسساته وسلطاته المختلفة.

 

في عام 1969م، انتُخب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيسًا للمجلس الوطني للجمهورية العربية اليمنية الذي تولى صياغة الدستور الدائم للبلاد، وتأسيس قاعدة الشورى التي يقوم عليها النظام الجمهوري باعتبار الشورى أهم أهداف الثورة اليمنية التي جاهد من أجلها كل أطياف الحركة الوطنية.

وفي عام 1970م، تم انتخاب الشيخ عبد الله رئيسًا لمجلس الشورى، والذي جسد تجربة شوروية ديمقراطية متقدمة في ذلك الحين مقارنة بظروف التخلف والفقر التي كانت تعاني منها البلاد، وظل المجلس يقوم بواجبه حتى تم تعليق العمل بالدستور الدائم وإغلاق المجلس عام 1975م.

عارض ما رآه من سوء إدارة للدولة في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي قدم استقالته طوعًا لمجلس الشورى، ودعم الأحمر عملية انتقال السلطة سلمًا التي قام بها العميد إبراهيم الحمدي في 13 يونيو/حزيران 1974 بعد استفحال الأزمة السياسية في البلاد.

عند تأسيس المجلس الاستشاري عام 1979م، عُين الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر عضوًا فيه.

حاز الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر على ثقة المواطنين في دائرته الانتخابية في الانتخابات النيابية لثلاث دورات انتخابية منذ أبريل 1993م.

وفي أثناء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد (أغسطس 1993 - يوليو 1994م)، نجح الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب، في الحفاظ على سلامة السلطة التشريعية ووحدتها رغم حالة الفوضى والتشتت المريعة التي عانت منها اليمن قرابة عشرة أشهر.

انتُخب رئيسًا لمجلس النواب في تلك الدورات الثلاث، واستمر في رئاسة المجلس حتى توفاه الله. كانت تجربة الشيخ البرلمانية ثرية بالمواقف والأحداث السياسية والتطورات الداخلية والخارجية. استطاع قيادة دفة العمل البرلماني بحكمة بالغة وسط موجات متتالية من الأزمات والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصراعات الداخلية والخارجية. كان يمثل فيها شوكة الميزان، وعاملًا كبيرًا للتوافق، ومرجعية وطنية وسياسية وازنة، وتمتع رحمه الله بالكثير من الصبر والمرونة والحنكة السياسية.

وقد عبر عن ذلك مجلس النواب اليمني في أحد بياناته:

"كان للفقيد رحمه الله دوره المتميز في المواقف العملية الشجاعة ومن خلال الكلمة الرصينة الجادة والمسؤولة أثناء ترأسه لمجلس النواب لفصول تشريعية ولسنوات عديدة. حيث تميزت رئاسته للعمل البرلماني بالنظرة الوطنية الشاملة، ولم يكن متعصبًا أو منحازًا لأي سياسة أو كتلة برلمانية، بل كان متعصبًا لمصالح الوطن العليا ووضعها فوق كل اعتبار. تعامل مع كافة أعضاء البرلمان وكوادره وموظفيه كإخوة وزملاء له في تحمل المسؤولية وأداء الواجب الوطني الذي منحوا الثقة من قبل أبناء الشعب اليمني. كان الرجل الذي يؤمن بمبدأ الحوار والتشاور والتفاهم في مجمل القضايا، للوصول بها إلى نتائج مثمرة تحرص على لم الشمل والإجماع الوطني والتوافق تجاه القواسم المشتركة التي تخدم مواصلة مسيرة البناء والإصلاح والتنمية الشاملة وعدم التفريط بالثوابت الوطنية والمصالح العليا للوطن وكل المكاسب والمنجزات التي حققها الشعب اليمني.

ومن خلال مكانة الفقيد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الاجتماعية والسياسية، اتصفت سجاياه العظيمة بالتسامح وتعزيز أواصر المحبة والأخوة والترابط الوطني. كان مثالًا للاعتدال والحكمة والصبر والمسؤولية والعقلانية. وتجسدت فيه أصدق معاني النبل والوفاء والشجاعة والتضحية والأخلاق الفاضلة، مما جعله واحدًا من أولئك الرجال الأفذاذ الذين تركوا بصماتهم الواضحة في تاريخ ومسيرة الوطن اليمني الكبير."

رابعًا: العمل السياسي والدبلوماسي والاجتماعي

الأدوار السياسية والاجتماعية والوطنية التي قام بها الشيخ عبد الله الأحمر وشارك فيها منذ قيام الثورة وحتى وفاته كانت محورية وفاعلة في التأثير في صناعة القرار الوطني والمشاركة السياسية الفاعلة في السلطة والمجتمع. كان حاضراً بشكل قوي خلال النصف الثاني من القرن العشرين في التاريخ اليمني المعاصر، سواء في قمة السلطة أو على رأس هرم المعارضة. إلا أنه ظل يملك جزءًا كبيرًا من النفوذ السياسي والاجتماعي والقبلي مهما تغير موقعه أو اختلف توجهه حول القضايا الوطنية والاجتماعية. لكنه كان متوازنًا ومحافظًا على مكانة وسطية شكلت نقطة التقاء لكل الأطراف حول شخصيته، وأعطته قدرًا كبيرًا من الاحترام كمرجعية توافقية لكل اليمنيين.

 

عين عضوًا في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه عام 1982 حتى قيام الوحدة عام 1990.

وعقب قيام دولة الوحدة المباركة وإقرار التعددية السياسية والحزبية، كان على رأس الهيئة التأسيسية لـ (التجمع اليمني للإصلاح) الذي ضم الكثير من العلماء والمشائخ والمثقفين ورجال الأعمال والشباب والنساء من مختلف المناطق اليمنية من المهرة حتى صعدة. واختير رئيسًا للهيئة التحضيرية العليا.

في (13 سبتمبر 1990م)، تم الإعلان رسميًا عن ميلاد (التجمع اليمني للإصلاح). من بين أكثر من (1200) شخصية مؤسسة تم اختيار ستين شخصًا ليشكلوا لجنة تحضيرية (للإصلاح) يمثلون مختلف فئات المجتمع اليمني.

ويعد حزب الإصلاح امتدادًا لحركة الإصلاح الوطني اليمني فكريًا وسياسيًا، التي واجهت أنظمة الإمامة الاستبدادية المتعصبة عبر التاريخ. وأسهم بشكل أساسي في إثراء الحياة السياسية عقب الوحدة المباركة وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، وعمل كجسم سياسي صلب ومؤسسة وطنية جمهورية عظيمة، على إثراء الحياة السياسية والحزبية وعمل على تجذير الممارسة الديمقراطية، وتفعيل المؤسسية.

ترأس المؤتمر العام الأول للتجمع اليمني للإصلاح في سبتمبر 1994م.

واستمر في رئاسة الهيئة العليا للإصلاح حتى وفاته، واستطاع خلال تلك السنوات من العبور بالتجمع في المنعطفات السياسية المختلفة والظروف الصعبة، والحفاظ على قدر مقبول من التوافق الوطني والحفاظ على المصالح العليا للوطن.

في 12 يناير 1995م، رأس وفدًا يمنيًا رفيع المستوى إلى المملكة العربية السعودية لمواجهة التداعيات الخطيرة حول أزمة الحدود اليمنية السعودية، ونجح في التوصل إلى توقيع مذكرة التفاهم في 27 رمضان 1415هـ، التي فتحت الطريق أمام عودة العلاقات الطبيعية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية وصولًا إلى توقيع اتفاقية الحدود في 12 يونيو 2000م.

إلى جانب الأدوار الداخلية، مارس عددًا من المهام ذات البُعد العربي، منها رئيس اللجنة الشعبية لمناصرة الشعب الكويتي بعد الغزو العراقي للكويت، ورئيس اللجنة البرلمانية للقدس وفلسطين، ونائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس، ورئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأقصى وفلسطين.

كما كان عضوًا في مجلس الأمناء في منظمة الدعوة الإسلامية العالمية.

وعن أدواره القومية، جاء في بيان مجلس النواب:

"وتشهد المواقف القومية والإسلامية للفقيد الراحل مدى إسهاماته الكبيرة من منطلق ومواقف الجمهورية اليمنية الثابتة وسياساتها الخارجية تجاه خدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية، سواء من خلال علاقاته الواسعة أو مشاركاته الفاعلة في العديد من المحافل البرلمانية العربية والإسلامية والدولية، أو من خلال مواقفه المبدئية وإسهاماته الفاعلة في نصرة القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وهي القضية الفلسطينية. كما أسهم في تأسيس مجلس أمناء مؤسسة القدس التي كان يشغل منصب نائب الرئيس فيها ورئيس فرعها في اليمن، بالإضافة إلى عضويته في مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية ورئاسته للجنة البرلمانية للدفاع عن الأقصى وفلسطين."

توفي رحمه الله في 28 ديسمبر/كانون الأول 2007 في العاصمة السعودية الرياض بعد معاناة طويلة مع المرض.