للرأي العام الشمالي.. شرح مبسط للقضية الجنوبية (الأخيرة)
بقلم/ سعيد صالح ابو حربه
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 13 يوماً
الخميس 12 إبريل-نيسان 2012 06:14 م

في جزئي المقالة السابقين أوضحنا مايؤكد وجود النية المبيتة -مع الأسف- لدى الأطراف الشمالية الفاعلة بالنكوث بأي اتفاقات مع الطرف الجنوبي تؤدي الى إرساء أسس جديده لبناء الدولة أظهرت الحقائق على الواقع مايمكن ان يقال عنه غدرا باتفاقات أجمعت عليها كل القوى، ندعو الصادقين مع أنفسهم اليوم إلى تذّكر كيف ان المنتصرين في الحرب الظالمة على الجنوب عام 1994م قد وصفوا وثيقة العهد والاتفاق بوثيقة الخيانة والعمالة رغم احتوائها على اغلب مضامين النقاط الثمانية عشرة التي كان يزايد بها هؤلاء أثناء حوارات أزمة الاعتكافات .

مدينة عدن واليمن الأسفل

كما مثلت عواصم دول الخليج والسعودية قبلة لملايين من العمالة الوافدة من كل الأصقاع وخاصة بعد حرب اكتوبر التي رفعت أسعار النفط العربي فقد مثلت عدن وبعض المدن المجاورة لها في الجنوب قبلة الوافدين اليها والهاربين من الجوع والمرض والاضطهاد منذ أوائل القرن العشرين على ان الغالبية قد كانوا من المناطق التي كان يطلق عليها في ستينيات القرن الماضي باليمن الاسفل (أب -تعز) وكما تعاملت دول الخليج والسعودية. تعاملت السلطات الانجليزية مع كل الوافدين الى عدن وهوا نفس النمط والإجراءات التي تعاملت بها ايضاً السلطات الشمالية تقريبا مع كل النازحين والهاربين من الجنوب منذ الاستقلال الى مابعد الوحدة .؟

مثالية مشبوهة في الجنوب

بخلاف كل بلدان الدنيا على الإطلاق قامت السلطات الحاكمة حديثا بالجنوب وخاصة المنتصرة في الثاني والعشرين من يونيو 1969م بانتهاج أسلوب الدمج الكامل ليس لكل الشماليين المقيمين بالجنوب عند الاستقلال فحسب وانما لكل الشماليين الذين قدموا لاحقا -وهم كثر- الى الجنوب ولأي أسباب كانت وبالتالي سمحت لهم بأن يتبوؤا الوظائف العادية والمهمة ابتداء من الجهاز الإداري والمحاسبي الى القوات المسلحة والمخابرات والعمل الدبلوماسي والأمن العام وحتى مراكز صنع القرار في المواقع العليا، يقابله سياسات ادت الى نزوح واقصاء مئات الآلاف من ابناء الجنوب وقواه الفاعلة لصالح النهج الذي أصبح في الحقيقة مظلة لكل شمالي للاستحواذ على أية مصلحة يريدها أو يطمح اليها حتى وان كان لايحمل أية قناعات بهذا النهج الماركسي، الذي اصبح سيفاً مسلطاً على كل جنوبي يحدد او يقول رأياً محترماً لايتفق ومصالح آخرين من القادمين او الحاضنين .

قمة الصبيانية والطفيلية

كان الشهيد فيصل الشعبي -رحمه الله- يريد ان يضع اعتباراً للشخصية الجنوبية فذهب ضحية لذلك ثم ذهب الرئيس سالمين -رحمه الله- الذي اراد ان يضع حداً لانخراط القوى السياسية الشمالية في صنع القرار الجنوبي، فجاءت حركة ماسماها يساريو الجبهة القومية باليسارية الطفيلية بأكثر السلوكيات طفيلية وصبيانية في آن واحد, إذ بينما كان يفترض منهم -وبعد مرور مايزيد قليلا على عقد من زمن استقلال الجنوب- القيام بإجراءات تؤدي الى انفتاح -ولو نسبي- على بعض القوى الاجتماعية الجنوبية التي مورست تجاهها أبشع أنوع التعسف والإقصاء والتهميش, فإن القوى المنتصرة في السادس والعشرين من يونيو1978م أعلنت عن بدء حوار سياسي مع سبعة أحزاب شماليه تكلل بشكل سريع وعجيب عن دمجها في كيان سياسي واحد مع الجبهة القومية الموحدة وانصهارها في منظومة النظام السياسي القائم على الأرض الجنوبية ولكم ان تتصوروا حال الجنوبيين مع وضع كان فيه صانع القرار على أرضهم في الواقع وقبل إعلان الوحدة بأكثر من اثني عشر عاما عبارة عن خمسة أحزاب شمالية مع حزب جنوبي شمالي هوا الجبهة القومية الموحدة الذين هم اليوم (الحزب الاشتراكي اليمني).

شمالٌ مختلف كلياً

كان المقابل لهذا الوضع الجنوبي النشاز سلوكا لايمكن القول عنه الا انه سلوك دولة في الجمهورية العربية اليمنية وأظن ان تقييمه بالمعيب ( واقصد هنا تجاه الجنوبيين ) غير وارد ان كنا ننظر للمسألة من منظار دولة تحترم نفسها، اذ لايعني اطلاقا ان النظام القائم على الأرض الجنوبية وهو -كما قلنا- سلوك طفيلي وصبياني، قد كان صحيحاً على الإطلاق حتى وان سلمنا بكل معاني الوطن الواحد والدولة الواحدة فإن الأخوة في الشمال كانوا يتصرفون من واقع الدولتين والشعبين المختلفين ولاداعي هنا للخوض في تفاصيل مايؤكد كل ذلك .

لقد كان التعامل مع الجنوبيين الى مابعد تحقيق الوحدة عبر الجهاز الأمني وهذا بالضبط مايجعل المسألة تعامل مع وضع شعب يعيش مأساة مع دولته وإنني هنا أؤكد بأن أي استثناءات ربما يذكرها البعض لامعنى لها بالمنظور العام للمسألة .

مأساة المعتدلين الجنوبيين

هناك مأساة كبيره للمعتدلين الجنوبيين في النظر الى طرق الحل للقضية الجنوبية ولعلني أرى في نفسي احدهم وهو انه بينما نرى في أحيان كثيرة إمكانية الحل عبر المحافظة على الدولة الواحدة وذلك من خلال الاتحاد الفيدرالي والذي نرى فيه حقيقة مصلحة كبيرة للجنوبيين تماما كما هي مصلحة للاستقرار وللشمال كذلك حيث لانحمل أي مواقف عنصرية او احقادية او كرهاً تجاه أي إنسان أو فرد لاناقة له ولاجمل ممايجري فإننا نواجه حرباً ظروساً من إخواننا الجنوبيين يسجلون علينا فيها نقاطاً لصالحهم بسبب تصريحات وآراء بعض القوى الفاعلة الشمالية في النظر الى طرق الحل ومنها مايصرح بها البعض من الرفض للفيدرالية والرفض لتطبيق القوانين -مع الأسف- وقد تندر الكثير من الجنوبيين في سخرية من آرائنا عن مقابلة مع احد المشائخ الكبار منذ أكثر من شهر عندما أعلن رفضه تطبيق القانون وادعاءه بأنه يتعارض وأعراف القبيلة.

وانطلاقا من كل ذلك فإننا نتمنى ان يتفهم الأخوة الشماليون الصادقون لكل تحفظات ابناء الجنوب وخوفهم من استمرار مسلسل الإقصاء والفوضى والعشوائية، مؤكداً ان المجال طويل ان أردنا ان نضيف ما يدلل أكثر على أطروحاتنا .

إنني أتساءل مع الجميع كرأي عام شمالي وأقول هل باستطاعتهم فقط الضغط على القوى السياسية التي كثر صراخها أيامنا هذه عن الدولة المدنية كما أقول هل بمقدورهم ان يجعلوا فقط كبار القوم يعلنون تبنيهم لبرنامج سريع يتضمن اعلان إنهاء كل قضايا الثأر وتكليف الحكومة التعامل مع أية قضية جديدة كقضية جنائية يطارد مرتكبها والإعلان عن برنامج منع القات في المحافظات التي كان ممنوعا عنها قبل الوحدة والإعلان عن تطبيق تجربة منظمة لجان الدفاع الشعبي وليكن تغيير اسمها بما يحبون وان كان منظمة لجان الدفاع الاسلامي لأن المهم المضمون الذي يقضي على مسلسلات شيخ الجعاشن واخواته اواخوانه ولاضير هنا ان كانت التجربة قادمة إلينا من الدولة الكوبية حيث وقد أشاد -المغفور له إن شاء الله- الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر بالرئيس والتجربة الكوبية، كما ان إخواننا السلفيين قد اقتنعوا اليوم بعد تلكك دام عقوداً من الزمن من الانخراط في العملية الديمقراطية التي كانوا يظنون بأنها غربية وكافرة .

ان موقفا من هذا النوع تسارع اليه القوى الشمالية لاحقا بالتطبيق العملي من شأنه ان يغير الكثير من المفاهيم التي يشعرون بالضيق منها عند سماعها من إخوتهم الجنوبيين .

وفي ختام هذه المقالة فإني أدعو القارئ العزيز الى مراجعة العدد القادم من صحيفة الوسط حيث آمل موافقتها على نشر مقالة سابقة