ثورة التغيير .. لماذا طال المخاض ؟
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و يومين
الإثنين 25 إبريل-نيسان 2011 11:13 ص

السير في قراءة ثورة التغيير في اليمن ربما يختلف كثيرا عن واقع وإشكالات وملابسات غيرها ، فأدوات التحليل السياسي الصرفة إن عُول عليها لوحدها فإنها خائبة إذ لا تلبث الا قليلا وتعارضها تماما معطيات الحدث والمستجدات لما كان متوقع .

الأقرب هنا أن القارئ للحدث بحاجة الى أن يغوص في السنة الالهية وكيف تعمل بإيجابية طالما صدقت نية البشر ، واستنفذت الطاقات .

ومن يقرأ الحدث الكوني أو على مستوى الجماعات والفرد على ضوء التأمل العميق والمنصت للنص القرآني يجد ان الله سبحانه وتعالى جعل للإنسان وهو يجهد في الحياة قوانين يُطلق عليها السنن الالهية ، تتسم بالثبات ،فلا تتبدل ، أو تتحول ، تضبط مساره ، وتقطع باليقين ـــــ ولا تتنبأ ـــــ بمآله ومستقبله في حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، يمكن اختيار منها ما يمكن تسميته بالقوانين السياسية وهذا غير حاصل لدى النظرية السياسية المعاصرة مهما بلغت حداثتها أو حدها العلمي ، فكثيرا ما تأتي النتيجة مخالفة تماما لما كان يعتقد او يخال للمحلل السياسي انه ضبطه ، فعلمية النظرية السياسية لم تصل بعد ولن تصل الى مستوى الدقة في العلوم التطبيقية .

ولعل سيد قطب رحمه الله هو خير من عاش متأملا في النص القرآني واستلهم حركة السير للفرد والمجتمع والامة على ضوء الظاهرة القرآنية ، وكيف تتبلور هذه السنن او القوانين في إطار الجهد والحركة .

فله أن الانسان (  الممتد في شعاب الزمان من قديم ، يواجه - كما يتجلى في ظلال القرآن - مواقف متشابهة ، وأزمات متشابهة ، وتجارب متشابهة على تطاول العصور وكر الدهور ، وتغير المكان ، وتعدد الأقوام . يواجه الضلال والعمى والطغيان والهوى ، والاضطهاد والبغي ، والتهديد والتشريد .. ولكنه يمضي في طريقه ثابت الخطو ، مطمئن الضمير ، واثقا من نصر الله ، متعلقا بالرجاء فيه ، متوقعا في كل لحظة وعد الله الصادق الأكيد : ] وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ، ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد [ .. موقف واحد وتجربة واحدة . وتهديد واحد . ويقين واحد . ووعد واحد للموكب الكريم .. وعاقبة واحدة ينتظرها المؤمنون في نهاية المطاف . وهم يتلقون الاضطهاد والتهديد والوعيد )

( وفي ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان في هذا الوجود للمصادفة العمياء ، ولا للفلتة العارضة : ] إنا كل شيء خلقناه بقدر [ .. ] وخلق كل شيء فقدره تقديرا [ .. وكل أمر لحكمة . ولكن حكمة الغيب العميقة قد لا تتكشف للنظرة الإنسانية القصيرة : ] فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا [ .. ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم . والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ .. والأسباب التي تعارف عليها الناس قد تتبعها آثارها وقد لا تتبعها ، والمقدمات التي يراها الناس حتمية قد تعقبها نتائجها وقد لا تعقبها . ذلك أنه ليست الأسباب والمقدمات هي التي تنشئ الآثار والنتائج ، وإنما هي الإرادة الطليقة التي تنشئ الآثار والنتائج كما تنشئ الأسباب والمقدمات سواء : ] لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [ .. ] وما تشاءون إلا أن يشاء الله [ .. والمؤمن يأخذ بالأسباب لأنه مأمور بالأخذ بها ، والله هو الذي يقدر آثارها ونتائجها .. والاطمئنان إلى رحمة الله وعدله وإلى حكمته وعلمه هو وحده الملاذ الأمين ، والنجوة من الهواجس والوساوس : ] الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ، والله واسع عليم [ ..

ومن ثم عشت - في ظلال القرآن - هادئ النفس ، مطمئن السريرة ، قرير الضمير .. عشت أرى يد الله في كل حادث وفي كل أمر . عشت في كنف الله وفي رعايته . عشت أستشعر إيجابية صفاته تعالى وفاعليتها .. ] أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟ [ .. ] وهو القاهر فوق عباده وهوا لحكيم الخبير [ .. ( والله غالب على أمره ولكن أكثرا لناس لا يعلمون [ .. ] واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه [ .. ] فعال لما يريد [ .. ] ومن يتق الله يجعل له مخرجا وبرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه . إن الله بالغ أمره [ .. ] ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها [ .. ] أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه [ .. ] ومن يهن الله فما له من مكرم [ .. ] ومن يضلل الله فما له من هاد [ .. إن الوجود ليس متروكا لقوانين آلية صماء عمياء . فهناك دائما وراء السنن الإرادة المدبرة ، والمشيئة المطلقة .. والله يخلق ما يشاء ويختار . كذلك تعلمت أن يد الله تعمل . ولكنها تعمل بطريقتها الخاصة ؛ وأنه ليس لنا أن نستعجلها ؛ ولا أن نقترح على الله شيئا .

ويقول ( والخير والصلاح والإحسان أصيلة كالحق ، باقية بقاءه في الأرض : ] أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، فاحتمل السيل زبدا رابيا ، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع ، زبد مثله . كذلك يضرب الله الحق والباطل . فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . كذلك يضرب الله الأمثال [ ... ] ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء [ ..

] فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . ومن أظل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ؟ إن الله لا يهدي القوم الظالمين) 
أي طمأنينة ينشئها هذا التصور ؟

وأي سكينة يفيضها على القلب ؟

وأي ثقة في الحق والخير والصلاح ؟)

... انتهى كلام سيد

الآن وبعد أن وصلت ثورة التغيير في اليمن هذا الحد والمستوى يدرك الريث العامل والبصير ، أن هناك تدبيرا آخرا يعمل ومن وراء ستار غير البشري على الارض الذي نحسه .

أما نحن وقد خلقنا من عجل فكانت امنياتنا ان تنجح ثورتنا من يومها الاول ، ولو كان بأيدينا لنضجناها من اول لحظة ، لكن الله سبحانه وتعالى ـــــــ الذي عودنا بفضله رحمته باليمن عبر اكثر من مرحلة ومسيرة ـــــــ أراد أن يحقق لنا اكثر من نصر وفوز قبيل تحقق الحلم في هذه المسافة التي نحن منها في عجالة و قلق ولسان حالنا ، يا رب متى هو ؟

المكاسب في التأخير :

لو نجحت الثورة بنفس السرعة للثورتين التونسية والمصرية لكانت التحديات جمة وخطيرة ، وتتهدد مصير اليمن ،

كان لصالح أنصار ــــ مغرر بهم ، أو على عاطفة و مصلحة ـــ في كل المستويات الرأسية والافقية في اليمن ، وقد كان يمكن ان يقودوا تصادما اجتماعيا ، يجر الفشل للثورة في كيانها الرسمي القادم ، وعلاقتها الخارجية ، وقد عملت هذه الفترة الممتدة على كشف الوجه الحقيقي لصالح وافراد اسرته فاختار شرفاء السلطة والمؤتمر اليمن على صالح ، ثم تركوه ، فكانوا رصيدا للثورة ، وضمانة أخرى لليمن ، ومع كسب هؤلاء تعززت الثورة بما نسبته الـ 20% .

(إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا ) وهذا قانون الهي يعمل بدقة وحتمية إن توفرت له الاسباب والارضية .. ومن وحيه ....فقد عمل صالح على أن تكون اليمن قنبلة مؤقتة للداخل والاقليم ، فجعل من القبيلة وحشا مرعبا لا يتخطاه أحدا بمخالب وأنياب ، ثم من الحوثيين خطرا مصيريا ، ومن الحراك الجنوبي تهديدا للوجود ، ومن القاعدة فزاعة للمصالح الدولية .. والحق أن هذه الرباعية كان يمكن لها أن تؤتي ثمارها لو نجحت الثورة في أيامها الاولى ، لكن رحمة الله كانت اقرب وأجمع ، ويتجلى المكر الالهي هنا بأن الله سبحانه هو من دفع صالح لأن يعلن كيده ، ويكشفها أدوات مكره ، فردها الله عليه ، وجعل في ذلك الخير للشعب وثورته .

فأما القبيلة فقد استفزها صالح واستوعبت منه التحدي ، فربطت على جراحها وآلامها مع بعضها ، ثم جاءت وانصهرت في ساحات التغيير ، فتبلورت بشخصية مدنية ذات ابعاد حضارية ، وحس جمالي ، وشعور أنساني منضبط ، ما كان لها أن تبلغه في سنوات مهما عظمت الادوات المختلفة التي تحملها الى ذلك .

وفي نفس البوتقة الوطنية الجامعة انصهر الحوثيون ، والحراك الانفصالي ، وايدلوجية الشد السياسي .

كما أن المؤسسة العسكرية هي الاخرى أحسنت الانتقال بسرعة وسلاسة الى الدور المؤسسي المحايد والضامن ، وقد كان المراقبون يقولون اننا في اليمن بحاجة الى عشرات من السنين الى الانتقال من حكم العسكر الى الخيار المدني ، ذلك ان العسكري هو الحاكم من عند رئيس الجمهورية مرورا بالمحافظ فمدير المديرية ، حتى الشيخ وصولا الى مدير المدرسة ، فتفكيك هذه المنظومة والذهنية كان فعلا يحتاج الى مسافة بعيدة من الزمن وجهودا مضنية .

ــ ساعدت هذه الفترة ـــ ومع عناد صالح وظهور جرائمه كفاحا ـــ في جذب كل المكونات الاجتماعية والنقابية ، والسياسية ، والقبلية وغيرها من الكفاءات والكوادر، فضلا عن هذا الكم الكبير من بسطاء الناس الى صف الثورة وبحيث تكون هي ثورة اليمن بكله جغرافيا وسكان ، وليست ثورة أشخاص تختزل فيهم البطولة ، ووحدهم رجال الحدث والتغيير ، وصناع التحول ، حتى لا تعود حليمة لعادتها القديمة ، ونعود من باب آخر ندور حول الاشخاص ، وصناع التاريخ ، نغادر الدكتاتورية من باب وندلف اليها من نافذة ، لكنها هنا لليمن وحده ، انها رحمة الله ، فهي لليمن وليست لغيره .

كما ان طول هذه الفترة ساعد كثيرا في قبول الاقليم والمجتمع الدولي بعد تعبئة خاطئة طويلة حثيثة ومتراكمة من صالح لدى هذه الاطراف ، وقد كانت الحاجة ضرورية الى جهود متواصلة ومضنية لتجلية هذه الصورة في حال نجاح الثورة عند ايامها الاولى ، وكان ذلك سيكون على حساب اولويات وحاجات أخرى عاجلة وأهم في سياق التنمية والعلاقات الدولية .

تبين للعالم في هذه الاثناء صفاء ثورة التغيير في اليمن ، ورسالتها السامية للداخل والخارج من خلال هذا الوجه الابيض المشع والبريء ، وهذه السلمية والسلام ، وقيم الحب والرحمة ، والجدية ، والعملية ، والموضوعية والوضوح ، بعكس ما اسفرت عنه الفترة من الوجوه المتعددة السيئة والغاية في القبح لصالح ونظامه .

الحق ان المشاكل التي كانت في الغد ستملأ الساحة بحدة وعقد ، وربما ازمات , قد حٌلت اليوم في ساحات التغيير .

فلم نكن كاليوم بهذا الحس الحضاري والوطني قبيلة واحزاب ، ومناطق ومذاهب .

ولم نكن كاليوم بهذه الوطنية والحب الصادق لليمن ، أصبحنا نحفظ النشيد الوطني ونردده كل يوم مع كل هتاف لجيشنا الحبيب ، كما اكتشفنا كم كان ايوب طارش مبدعا والفضول عظيما ونحن نردد معهما أغاني الوطن .

إن عناد صالح ، وكره ، وفره ، وعدم تسليمه السريع ، يعد أهم الاسباب في رسوخ الثورة وتجذرها .

وهكذا أراد صالح أمرا ، وشاء الله سبحانه وتعالى أمورا ، فغلبت مشيئة الله سبحانه وتعالى ما شاءه صالح ، واستعمل الله كيد ومكر صالح في خدمة ثورتنا من حيث لا يدري صالح .

كما جعل الله سبحانه وتعالى من مكر فرعون وبالا عليه ، وطوقا في عنقه ، إذ جعل من سحرته في مهرجان اعد له في الضحى والناس يحشرون انقلابا عليه ودحضا لافتراءاته ، قدموا يقسمون بعزة فرعون ، ويقولون أئن لنا لأجرا ، ثم ينقلبون ساجدين لرب موسى وهارون ، فإن ما يلقاه صالح على الفضائيات هو عين المشهد .

فما من مهرجان يعد له صالح الا وينتهي بنكسة له في الخطاب او في العراك على الاموال ، وكل مهرجان يأتي ينحت من صالح وينتقص منه عن سالفه .

إنها ارادة الله وحده ، فلا تستعجلوا ، ... ودعوها فإنها مأمورة ، وما خدمكم صالح كما خدمكم اليوم ..وانتظروا شهادة التاريخ ..