مفاجأة رقمية للثوار .. و صالح يراهم قلة
بقلم/ منى صفوان
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 18 يوماً
السبت 09 إبريل-نيسان 2011 03:21 م

لا توجد ثورة في العالم تشارك فيها كل فئات الشعب. فقانون الثورات لا يشترط مشاركة أعلى نسبة في الشعب، لتكون الثورة... ثورة، فيكفي أن تخرج فئة من الشعب لتكون للثورة شرعية، و لها حق الانتصار، و تلبى مطالبها.

و بالأرقام التاريخية، فأعلى نسبة للثورات لم تشترط مشاركة أكثر من 10% من الشعب.

فالثورة الفرنسية، التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني و صارت مفخرة أوروبا، سجلت أسبقية في ثورات الشعوب وهدمت الباستيل و أقامت الجمهورية الفرنسية، و قدمت للعالم الوثيقة التي بها أعلن بعد ذلك "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، قامت بنسبة 1%  فقط من الشعب الفرنسي.

و بعدها الثورة الروسية "البلشفية" التي أنهت حكم القياصرة في روسيا، وكانت عبارة عن سلسة ثورات أنشأت الاتحاد السوفيتي، الذي جعل من روسيا دولة عظمى، هذه الثورة كانت نسبة المشاركة فيها 7% .

ثم تأتي الثورة الإيرانية أو "ثورة الكاسيت" التي قفزت للمشاركة فيها إلى 10% ، هذه الثورة التي قادها الخميني من منفاه في فرنسا من خلال أشرطة الكاسيت، و أنهت حكم شاه إيران و أقامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، شهدت أعلى نسبة مشاركة لثورة شعبية في القرن العشرين.

ويلاحظ انه مع تطور تقنيات الاتصال و التواصل تزيد نسبة المشاركة في الثورات، فالثورة الفرنسية ارتبطت بانتشار الطباعة و توزيع المنشورات، و الثورة في روسيا كان لسكك الحديد دور في انتصارها، ثم تأتي الثورة الإيرانية التي تزعمها الخميني من فرنسا مستفيدا من أشرطة الكاسيت التي كانت تعد وقتها بمثابة الانترنت الآن، لذا استفادت الثورتين التونسية و المصرية من ثورة الاتصالات و تقنية المعلومات، فتأتي الثورة المصرية الشعبية في 25 يناير- 2011 و تقفز برقم المشاركة الشعبية إلى 22%، ليكون هو رقم المشاركة الأعلى في الثورات الشعبية.

القلة...

اما الثورة اليمنية فهي تسجل مفاجأة رقمية، إلى جانب مفاجأتها المتوالية: من ثورة سلمية في بلد مدجج بالسلاح، رغم الاستفزازات و الهجمات الشرسة.

 إلى انضمام كل القوى التقليدية لها، العسكرية و السياسية و الدينية و القبيلة التي كان يستقوي بها النظام، و حتى قادة الحزب الحاكم و ممثليه السياسيين و الدبلوماسيين في سابقة فريدة من نوعها. و حتى الحضور الغني للنساء اليمنيات في بلد محافظ في ساحات الحرية و التغيير، و ليس كمشاهدات، بل هن من قادة الثورة و صناعها. و تضرب اليمن مثالا حيا في أن الوعي لا علاقة له بالتعليم و الرفاه الاقتصادي، فالبلد الفقير يثير دهشة العالم بهذا التمثيل القوي للفئات المختلفة في ثورة سلمية تؤكد على حضارة اليمنيين و تبعد عنهم تهمة التخلف، برغم أن اليمن واحد من أفقر دول العالم و برغم تفشي الأمية.

و تأتي مشاركة اليمنيين الكبيرة برغم أن مستخدمي الانترنت و وسائل الاتصال في اليمن ليسوا الأغلبية، فهم بحسب تقديرات عام 2009 يصلوا إلى ما يقارب المليون مستخدم فقط، أي 2% من عدد السكان، وهذه إحدى مفاجآت الثورة اليمنية للعالم.

لذا تعد مشاركة اليمنيين مفاجأة رقمية و تقديريه، فهي قياسا بعدد السكان، تتجاوز النسب المتعارف عليها، و تضرب رقم تاريخي، فان يخرج أكثر من مليون في صنعاء كل جمعة، من أصل 3 مليون من سكان العاصمة، فهذا رقم أعلى بكثير من نسبة خروج المصرين الذين يصلون إلى هذا الرقم في القاهرة التي يصل عدد سكانها إلى 20 مليون.

وان تخرج " تعز" كلها وعدد سكانها يصل إلى 4 مليون، فان تعز و صنعاء وحدهما يكفيان لتخطي النسبة بخروج أكثر من 5 مليون يمني 25% أي ربع عدد السكان البالغ عددهم 20 مليون نسمة أو أكثر بقليل. 

وان استمرينا في لعبة الأرقام و تحدثنا عن باقي المدن و المحافظات اليمنية، فإننا نتحدث عن نسبة أعلى بكثير.. قد تصل إلى 30% أو أكثر، فالعدد يتضاعف كل يوم.

هذا يعني أن الثورة اليمنية ضربت الرقم التاريخي العالمي، فتكون الحصيلة: 1% للثورة الفرنسية و 7% للروسية و 10% للإيرانية و 22% للمصرية، و أكثر من 30% للثورة اليمنية ....

و مع انه يكفي أن يخرج 1% فقط من الشعب اليمني، لتكون هذه الثورة شرعية، ومطالبها عادلة، إلا أن هذا الخروج الكبير يعني أن هناك إجماع على أهمية بناء دولة حديثة فالخروج ليس فقط من اجل شرعية الثورة، بل هو مساهمه في تأسيس الدولة المدنية.

فان خرج 1000 شخص فقط يطالبون برحيل "علي عبد الله صالح" و خرج مليون شخص معه، فان الحق يكون مع من خرج متضررا، و مطالبا بالتغيير ، هذا هو قانون الثورات. لكن الملايين التي تخرج تؤسس لثقافة جديدة في ساحات الحرية، سيستند عليها اليمن غدا، لذا خروجهم مهم لبناء الدولة المنتظرة.

إن الثورة اليمنية ، أو الثورة العربية بنسختها اليمنية، لا تسجل أعلى رقم مشاركة فقط في مجتمع يشكوا الأمية و الفقر، بل هي تحقق هذه المشاركة العالية مع استمرار سلميتها، وهي تفرق عن غيرها من الثورات، و إن كان اليمنيين الذين خرجوا اليوم يشبهون الفرنسيين بالأمس، حين خرج جياع و فقراء باريس، و يتقاسمون ذات الغضب مع الجماهير الروسية الجائعة في ثورتهم البلشفية، الثورة الشعبية التي غيرت مجرى التاريخ ، إلا أن اليمنيين برغم أنهم أفقر من أشقائهم العرب، واقل تعليما، إلا أن ثورتهم التي قادها شباب الجامعة، حققت مكسبا تاريخيا، يمكن على أساسه توقع قيام دولة يمنية مدنية قوية، لأنها تحافظ على سلميتها و لا تستند على العنف، و لا تروج للانتقام.

فحين تسترجع الثورة اليمنية تاريخ الثورات في العالم، فإنها تستحق أن تضع لنفسها مكانا مميزا بينهم، و مع صورة الفرنسيين الذين كانوا يهتفون خارج القصر ، بثيابهم الرثة و صورهم المتعبة، يحملون فؤوسهم و يريدون اقتحام القصر، لقتل ماري أنطوانيت، تأتي صورة اليمنيين في ساحات الثورة ، يطالبون بمحاكمة عادلة لمن قتلوهم، و يتفوق علي عبد الله صالح على ماري أنطوانيت بعدم فهمه للحقيقة خارج قصره .

إن الفرنسيين الذين زحفوا للقصر، و وضعوا رقاب من حكموهم تحت المقصلة، لا يشبهون في غضبهم هذا اليمنيين اليوم، برغم تشابه حالة البؤس و الفقر.

فاليمن يريد تطبيق القانون، ومن اجل ذلك، مستعد للبقاء وقت أطول في ساحات الثورة ، ليؤسس اليمنيون لدولة قانونية حتى في القصاص من قتلتهم.

فلم يهاجموا أو يعتدوا ، و بهذا تصنع الثورة مفاجأة أخرى و تضرب رقما جديدا في ثورات الشعوب .. لتطول كما لم يعتاد احد و تطول بسلمية كل هذه الأسابيع و الشهور، و مستعدة للبقاء فترة أطول دون ملل أو فقدان للسيطرة.....