اليمن.. تحدّيات تنفيذ اتفاق الرياض
بقلم/ بشرى المقطري
نشر منذ: 4 سنوات و 10 أشهر و يومين
الأحد 12 يناير-كانون الثاني 2020 11:26 ص
 


تتحدّد فرص نجاح الاتفاق السياسي بقدرته على إيجاد أرضية مشتركة، يلتقي عندها الفرقاء لتثبيت صيغ التفاهم السياسي، إلا أن صيغة التفاهم الذي أقرّه اتفاق الرياض بين السلطة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي احتكم إلى شروط الإكراه السياسي، ومصالح القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن في إدارة أزمة السلطة في جنوب اليمن، بحيث افتقر إلى أسس التقاء المصالح بين فرقاء الصراع في الجنوب، إذ أوّله الطرفان بأنه إما وسيلة أولية لاحتواء طرفٍ على حساب الآخر، أو خطوة في تشكيل دولة مصغّرة داخل الدولة اليمنية المقوّضة، إذ يبدو أن فشل فرقاء الصراع في جنوب اليمن في إعادة صياغة السلطة بموجب اتفاق الرياض شكّل دافعاً لتصاعد وتيرة الصراع، وهو ما أدّى أخيراً إلى إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، والطرف الثاني في اتفاق الرياض، تعليق أعماله في اللجان الثنائية المشتركة لتنفيذ اتفاق الرياض، بعد تصاعد حدّة التوترات العسكرية والقبلية بين الطرفين في مدينة شبوة، بما في ذلك تبادل الاتهامات حيال الطرف الذي يقف خلف موجة الاغتيالات التي شهدتها مدن جنوبية. 

على مدى شهرين منذ توقيعه، اصطدم اتفاق الرياض بعراقيل عديدة، جعلت تنفيذه مستبعداً، إذ إن تحديد فترة قصيرة للتنفيذ من دون تفكيك جذر المشكلة السياسية بين الطرفين شكل عائقاً رئيساً في تنفيذه، كذلك إن عدم وجود آلية محدّدة وواضحة لاتفاق الرياض جعله رهناً لتعنت الطرفين، وبالتالي تنصّلهما من التنفيذ، فيما شكّل غياب ضماناتٍ سياسيةٍ تلزمهما بالتنفيذ معوّقاً إضافياً، إذ "أياً كانت القوى التي ستفرض إرادتها على الأخرى، فإن المنتصر، في جميع الأحوال، هي القوى المتدخلة في اليمن"جرت صياغة الاتفاق بموجب التفاهم السعودي - الإماراتي في إدارة اليمن الذي يشكل الضمانة الوحيدة للتنفيذ، إلا أن مصداقيتهما في دفع وكلائهما المحليين إلى تنفيذ الاتفاق مشكوك فيها، وذلك لدورهما في تفجير أزمة السلطة بين المجلس الانتقالي والسلطة الشرعية، وبالتالي يفتقر اتفاق الرياض إلى جهة سياسية رقابية محايدة، تشرف على تنفيذه، فضلاً عن إدراك طرفيه، المجلس الانتقالي والسلطة الشرعية، أن تنفيذه لا يصبّ في مصلحتهما، لذلك وظّفا أذرعهما العسكرية والإعلامية بغرض عرقلته، فيما انخرطت قوى سياسية محلية في تأجيج الصراع بين الطرفين، لفرض نفسها على استحقاقات المرحلة المقبلة في اليمن. 
وفقاً لبنود اتفاق الرياض، تعتبر السلطة الشرعية الطرف السياسي المنوط به تسهيل تنفيذ الاتفاق، ممثلاً بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، باعتباره رأس السلطة الشرعية. فعلى الرغم من أن تنفيذ اتفاق الرياض يهدف في المحصلة إلى تقييد سلطة الرئيس هادي، فإن افتقاره إلى سلطة فعلية على الأرض يجعله عاجزاً عن التحايل على تنفيذ الاتفاق، بما في ذلك إجبار القوى السياسية الموالية له على الرضوخ لتفاهم الرياض، ولاعتباراتٍ سياسيةٍ وعسكرية، يعد حزب التجمع اليمني للإصلاح، حجر الزاوية في عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض، وذلك لاعتقاد معظم قياداته السياسية أنه اتفاق يهدف إلى استبعاده من السلطة مستقبلاً. ففيما استبق حزب الإصلاح أي إجراءاتٍ فعليةٍ تؤدي إلى تنفيذ اتفاق الرياض، من خلال تكريس سلطته في المناطق المحرّرة، واستحداث معسكرات جديدة في مدينة تعز، فإن جنوب اليمن، كما يبدو، ظل بالنسبة إلى حزب الإصلاح ضلع المعادلة السياسية التي قد تحقق له نفوذاً أكبر في "ترويكا" السلطة المستقبلية، ولسيطرته على القرارين، السياسي والعسكري، في منظومة السلطة الشرعية، وتحديداً سلطة نائب رئيس الجمهورية، الفريق الركن علي محسن الأحمر، الجناح العسكري التابع له، فإن حزب الإصلاح اتخذ خطواتٍ أكثر راديكاليةً في تفخيخ اتفاق الرياض، حيث نجح في تصعيد الصراع في مدينة شبوة، بؤرة الانقسام السياسي في جنوب اليمن، إذ تجدّد العنف القبلي في المدينة أخيراً بين قبائل "لقموش" الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي والجيش الذي يديره حزب الإصلاح تحت مظلة السلطة الشرعية، وهو مؤشّرٌ خطيرٌ ينبئ باحتمال توسع رقعة العنف إلى مدنٍ جنوبيةٍ أخرى. 
لم يكن تعليق المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، أعماله في اللجان الثنائية المُشَكلة لتنفيذ اتفاق الرياض سوى إجراء سياسي متوقع في ضوء الصراعات الداخلية في المجلس، وإن تذرّعت قياداته لتعليق مشاركتها في لجان الرياض بأحداث العنف القبلي في مدينة شبوة، إذ يبدو أن الاتفاق صعّد مشكلات تنظيمية وسياسية في المجلس الانتقالي، وتجلى ذلك في كيفية اتخاذ القرار السياسي، بما في ذلك تنفيذ الاستحقاقات السياسية المُلزمة للمجلس كتنفيذ اتفاق الرياض، إذ إن افتقار هيئة المجلس الانتقالي الحالية إلى التنظيم المؤسّسي الذي ينظم عملية صنع القرار، جعل قيادات سياسية لا تملك تجربة سياسية تحتكر إدارة المجلس وتوجيهه، بحيث غلب على أدائه  "افتقار الرءيس هادي إلى سلطة فعلية على الأرض يجعله عاجزاً عن التحايل على تنفيذ الاتفاق"البعدان، العشائري والمناطقي، وهو ما فاقم من حدّة الانقسام داخل المجلس، حيث استقال بعض الأعضاء احتجاجاً على استبعادهم من صنع القرار السياسي، فيما أدّى انتقال المجلس الانتقالي من معارضة السلطة الشرعية التي تقتضي تحريك الشارع إلى العمل السياسي، في إطار سلطة مستقبلية مع الشرعية اليمنية، بموجب اتفاق الرياض إلى مفاقمة الصراع داخل المجلس، حيث طغت عليه ثلاثة اتجاهات متنافسة، وجهت المجلس بمقتضى تطورات الشارع الجنوبي: اتجاه أول يرى أن الانخراط في السلطة القادمة قد يؤدّي إلى تذويب المجلس وجعله ملحقاً. واتجاه ثانٍ يعتقد أن اتفاق الرياض خطوة أولى لاستعادة الدولة الجنوبية، فيما لم يمانع الاتجاه الثالث الشراكة السياسية من خلال الانضواء في سلطة تشكّلها الشرعية اليمنية. إلا أن الأخطر هو تصاعد الخلاف في المجلس حول دمج الأحزمة الأمنية والعسكرية التابعة للمجلس الانتقالي التي أقرّها اتفاق الرياض، حيث تعتقد غالبية قيادات الانتقالي أن الأحزمة الأمنية والعسكرية ورقة سياسية مهمة، لضمان بقائه في الساحة الجنوبية، وأن دمجها في القوات العسكرية التابعة للسلطة الشرعية يمثل خطورةً كبيرة على مستقبله السياسي. وبالتالي، سعى المجلس الانتقالي الجنوبي، المتخبط سياسياً والمنقسم على نفسه، تماماً كالأحزاب المنضوية في السلطة الشرعية، إلى عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض، للهرب من الأزمات الداخلية التي تعصف بوحدته، وكذلك إثبات قوته في الشارع الجنوبي، وذلك بتحريك بعض الألوية العسكرية لمجابهة الألوية التابعة للشرعية، أو القيام بأعمال لصوصية، كاستيلائه أخيراً بقوة السلاح على أموال الحكومة اليمنية. 
ربما من المبكّر التكهن بمآلات اتفاق الرياض، وإلى أي مدىً قد يذهب فرقاء الصراع في جنوب اليمن في تكسير عظام بعضهم، بما في ذلك القوى السياسية التي تعتقد أن تنفيذ الاتفاق يستهدف بقاءها في السلطة، وأياً كانت القوى التي ستفرض إرادتها على الأخرى، فإن المنتصر، في جميع الأحوال، هي القوى المتدخلة في اليمن.