الشهيدة فيروز...
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين و 3 أيام
الجمعة 26 أكتوبر-تشرين الأول 2012 04:30 م
أظهرت قوات الأمن في محافظة عدن بطولة نادرة عندما اغتالت الشهيدة فيروز من بين أطفالها ووزعت أشلاء جسدها على أنحاء المنزل ونشرت الرعب بين الأهالي وأفراد الأسرة وألحقتها بأن اعتقلت زوجها الأخ أحمد صالح الدهشلي، وآخرين من أفراد الأسرة عقابا على قرابتهم لفيروز.

كل ما في الأمر أن قوات الأمن كانت متعطشة لرائحة الدم فهي منذ أيام لم تقتل أحد في حرمان ظالم لها من ممارسة هوايتها المفضلة، في قتل الأبرياء وسحق كرامتهم، لا لذنب ارتكبوه ولكن لأن مهمتها هي القتل وإذا لم تجد من تقتل فالخيار على من دفعه حظه التعيس ليكون أول من تقابله قوات الأمن البطلة.

كعادة أصحابنا لن يصعب عليهم بعد ذلك البحث عن سبب في تبرير الجريمة الشنعاء التي اهتزت لها محافظة عدن، وكافة أنحاء البلد فقد بررت ذلك بأنها كانت تبحث عن جماعة إرهابية، في المنطقة التي تقيم فيها الشهيدة وأفراد أسرتها، وأن الحادثة تمت عن طريق الخطأ.

ما جرى للشهيدة فيروز وأسرتها ليس حادثا مروريا سببه خلل فني في مركبة، أو خطأ طبيا سببه عدم تعقيم الأدوات الطبية أو سوء تقدير كمية الجرعة الدوائية بل عملية قتل قيل أنها كانت تستهدف جماعة إرهابية، ولما لم يجدها الأشاوس اعتقدوا أن فيروز هي الجماعة، وراحوا يمارسون لعبة القتل الممتع بالنسبة لهم، بعد أن تيقنوا أن لا سلطة تحاسبهم ولا قانونا يردعهم ولا وزيرا أو محافظا أو قائدا أمنيا ينتابه الخجل فيتصرف معهم بمسئولية أخلاقية، إن لم تكن قانونية على سلوكهم الإجرامي.

في كل البلدان المحترمة ، وحتى غير المحترمة، قبل الشروع في أي ملاحقة يتم جمع المعلومات عن الفرد أو الجماعة المستهدفة: أسمائهم وجنسهم، ومكان إقامتهم ولون بشرة كل منهم، وأعمارهم، وهواياتهم المفضلة وبيانات دقيقة أخرى مثل مؤهلاتهم، ملفاتهم الجنائية السابقة وغيرها،. . وغيرها من القضايا التي يتوقعها كل من يفهم في أبجديات الحياة الأمنية، وفي البلدان المحترمة وحتى غير المحترمة، لا يتم التعامل بالسلاح إلا مع من يواجه الأجهزة التي ذهبت للقبض عليه بالسلاح وتكون مواجهته درءا لخطر أكبر من المواجهة وما يترتب عليها ونادرا ما يكون القتل هو النتيجة الضرورية لمثل هكذا تعامل، بل يتم تجنب الضرب المؤدي إلى القتل، إلا في حالة واحدة وهي أن يكون المطلوب مجرما ويشكل خطرا على من يلاحقونه، كأن يكون مسلحا بأسلحة فتاكة لا مناص من قتل حاملها.

لكن أشاوس الأمن في بلدنا يقتلون لمجرد الاشتباه، بل ويقتلون لمجرد ممارسة هواية القتل، وبعد ذلك يبحثون عن مبرر للقتل، هذا هو الأمن الذي ينشرونه بين الناس، وهو تماما ما جرى مع الشهيدة فيروز وزوجها أحمد الدهشلي الذي اعتقل وبعض أقاربه بعد الحادثة ثم أفرج عنهم دونما أي تبرير لأسباب الاعتقال والإفراج.

ما جرى للشهيدة فيروز جريمة يخجل محترفو الإجرام من ارتكابها وتعجز عصابات المافيا ومهربو الممنوعات عن الإقدام عليها، وهو نتيجة طبيعية للتساهل الذي بدأ في ممارسة القتل مع نشطاء الحراك وكل من يعارض سلطة سبعة يوليو منذ العام 1994م وإن تميز هذه المرة بأن الضحية امرأة لا دخل لها بالسياسة ولا بالوحدة أو الانفصال، وهو ( أي ما جرى للشهيدة) يعكس حالة الاستهتار بأرواح ودماء الناس وكرامتهم وآدميتهم وأمنهم وسكينتهم . . .ما جرى للشهيدة فيروز لا يمكن اعتباره مجرد جريمة قتل أخطأ مرتكبها هدفه لأنه لو كان الأمر كذلك لما تبعه اعتقال زوجها وأقاربها، إنه جريمة مركبة يستحق مرتكبوها ليس فقط الإعدام قصاصا، بل وقبل هذا وبعده استدعاء وزير الداخلية وقائد الأمن المركزي ومحافظ محافظة عدن ومدير أمنها، لمساءلتهم على التمادي في قتل الأبرياء والاستمتاع في قتل النساء والأطفال والعزل من السلاح دونما أدنى ذرة من الخجل أو الشعور بالعار.

لا أدري لماذا يتمسك عبد القادر قحطان بمنصبه وهو المسئول الأول عن كل تلك الجرائم، أما إذا قال أن الأمن المركزي لبيس من صلاحياته فما عليه إلا أن يستقيل احتجاجا لعدم خضوع هذا الجهاز ومثيلاته لوزارة الداخلية بل واعتذارا للمواطنين الذين تزهق أرواحهم بشكل شبه يومي على أيدي الأجهزة الأمنية المفترض أنها تابعة لوزارته.

لن يمر الكثير من الوقت حتى يجد المواطنون طريقة أخرى للتعامل فيها مع المجرمين الذين يقتلون الناس مستخدمين سلاح الدولة وسلطة الدولة ومركبات الدولة ومباني ومنشآت وقوانين الدولة، ويحتمون بالدولة التي لم يعد لها علاقة بالشعب إلا في السيطرة على ثروته وأملاكه وتدمير مستقبله، وسيكون من العار على الحكومة أن تلوم المواطنين الذين فقدوا الثقة فيها إذا ما لجأوا إلى وسائلهم الخاصة للثأر لكرامتهم المهدرة بعد أن عجزت السلطة ، بل بعد أن تمادت في إهدار هذه الكرامة.

أصدق العزاء للأخ أحمد صالح الدهشلي وكل ذوي الشهيدة ولا نامت أعين الجبناء الذين يتقزمون أمام قوى الإرهاب والإجرام ويتطاولون أمام النساء والأطفال والعزل من السلاح.

برقيات

*  ذكرتني حادثة التفجير أمام أحد معسكرات الفرقة الأولى مدرع في العاصمة صنعا، بأحداث مشابهة لها في عدن جرت في مخازن الأسلحة في جبل حديد وصلاح الدين في العام 1997م، ودار الحديث بعدها عن تهريب أسلحة ومتفجرات بيعت بعشرات المليارات، ذهبت لجيوب اللصوص وحسبت على المواد التالفة.

*  من أطرف ما قيل بعيد التفجيرات الفرقة بأن الخسائر البشرية كانت صفرا ( ما عدا قتيل واحد وجريح واحد لا أدري كيف قتل الأول وكيف جرح الثاني، كما قال د عبد الله الحاضري)، . . لست أدري ما هو هذا الصفر الذي قيمته أكبر من حياة إنسان.

*  من أطرف التعليقات التي قرأتها على أحد موضوعاتي المنشورة مؤخرا عن الحراك الجنوبي وثقافة الاختلاف، تعليق لأحدهم يناشدني بترك (حزب الشيطان) والعودة إلى الدين الحنيف والالتحاق بـ(الرئيس) علي سالم البيض، . .ليس لي موقفا سلبيا من علي سالم البيض الأمين العام الأسبق للحزب الاشتراكي اليمني، ولن أعلق على موضوع العودة إلى الدين الحنيف، لكنني لأول مرة أعرف أن هذه العودة تأتي عبر الالتحاق بالأخ البيض دون سواه.

*  قال الشاعر العباسي أبو الطيب المتنبي:

كُلّمَا أنْبــــــــــَتَ الزّمَانُ قَنَاةً         رَكّبَ المَرْءُ في القَـــنَاةِ سِنَانَا
وَمُرَادُ النّفُوسِ أصْغَرُ من أنْ        تَتَعَادَى فيهِ وَأنْ تَتَــــــــــفَانَى
غَيرَ أنّ الفـــَتى يُلاقي المَنَايَا        كالِحَاتٍ وَلا يُـــــلاقي الهَوَانَا
وَلَوَ أنّ الحَــــــيَاةَ تَبْقَى لِحَيٍّ         لَعَدَدْنَا أضَلّنَا الشّـــــــــجْعَانَا
وَإذا لم يَكُنْ مِنَ الــــمَوْتِ بُدٌّ        فَمِنَ العَجْزِ أنْ تكُونَ جَـــبَانَا