آخر الاخبار

صحفيات بلا قيود: حرية الصحافة في اليمن تواجه تهديدا كبيرا.. وتوثق عن 75 انتهاكا ضد الصحفيين خلال 2024. مركز الإنذار المبكر يحذر المواطنين في تسع محافظات يمنية من الساعات القادمة بشكل عاجل أردوغان يكشف عن أرقام اقتصادية تذهل العالم بخصوص الصادرات التركية خلال 2024 لماذا اصدرت وزارة الداخلية اليمنية قرارا بمنع تشغيل المهاجرين الأفارقة في عدن؟ وزير الخارجية الأمريكى: فوجئنا بسرعة سقوط نظام الأسد وإيران في وضع لا يسمح لها بالشجار .. عاجل وزير الخارجية الألماني والفرنسي في غرف التعذيب بزنازين صيدنايا سيئ السمعة بسوريا وزيرة خارجية ألمانيا بعد لقائها أحمد الشرع: حان وقت مغادرة القواعد الروسية من سوريا وزير الخارجية الفرنسي من دمشق يدلي بتصريحات تغيظ إيران وحلفاء امريكا من الأكراد بعد تهرب الجميع.. اللواء سلطان العرادة ينقذ كهرباء عدن ويضخ الى شريينها كميات من النفط لتشغيلها هكذا سيتم إسقاط الحوثيين عسكريا في اليمن .. تقرير أمريكي يكشف عن ثلاث تطورات ستنهي سيطرتهم نهائيا ...كلها باتت جاهزة .. عاجل

الترجمة المُرابِطة
بقلم/ عزالدين عناية
نشر منذ: 3 سنوات و 11 شهراً و 14 يوماً
الثلاثاء 19 يناير-كانون الثاني 2021 06:23 م
 

تُشكّلُ الترجمة في السياق العربي الراهن دعامة نهضوية لا غنى عنها. يتوسّل الفكر من خلالها رفد النشاط الثقافي بخطاب حافز للذات وشاحذ للعقل. ومن هذا المنظور يقتضي المقام أن تكون الترجمة فعلا ثقافيا واعيا وهادفا. فليس ثمة ترجمة لغرض الترجمة، خالية من دواعيها ومقاصدها، إذ لكلّ واقع ثقافي استراتيجية خاصة به في الترجمة، واستراتيجية الترجمة المرابِطة في الواقع العربي تتلخّص في نشدان التواصل مع الفكر العالمي بُغية تكثيف سُبُل إثراء الذات وربطها بحراك الفكر العالمي، من هنا كان المقصد التنويري مضمَرا ومعلَنا في مشروع الترجمة. ولعلّ بحث الثقافة العربية عن الانعتاق من قيد التقليد، والتطلع لتخطي الانحصار الذي أُسِر فيه العقل، يملي عليها بناء تواصل رصين مع الفكر العالمي، العقلاني والتحرري، حتى يكون فعل الترجمة فعلا إضافيا.

صحيح أن ثمة مجالات في الثقافة العالمية يجد فيها المثقف العربي نفسه مدعوا للتواصل معها عبر لغة ثانية، أو عبر الترجمة. وعلى سبيل المثال يبدو ما يتوفر من أدوات معرفية للإحاطة بالواقع السوسيو-ديني العربي المتفجر وفهمه لا يفي بالحاجة، في ظل ندرة كتب علم الاجتماع الديني وسوسيولوجيا الأديان والأنثروبولوجيا الدينية وعلم النفس الديني وفلسفة الدين. لذلك يكثر التخبط في معالجة الظواهر التي يعيشها العرب اليوم، ولا يسعف المرء في ذلك سوى خطاب متشنّج في واقع مستنفر. لكن هذه الحاجة الماسة ينبغي أن تكون حافزا لما نطلق عليه توطين الترجمة، إذ يصعب إن لم نقل يتعذّر أن تَبْني ثقافة ما تواصلا مع الفكر العالمي من خارج لغتها، ولذلك يبقى توطين إبداعات الفكر العالمي عبر الترجمة عاملا حاسما في التواصل مع ذلك الفكر. ففي بلاد المغرب الكبير ملايين يتكلمون الفرنسية، لكن المفكر محمد أركون العائد عبر لغة الغنيمة، كما سماها كاتب ياسين، لم يقع انتقاده واحتضانه، أو لنقل مناقشته، سوى بعد ترجمته من الفرنسية إلى العربية. وبوجه عام ثمة كتب قيّمة تمور بها الساحة الثقافية العالمية، لن نكتسبها ما لم نعرّبها، ولا يكفي أن نقرأها في لغتها الأصلية إن كنا نروم صناعة تواصل حقيقي مع الإبداعات العالمية.

في خضم هذا المسعى، لا ينبغي الرهان في الترجمة على النص الإيديولوجي، بل التركيز على النص الرصين والمتين والأصيل، لأن النص الإيديولوجي مضلّل وخادع، ومحكوم استهلاكه بظرفية عابرة، وبقدْر ما يغوي الذات يضلّها. وعلى سبيل المثال، من مفارقات القراءة العربية الحديثة لنصّ التلمود أن كان اعتمادها على مؤلَّف لكاتب جرماني المسمى روهلنج، تعود أولى طبعاته إلى العام 1899، وقد عرّب الكتاب يوسف نصر الله، أحد النصارى الشوام، في منتصف القرن الماضي، وجاء بعنوان: "الكنز المرصود في قواعد التلمود". أتى تأليف الكتاب في حّمى موجة اللاّسامية في أوروبا، التي كان انعكاسها واضحا على بنية المؤلَّف ومضامينه. وشيوع هذا الكتاب في الأوساط العربية، جاء بموجب تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي، ما جعل جلّ الكتابات العربية المتحدثّة عن التلمود تعتمد عليه اعتمادا رئيسا. كان الكتاب المذكور مدعاة للضرر بالاستهواد العربي، أي بالدراسة العلمية لليهودية، وقلّة من الدارسين العرب من تفطّنوا إلى أن التلمود هو أرحب مما اختزله فيه صاحب الكنز المرصود. انتظرنا طويلا حتى جاءت ترجمة التلمود من أصوله الآرامية وبأسفاره العشرين (2012)، وذلك بالتعاون بين كوكبة من المترجمين أشرف عليهم الدكتور عامر الحافي، وتولى مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان نشره.

ولكن فعلَ الترجمة يغدو بحقّ تنويريا مرابِطا حين يعضد ذلك المسعى "نقد الترجمة". ليس النقد المكتفي بمراجعة لغة الترجمات وأساليبها ومناهجها، بل النقد الذي يتوجه إلى مضامين تلك النصوص، وما يمكن أن تسهم به من ترشيد وتنوير وتطوير للذات. صحيح أن الترجمة في الثقافة العربية المعاصرة قد بدأت تشهد بعض التطور والنضج، منذ إنشاء جملة من المؤسسات المتخصصة في الشأن في مصر ولبنان والإمارات العربية، ولكن هذا التحول الواعد ما زالت تعوزه حركة نقد للترجمة، تتابع تلك الإنجازات القيمة، ليس في حدود عرض تلك الأعمال والتعريف بها، بل في إعادة قراءتها وتبين إلى أي حدّ تشكّل تلك الإنجازات مادة إضافية تنويرية في الثقافة العربية، لعل تلك النقطة الجوهرية هي مرحلة متطورة على درب التوطين المنشود للترجمة.

 
مشاهدة المزيد