توكل كرمان... لدي حلم لا يدركه أحد
بقلم/ محمدالشلفي
نشر منذ: 13 سنة و شهر
الأحد 16 أكتوبر-تشرين الأول 2011 08:44 م

بوجه مجهد، وصوت متهدج قالت الناشطة اليمنية توكل كرمان- 33عاما -فور معرفتها بفوزها المفاجئ بجائزة نوبل للسلام "أمامنا الآن مهمة إسقاط بقايا نظام المخلوع " وتعني بذلك الرئيس صالح، لقد عززت الجائزة من ثورية "توكل" ومن فرصة تأكيدها الدائم بأن نظام صالح سقط رغم أن الساحات لم ترفع بعد، وأدخلت هذه المرأة النظام في مأزق جديد يعزز من فكرة التغيير الذي خرج اليمنيون من أجلها.

تملك الصحفية والناشطة الحقوقية توكل شخصية قيادية قد لا تُرضى كثير ممن يعلمون في مجالها، ولا يؤمن بعضهم بإخلاصها للقضايا التي تدافع عنها، فهم يعتبرون أن ما تفعله يعني البحث عن الشهرة: لا أكثر.

تبنت توكل قضية مهمة لـ "مهجري الجعاشن" الذين هجِّروا من قبل شاعر الرئيس "شيخ" منطقة الجعاشن الواقعة في مدينة إب أحمد محمد منصور، ورغم إن توكل لم تكن الوحيدة مع منظمتها "صحفيات بلا قيود" التي تبنت هذه القضية إلا إن القضية مرت بمرحلة مهمة مع تبنيها للقضية.

عملت توكل على نقل قضيتهم من مجرد خيام يسكنها المهجرون رجالا ونساء أمام جامعة صنعاء لمدة عام إلى قضية متحركة فقد اصطحبتهم معها إلى أمام مجلس الوزراء في وقفتها الاحتجاجية التي اعتادت أن تنفذها كل ثلاثاء أمام مجلس الوزراء لقضايا حقوقية كرست للدفاع عن حرية وسائل الإعلام.

كما خرجت توكل كرمان لأول مرة ربما في تاريخ العمل الاحتجاجي في اليمن منذ خلال أسبوع كامل لتجوب شوارع صنعاء مع مهجري الجعاشن، في وقت أصبح الجميع يحاول التخلص منهم.

كانت توكل تقف مع مهجري الجعاشن في وقت اقتنع الجميع بما فيهم المنظمات الحقوقية التي دافعت عنهم منذ البداية أن الأمر مسيًس لصالح المعارضة. وتتعامل المعارضة بحذر وانشغال بقضايا الحوار مع السلطة، فيما تتجاهل السلطة حل مشكلة تهجير عشرات من النساء والرجال من منازلهم، وبقائهم في الخيام لأكثر من سنة وإصرار شاعر الرئيس أحمد محمد منصور على تسليط رجاله عليهم داخل خيامهم.

أثبتت جائزة نوبل خطأ الكثير من خصوم الفائزة بها توكل كرمان، لهذا لم يتقبل البعض خبر منحها الجائزة بسرور بل بصدمة هذا التجاوز العظيم، فيما منحت توكل الجميع نصرا محققا لا يقبل تشكيكا من أحد.

أسست توكل منظمة صحفيات بلا قيود في عام 2005، التي يبدو من اسمها أنها تهتم بالصحافة، لكن توكل التي كتبت مجموعة من المقالات ضد نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في الصحف المستقلة والمعارضة، كانت عصية على التصنيف فعينها التي كانت على الصحافة هي ذاتها التي قادتها إلى ممارسة السياسية عبر وقفاتها الاحتجاجية وعملها الحقوقي المدني. لكن الأكثر تحديدا في شخصية توكل كرمان هو إنها ذات شخصية "قيادية" قادرة على حشد الجماهير والتحرك بينهم والوصول إليهم بسهولة.

كانت توكل فاعلة مهمة في انتخابات الرئاسة 2006 وجابت توكل كرمان المحافظات، بما فيها الجنوبية التي كانت تغتلي بسبب سياسات نظام علي صالح، ثم بدأت بالنضال السلمي بما عرف فيما بعد في 2007 بالحراك الجنوبي، وكانت توكل تلقي خطبا حماسية في مهرجانات المعارضة، مشيرة بصراحة ومباشرة للرئيس صالح وفساد نظامه.

من الصعب لخصوم الحائزة على جائزة نوبل إنكار شجاعتها "النادرة" والتي تتميز بقدرتها على الاستمرار فيمكن باطلاع بسيط على حياتها الشابة وصفها "بالمرأة التي لا تنام" وبالنسبة لاتهامات خصومها بأنها تبحث عن الشهرة فتبقى مجرد تهم غير دقيقة وتفتقر لدليل.

وبالنسبة لمجتمع مدني ناشئ في اليمن ونخبة تعمل بشكل يبدو موسميا، سيكون نشاط "توكل كرمان" المتواصل وغير المستسلم مرهقا لإنجازات ضئيلة.

منذ بداية ثورة التغيير في اليمن وتوكل كرمان القيادية الشابة في الثورة تقيم في خيمة داخل الساحة، وبإمكان إقامتها في ساحة التغيير مع الثوار أن يدافع عنها أمام من يشكك في سلامة نوياها ضد الثورة.. لقد تسببت توكل كرمان في فترة سابقة بإقلاق أمن صنعاء حين نقلت "مهجري الجعاشن" من البقاء في الخيام إلى مسيرات تجوب صنعاء، وهذا ما فعلته تماما في الثورة.

كان يوم الأربعاء مايو2011 أحد أيام ثورة التغيير، ذروة سخط الأحزاب عليها بما فيهم حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تنتمي إليه فتوكل "تشق الصف الثوري" وتتجه بعيدا عن أي توافق لتقود مسيرة باتجاه رئاسة الوزراء شرق ساحة التغيير بصنعاء ، وقد اعتدى الأمن عليها بعنف ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، وكانت وسائل إعلام معارضة وصفحاتهم على الفيس بوك ووسائل إعلام رسمية تتفق لمرة خلال الثورة وهي تتحدث عن توكل "التي تقتل أولادنا".

تبدو توكل لحزب التجمع اليمني للإصلاح بثوريتها مثل الزئبق الذي لا يستطيع أن يسيطر عليه بسهولة، لكن ما تفعله بالإمكان الاستفادة منه، ولم يتعود الإصلاح أن يفصل أحدا من الحزب مهما حدث.

كما إن توكل ليست حاسمة في هذا الأمر، فالمرأة المثيرة للجدل حتى داخل حزبها، مازالت عضو مجلس الشورى للتجمع اليمني للإصلاح، وعلى علاقة دائمة مع قيادات حزبها.

ففي بداية 2011 تم اختطافها من قبل قوات أمنية الساعة الواحدة صباحا مع زوجها وهي عائدة من منزل القيادي في حزب الإصلاح المعارض عبد الوهاب الآنسي، وتم احتجازها في النيابة العامة ثم تم إطلاق سراحها فيما بعد. فما زالت توكل تقض مضجع نظام الرئيس علي عبد الله صالح. فقد وصل صالح إلى طريق مسدود مع الناشطة التي لا تهدأ من ممارسة نشاطها الحقوقي والصحفي بعد رسائل غير مباشرة.

بدت توكل مذهولة إلى حد ما داخل السجن كما نقلته كاميرا لموبايل أحد الحقوقين الذين زاروها صباحا، مع مجموعة من أعضاء مجلس النواب من بينهم علي المعمري النائب في حزب المؤتمر الشعبي العام، وقالت توكل إنهم أخذوها بطريقة غير قانونية كما إنهم لم يوجهوا إليها أية تهمة. 

ولم تكن الخطوة التي اتخذها النظام كافية لإ سكات صوت "توكل" بعدها ظهرت في حوار لقناة سهيل التابعة للمعارض حميد الأحمر بذات مستوى الخطاب الذي يعني أن توكل لم تسكت أو لن تسكت.

إثر سقوط نظام حسني مبارك في مصر، كانت توكل تقود مظاهرة صغيرة من عشرات الشباب والناشطين هتفت توكل فيها "الشعب يريد الزحف نحو القصر" ، وقد تم اعتراض المسيرة واستهداف المشاركين فيها بالضرب بالعصي الخشبية والكهربائية ويومها أصيب مجموعة من المتظاهرين من بينهم الناشطة الحقوقية سامية الأغبري بعد محاولة لخطفها فيما تفرق الجميع وتوكل معهم.

لقد تطور الأمر بعد ذلك فتوكل التي لا تعرف الهدوء، كانت ترفض المفاوضات التي تقودها الأحزاب مع نظام هي تؤمن تماما أنه سقط "فسقوط هيبته" كان هدفا أوليا للمظاهرات التي كانت تخرج فيها توكل وهي تهتف" ياجيش اليمن المغوار لا تحمي أفراد الأسرة واحم الثورة والثوار". وهدف كهذا ضمان للسقوط التالي.

 لم يستطع أحد وقتها من السياسين أو أؤلئك الذين يترصدون أخطاءها، أن يدرك أن توكل التي تكره الجمود والاستسلام ستكرر مشهد الجعاشن مرة أخرى، وستكسر صمت الساحات لتطلب مرة من على المنصة الزحف إلى القصر ، أو تصعد إلى المنصة لتهتف لا حزبية ولا أحزاب. ورغم المعارضة الشديدة والتي وصلت إلى حد طردها من المنصة في الساحة.

إلا أن ذلك لم يكن يعني أنها ستذهب بعيدا وتنكفئ على نفسها كما حدث لكثيرين، لم تنس توكل هدفها الرئيسي الذي جمعها بشباب الثورة وبشعبها "الشعب يريد إسقاط النظام".

في الشهور الأولى للثورة كانت توكل كرمان تتصدر المسيرات التي تتحرك من ساحة التغيير إلى شوارع في صنعاء بمئات الآلاف وكان صالح يواجهها بالقتل، وكانت توكل تنجو بأعجوبة لأكثر من مرة. لكن هذه المسيرات كانت قريبة إلى شخصيتها الديناميكية التي تؤمن بأن الحقوق يذهب إليها "تنتزع" لا تنتظر. كما إنها زارت مدينة تعز وتبنت تأسيس المجلس الانتقالي للمدينة، كما زارت حضرموت وعادت دون نتيجة.

هذه ليست سياسية ويفضل آخرين النظر إليها كامرأة "مجنونة" ، أو مليئة بالعاطفة التي لا تعرف الرزانة، لكنها فتاة حلمت بالثورة، بل وثقت بانتصارها قبل أن تبدأ.

 فعلى عكس الأحزاب، خالفت توكل نظرة السياسين من مخاوفهم من ثورة لا تحمد عقباها. في بلد معقد كاليمن يحكمه نظام على رأسه شخص يجيد المناورة والمراوغة. إلا أنها في تصريح لها قبل الثورة كانت واثقة فاليمنيون الذين يمتلكون أسلحة تفوق تعداد سكانهم، قادرون على الثورة ، والقبيلة التي يحتمي بها صالح هي التي ستحمي الثورة، وتحتمي بها.

 لقد حرصت توكل في هتافاتها المستمرة وهي تتقدم الجماهير ومن بينهم أبناء القبائل الذين انضموا للثورة في الساحة أو حين تتحدث من على منصة ساحة التغيير أن تهتف بصوت عال" سلمية سلمية لا للحرب الأهلية" كل يوم ، كمحاولة لزرع ثقافة لم يعهدها اليمنيون. ويهتف الجميع خلفها"سلمية سلمية لا للحرب الأهلية". من يصدق أن توكل كانت وقتها تهتف وهي تعرف أن هتافاتها ستثمر ثورة تستمر في إبهار العالم.