النكبة «جنوبية».. والثورة «يمنية»
بقلم/ د. عبيد البري
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
الخميس 18 أغسطس-آب 2011 05:16 ص

إن إقدام نظام صنعاء على مصادرة دولة الجنوب وكل ما أرساه نظامها من مقوّمات العدالة الاجتماعية والأمن والأمان ، وما قطعته من خطوات واسعة في طريق التقدم والديمقراطية والتحرر الوطني والتطور الاجتماعي وإرساء القيم الإنسانية والأخلاقية خلال مرحلة "التحرر الوطني الديمقراطي" وما تلاها من سنوات تم فيها وضع أسس للتوجه بالبلد نحو العمل الاشتراكي ، التي أنجزها جيل الثورة من أبناء الشعب الجنوبي بشق الأنفس وببذل التضحيات الجسيمة من أجل مستقبل الأجيال اللاحقة ، حيث لم يكتف ذلك النظام بشن الحروب على الجنوب ، فلجا إلى احتلال الجنوب ، بالتعاون مع الطابور الخامس في الحزب الاشتراكي ، بدءاً بإعلان وحدة مزيفة في منتصف عام 1990م ثم بالقيام بحرب على الجنوب عام 1994م تحت شعار "محاربة المرتدين عن الإسلام والانفصاليين" وإصدار فتوى لتبرير جرائم تلك الحرب تتناقض مع الديانة الإسلامية والقوانين الدولية والأعراف ، لتحويل دولة جنوب اليمن بمساحتها المتباعدة الأطراف وشعبها المتحضر إلى منطقة فوضى وفساد وظلم وإرهاب ، بشكل متعمد من قبل ذلك النظام القبلي المذهبي .. إن كل ذلك قد أوصل إلى وضع لا يمكن السكوت عنه في الجنوب كونه لا شك سيهدد أمن واستقرار دول الجزيرة العربية والخليج بشكل عام ، بالإضافة إلى المصالح الدولية في الشرق الأوسط .

فالثورة السلمية اليمنية ، التي قامت تماهياً مع ثورتي تونس ومصر ، ضد نظام صنعاء الذي كان يمسك بسلطة دولة مصنفة على المستوى الدولي بأنها "دولة فاشلة" ، هي ثورة أكثر تعقيداً من حيث المهام والأهداف من تلك التي تم إنجازها في كل من تونس ومصر ، وذلك بالنظر إلى تعقيدات الأزمة المركبة التي يعاني منها اليمن منذ الانقلاب على الحكم الملكي في سبتمبر 1962م حتى الدخول في أزمة الوحدة اليمنية المستمرة تداعياتها في التفاقم يوماً بعد يوم فترة الــ 21 سنة الماضية . وعلى شباب الثورة السلمية أن يدركوا أن إنجاز ثورة حقيقية في اليمن ليس بمجرد إسقاط نظاماً فاسداً ومحاكمته ، كما حصل في كل من تونس ومصر، الذين كان كل منهما قائماً في دولة مؤسسات ، على عكس وضع اليمن الذي تتكون فيه الدولة من عدة دويلات قبلية وعائلية ، بل أن "الأهداف الثورية الستة" المعلنة قبل حوالي 5 عقود من الزمن لم تتحقق بعد ، ليس بسبب تقصير من جانب الرعيل الأول من الثوار ، ولكن ذلك يرجع إلى طبيعة الشعب اليمني الذي قبل بذلك الوضع ، وكان في معظمه راضياً بهِ ، إلى إن قامت الثورة التونسية .. وهذا يتطلب ثورة ثقافية وفكرية واجتماعية تستهدف بالأساس عقل المواطن اليمني والتركيبة الاجتماعية بصفة عامة .

وعلى النقيض من طبيعة الشعب اليمني الذي أعتاد على ذلك النظام كل تلك السنوات ، يوجد في جنوب اليمن شعب عربي اعتاد على الحرية والمساواة والكرامة ، وساعد أشقاءه الثوار اليمنيين في ستينات القرن المنصرم على التخلص من النظام الملكي في صنعاء وتعز ، ثم ضحى في التسعينات بمكتسباته الثورية من أجل الوحدة مع اليمن بغية قيام دولة يمنية عربية إسلامية حديثة تـنتـشل الشعب اليمني من العيش في الماضي المتخلف إلى الحياة العصرية والسلم الأهلي والوطني والإقليمي .. لكن الرياح هبت بما لا تشتهي السفن ، فـفـشلت الوحدة ، وفوق كل هذا وذاك ، لم يكن الشعب الجنوبي يعرف مدى مواقف التربص بأرض الجنوب وثروته ، وكمية الحقد الدفين الذي كان يكنه القائمون على حكم صنعاء تجاه نظام الحكم في عدن ، الذي ذهب هو الآخر إلى الوحدة مهرولاً للجمع بين نظامين متناقضين ، لم ولن يجتمعان كنقيضان ، إلا بزوال أحدهما ! .

كما إن وقوف شعب الجنوب إلى جانب الثورة الشبابية الشعبية السلمية منذ قيامها ، لكونه يرزح تحت ظلم وجبروت القوة العسكرية قرابة 17 عاماً ، لا يعني تخليه عن نضاله السلمي المستمر خلال كل تلك الأعوام في الداخل والخارج ، وعلى المستوى السياسي والشعبي ، رغم تأخره في بلورة العمل التنظيمي الشعبي حتى عام 2007م ، عندما أعلن عن نفسه حراكاً شعبياً يمتلك قاعدة شعبية واسعة وتأييداً واعترافاً دولياً بحقه في استعادة دولته التي صودرت بأسلوب الغدر وبقوة السلاح من قبل ذلك النظام الذي تهدف الثورة الشعبية حالياً لإسقاطه .. باعتبار أن ما وصل إليه اليمن من هاوية ليس إلا سبب ونتيجة لتلك الوحدة التي حاولتا بها قيادتا النظامان السابقان دمج نظامين دون النظر إلى التفاوت بينهما فيما يخص علاقة الدولة بالثورة .

لذلك ، فإن على الثورة اليمنية المعنية حالياً بإسقاط النظام القبلي الإقطاعي المذهبي المتخلف ، العودة أيضاً إلى استكمال "الأهداف الستة" التي لم يتم تحقيقها بعد ، إلى اليوم .. على أن يكون البدء بالاعتراف بحق الشعب الجنوبي في استعادة حقوقه ومكتسبات ثورته التي طمسها النظام اليمني ، ليصبح الجنوب داعماً للثورة الشبابية الشعبية حتى تتمكن بعد ذلك ، من السيطرة على المساحة التي قامت فيها الثورة والسير بالإجراءات الثورية قدماً بمسؤولية وطنية تجاه الشعب في الجنوب والشمال . كما أن حق شعب الجنوب في المطالبة بإستعادة الدولة أمر لا مفـر منه على اعتبار أن فشل الوحدة ، أي فشل الدولة - كما هو واقع الحال ــ ليس ناتجاً فـقط عن الفساد الذي مارسته السلطة أو عن مدى الكسب والخسارة ، أو عن خلط شعبين بثقافتين مختلفتين ، بل إنه أيضاً ، خطأ استراتيجي وواقع لا يمكن إنكاره .. وهو كذلك أمر لا يمكن إصلاحه إلا بتراضي الشعبين الذين يحق لهما أن يقررا كيفــــية وزمن الوحدة المتكاملة الصادقة ، على أساس إقليمي عربي أوسع في المستقبل .

ويجدر التـنويه هنا ، أن "الوحـدة الحالية" ليست " قدراً " على الشعب ، أو " ثابتا ً" من الثـوابت - كما أكد عليها مؤتمر قبائل اليمن في صنعاء هذا اليوم 16 أغسطس - لأن ذلك يتنافى مع طبيعة خلق الله في الأرض ومع القوانين التي تنظم الحياة على الأرض ، وأن أي تأخـّر أو تهاون من قبل القائمون على الثورة الشعبية والقوى السياسية الشريفة في النظر في قضية فك الارتباط بين الشمال والجنوب ، نتيجة لقصور في الرؤية المستقبلية ، أو بسبب ضغط ، متوقع بكل تأكيد ، من قبل القوى السياسية التي لا يهمها الاستقرار في اليمن بقدر ما تهمها ثروات الجنوب ، سيترتب عنه قطعاً ، فرض دولة ذات سيادة في الجنوب ، وفي نفس الوقت تقييداً أو فـشلاً للثورة اليمنية كسابقتها ، وبالتالي تمزق وعدم استقرار ، لا سمح الله ، في الشمال! .