أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع تفاصيل لقاء وزير الداخلية بالقائم بأعمال السفارة الأمريكية في اليمن صنعاء..مليشيا الحوثي تجبر جميع العاملين في القطاع الصحي على هذا الأمر مؤتمر مأرب الجامع يدعو لسرعة توحيد القرار العسكري والأمني ويؤكد ان تصدير النفط والغاز هو الضامن لانعاش الاقتصاد الوطني ودعم العملة المحلية الامين العام لمؤتمر مأرب الجامع: مأرب لن تقبل ان تهمش كما همشت من قبل ونتطلع لمستقبل يحقق لمارب مكانتها ووضعها الصحيح قيادي حوثي استولى على مدرسة اهلية في إب يهدد ثلاث معلمات بإرسال ''زينبيات'' لاختطافهن الهيئة العليا لـ مؤتمر مأرب الجامع تعلن عن قيادة المؤتمر الجديدة.. مارب برس ينشر قائمة بالأسماء والمناصب الذهب يرتفع بعد خسائر حادة سجلها الأسبوع الماضي رئيس الحكومة يعلن من عدن اطلاق عملية اصلاح شاملة تتضمن 5 محاور ويبدأ بهيكلة رئاسة الوزراء.. تفاصيل الكشف عن كهوف سرية للحوثيين طالها قصف الطيران الأميركي في محافظة عمران
قرأت قبل أيام مقال للزميل د/ فيصل الحذيفي بعنوان ( الدولة المدنية : دولة الأمّة لا دولة الحاكم أيّاً كانت الهوية). وقد شدّ المقال انتباهي وإعجابي لما فيه من التوصيف الرائع للدولة. ومع احترمي وتقديري للزميل العزيز، إلا إنني أختلف معه في كثير مما ذكره في مقاله. فالمقال في نظري، يروّج لفكرة (الدين لله، والوطن للجميع) و (لا سياسة في الدين)، وهي نظرية وفكرة قديمة روّجها أعداء الإسلام، ليصرفوا المسلمين عن حقيقة وبساطة الدين الإسلامي وسماحته، وهم إما لخبث في نفوسهم أو لجهل بالدين الإسلامي الحنيف، ولا أقصد بذلك الزميل فيصل لا غمزاً ولا تجريحاً.
ومن حبي واحترامي للزميل فيصل، أحببت أن أعلّق على مقاله هذا، لما لهذا الموضوع من أهمية كبيرة في حياتنا كيمنيين، خاصة وأن بعض الدول العربية الإسلامية ومن ضمنها اليمن، تمر هذه الأيام بمخاض عسير يُبشّر أو يُنذر بتغيير العديد من أنظمة الحكم إلى الأفضل كما نرجو، أو إلى الأسواء لا سمح الله.
استوقفتني بعض العبارات في مقال الزميل، مثل ( فالدين أيّاً كان هذا الدين – إسلام، مسيحية، يهودية أو عقيدة بشرية مثل البوذية والهندوسية – لا يتعارض مع الدولة المدنية، بل يُعّبر عن هويّة هذه الدولة، التي لا تنفي خصوصية مجتمعها إذا ارتضى به المواطنون). وأقول، إن جميع الأديان والشرائع السماوية غير المحرّفة لا تتعارض مع حياة البشر، وهذه الشرائع ما هي إلا قوانين وأحكام منّظمة ومرشدة لحياتهم في الدنيا، كما أنها تضمن لهم الفوز في الآخرة، من خلال تعريف الناس بما يجب عليهم تجاه خالقهم، وما يجب عليهم تجاه الآخرين، وبالتالي فإن رضا المواطنين بهذه القوانين والأحكام ليس شرطاً، وخاصة فيما يتعلق بالأحكام الدينية. أما في غير الأديان السماوية، فالوضع قد يختلف في مسألة رضا المواطنين، وإن كان رضا الناس غاية لا تُدرك.
يقول الحذيفي أيضاً في أصل مفهوم الدولة المدنية ( فـفي المدينة تغيب العلاقات القرابية «الصلة بالدم» أو تتلاشى)، ويقول ( والمدنية «بفتح الدال»، تعبير تاريخي عن تشكّل مجتمع جديد بعلاقات جديدة، توصّل الناس في ظلهما إلى اختراع الدولة كأول صيغة سياسية بشرية يحتكمون إليها، ويخضع الجميع إلى قوانينها المستمدة من موافقتهم ورضاهم). وللتوضيح والتصحيح، فإن بعد ظهور الإسلام، أصبحت المجتمعات المدنيّة التي دخلها الإسلام محكومة بالشرائع والأحكام الإسلامية، مع الإبقاء والتركيز على تقوية أواصر القربى في المجتمع المسلم، أما أولي القربى اللذين لم يعتنقوا الإسلام ولم يحاربوه، فالمصاحبة في الدنيا بالمعروف، وهذا يعني حفظ حقوق المواطنة الكاملة لهم. فالمجتمع المدني في المدينة المنوّرة بعد الهجرة شهد نموذجاً من التعايش السلمي والحضاري بين المسلمين وغير المسلمين، ولم يعكّر صفو ذلك التعايش إلا قلّة ممن حاربوا الإسلام أو غدروا بأهله.
وتحت فقرة ( العناصر المكونة لأي دولة مدنيّة)، يقول الحذيفي ( أن يكون الحاكم بشرياً وليس لاهوتياً). وأقول له، لقد شهد العدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب بأن الرسول r ، كان يتلقى الوحي من الله كرسول، ويُطبّقه على أرض الواقع كحاكم بشري. وكلنا يعرف أن أحكام الإسلام متنوّعة، وأن الله تعالى أمر رسوله والمسلمين بانتهاج مبدأ الشورى فيما بينهم للخروج بأفضل المعالجات والحلول لكثير من القضايا، قال تعالى (وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله)، وقال تعالى وهو يثني على المسلمين (وأمرهم شورى بينهم). وهذا ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، وطبّقوه عملياً في حياتهم سواء في حياة الرسول أو بعد وفاته r . وما المثال الذي ذكرته عن الخلفاء أبوبكر وعمر إلا تطبيق واضح لتعاليم الإسلام. ولم نسمع إطلاقاً أن أيّ من الخلفاء الراشدين قد استشار الناس (المواطنين) في نوع الحكم أو الأحكام التي يفضلّون أن يُحكموا بها. بل كان الكل (الحاكم والمحكومين) مؤتمنين على تطبيق أحكام الإسلام، ولهذا طلب أبوبكر وعمر من الناس أن يعينوهم إذا أصابوا، وأن يصوّبوهم ويقوّموهم إذا أخطأوا، لأن تطبيق أحكام الإسلام هي واجب الجميع. وعندما امتنع بعض الناس عن دفع الزكاة بعد وفاة الرسول r ، لم يسكت الخليفة أبوبكر عن هذا الأمر، ولم يعتبر ذلك حرّية شخصية لهولاء الناس.
ثم يستطرد الأخ فيصل فيقول ( أن تكون التشريعات الحاكمة في الدولة محلّ رضا المواطنين، ...). وأختلف معه في هذا الطرح، فليست جميع التشريعات الحاكمة يجب أن تكون محلّ رضا المواطنين!. فأحكام وتعاليم الإسلام كثيرة، منها ما هو خاص بالآخرة والفوز فيها بالجنة، ومنها ما هو خاص بحياة الناس في الدنيا والتي تشمل التشريعات الحاكمة في الدولة، ولم يشترط الإسلام أن تكون هذه التشريعات محلّ رضا المواطنين، يقول تعالى (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر). كما أن الإسلام شرّع لنا بأن نأخذ الصالح (وأقول الصالح) من تجارب الآخرين طالما وليس فيها تعارض مع أحكام ديننا، وهذا ما أشار إليه الرسول r في قوله (الحكمة ضالّة المؤمن، أنّى وجدها، فهو أحق بها). فالدين الإسلامي هو الدين الوحيد المنفتح على قبول أي شيء صالح ومفيد لحياة الناس ولو جاء من عند المسلمين، وهو الدين الوحيد الذي رحّب وشجّع إعمال العقل والفكر في كثير من مستجدات الحياة. بل إن القرآن يحتوي على العديد من الإعجاز والظواهر الكونية والعلمية والتي ما زالت تُكتشف حتى الآن. كما إنه الدين الوحيد الذي لم ولن يطاله تحريف البشر.
ثم يذكر الكاتب عن تطوّر مفهوم المدنيّة في التاريخ الحديث فيقول ( ومن هنا نشأ الفهم الخاطئ في الثقافة الإسلامية، كون الدولة المدنيّة هي رفض للإسلام). في اعتقادي أن الخلل بدأ من هنا، فالدولة المسيحية لم تنجح لأسباب عدّة، منها التحريف والتشويه الذي لحق بالدين المسيحي من قبل أتباعه، بالإضافة إلى ممارسات الكنسية الخاطئة ومحاربتها للعلم والعلماء، مما أدى إلى وجود ثغرة كبيرة بين حياة المسيحيين وتعاليم الكنيسة (وليس تعاليم المسيحية غير المحرّفة). هذا الممارسات الخاطئة، أدّت إلى نفور المسيحيين عن كل ما يتعلق بالدين المسيحي. وهذا هو الباب الذي أوتينا من قبله، وخاصة عندما تأثر أبناء الإسلام بهذا الفكر الدخيل علينا. ولم يوجد في التاريخ الإسلامي حوادث تشير إلى تصادم أو تعارض أحكام الإسلام مع دنيا الناس وتشريعات حياتهم.
وفي علاقة الدولة المدنيّة بالدين، يقول الحذيفي ( كلمة الدين لا تخص ديناً محدداً، بل تشمل كل عقائد التوحيد السماوية «الإسلام واليهودية والمسيحية» لأنها أديان سماوية). وهنا لابد من الإشارة والتنبيه إلى أن ما حدث مع الأديان السماوية الأخرى (اليهودية والمسيحية) لا يجب أن يُسقط ويُطبّق على الدين الإسلامي، لأن تلك الأديان قد شابها من التحريف والتشويه البشري الشيء الكثير، وهذا ما لم ولن يحدث مع الإسلام. وبالتالي فإن إطلاق لفظ (الأديان السماوية) على ما هو موجود اليوم من أحكام وتعاليم منسوبة ظلماً إلى اليهودية أو المسيحية، فيه ظلم وغبن لهذه الأديان السماوية، وفيه أيضاً تجّني وتجرّؤ على الله بما لم يُشرّع، ناهيك عن أن كثير من تلك الأحكام هي في الأصل بشرية وليست سماوية. لذا فمن الظلم مقارنة أحكام دين سماوي بأحكام بشرية منسوبة ظلماً إلى دين سماوي آخر.
يقول الزميل فيصل أيضاً ( الدين الإسلامي : شأن سماوي غيبي، بينما الدولة شأن بشري عقلي)، ويتساءل ( هل الدولة ركن من أركان الدين أو شرطاً من شروط انتشاره أو استمراريته؟، فمن ينحوا هذا المنحى فليأت بالدليل؟ هل نزل الدين مع الدولة أو كانت قريناً له؟ هل الدولة منزلة من السماء على السواء مع الدين؟). وهنا يجب علينا تصحيح هذا المفهوم. فأنا أتفق معه بأن الدولة (كيان)، والدين (تشريع). ولكن كل منهما مكمّل للآخر، بل إن الدولة (أي دولة)، لن يستقيم أمرها إلا بوجود تشريعات وقوانين تنظّم حياة الناس. ولا أدري يا أخ فيصل، لماذا تحاول جاهداً أن تفصل بين الدولة كـ (كيان)، وبين الدين الإسلامي كـ (تشريع) مُنظّم لحياة الناس في الدنيا والآخرة؟ ما هو التعارض بينهما؟ وما الضير أو الخطأ في أن تحكم الدولة (أي دولة) بأحكام الإسلام؟ هل هناك أحكام جاء بها الإسلام وهي لا تصلح للتطبيق الآن؟ أذكر لنا مثالاً على ذلك؟ وما هو البديل؟ ما هي المستجدات التي ظهرت في حياتنا ولا نجد لها في ديننا الإسلامي أي حكم أو تشريع؟ ومن أقفل باب الاجتهاد؟. إذا كان الغرب (المسيحي واليهودي) يعترف الآن بأنه وجد في أحكام الإسلام الحلول الناجحة والفعّالة لكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يُعاني منها. بل ذهب بعضهم إلى القول بأن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها الغرب، سببها بُعد الناس عن دينهم، وإبعاده عن حياتهم الدنيا. فإذا كان الغرب (المسيحي واليهودي) يعترف بهذا رغم تحريف وتشويه تلك الأديان، فلماذا يُراد من المسلمين أن ينبذوا دينهم الطاهر والنقي والمتسامح، والذي لم ولن يطاله التحريف والتشويه البشري حتى يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون).
ثم يذكر ( إن الدولة الإسلامية وجدت فعلاً بعد وفاة الرسول)، و ( أنه قد تركهم ولم يشر عليهم كيف يديرون شؤونهم الدنيوية بعده). من قال هذا يا أخ فيصل؟! أنا الآن أطالبك بالدليل بأن الدولة الإسلامية لم توجد إلا بعد وفاة الرسول r ، وبأنه قد تركهم ولم يُشر عليهم كيف يديرون شؤونهم الدنيوية بعده كما تقول!!
ثم يستطرد قائلاً ( وبالتالي فإن موت الرسول r ، أثار إشكالية الصراع السياسي على السلطة في سقيفة بني سعد قبل دفن الرسول، وهو إقرار أن الدولة شأن بشري لا علاقة للدين به، ولم يذكر القرآن من قريب أو بعيد أي إشارة إلى الدولة والسلطة والإدارة السياسية والنظام السياسي ). عجيب! ألم تقرأ قوله تعالى (فاحكم بينهم بما أنزل الله)، وقوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع أهوائهم، وأحذرهم أن يفتنوك... الآية). وماذا كان الرسول r يفعل في المدينة؟ ألم يفاوض قريش؟ لماذا عقد معهم صلح الحديبية؟ ألم يدخل في معاهدات مع اليهود؟ ألم يُرسل السفراء إلى الفرس والروم وبقية الدول؟ ليس من الإنصاف التجنّي على ديننا، وإخفاء الحقائق الناصعة في تاريخنا الإسلامي.
ثم استطرد قائلاً ( وقد رد الرسول r على جماعة المؤمنين الذين يسألونه في شؤون الدنيا الخالصة ومنها حادثة توبير النخيل بقوله : «أنتم أدرى بشون دنياكم» ). وهذا استشهاد في غير محّله. فهل تأبير النخل بمثل أهمية إدارة دولة؟
ولم يكتفِ الحذيفي بكل ما سبق، بل أعلن صراحة ( أن الرسول كان نبياً ورسولاً وليس زعيماً سياسياً)! وأقول له، اتقِ الله فيما تقول يا فيصل. فالرسول r كان رسولاً ونبياً ومربّياً وقائداً وزعيماً وسياسياً وأباً وزوجاً ومعلمّاً.. إلى غير ذلك من الصفات والأخلاق العظيمة والحميدة التي اتّصف بها الرسول r ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين أن يغادر هذه الدنيا دون أن يُرسي قواعد ولبنات الدولة الإسلامية، ويطبّقها واقعاً عملياً في دنيا الناس، ومن قال بغير ذلك، فإنما يستنقص بقصد أو بدون قصد من شخصيّة الرسول r ، ويتّهم الرسول r بالتقصير، وحاشاه أن يكون كذلك.
ثم يقول ( أول دولة إسلامية إنما نشأت بعد وفاة الرسول)، ويقول ( وهذا يقتضي دحض المقولات الشائعة – خطأ – أن «الإسلام دين ودولة»، وهي مقولة فكرّية بحتة). وهذه من المغالطات التاريخية، فالدولة الإسلامية أنُشأت في زمن الرسول r . ومنذ اللحظة التي وطئت قدميه الشريفتين تراب يثرب (المدينة المنورة)، شرع r في إرساء دعائم ولبنات الدولة الإسلامية الأولى في التاريخ. ثم أكمل المشوار من بعده الخلفاء الراشدون، وقد ذكرت في مقالك، كيف إن أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهة وهو الخليفة، قد احتكم هو ويهودي إلى القاضي شريح. فهل كانت الدولة الإسلامية في ذلك الوقت بعيدة عن دين الله أو لم تكن تحكم به؟.
ثم يذكر ( إن الإسلام عقيدة دينية سماوية تستهدف الفرد «بصيغة التكليف» ولا تستهدف الجماعة الناتجة عن مجموع الإفراد المؤمنين، ...، ومن هنا فان الربط بين تلازم الإسلام والدولة هو شعار جهادي في مقاومة الاستعمار الأوربي لبلاد المسلمين أكثر منه حكماً تشريعياً أو اجتهاداً فقهياً). ولا أتفق معه فيما يقول، فأحكام الإسلام تستهدف الفرد والجماعة. وإقامة الدولة الإسلامية يعتبر ضرورة وليس بتحصيل حاصل، فالرسول r هاجر من مكة إلى المدينة لإقامة الدولة الإسلامية كنموذج يُحتذى، ولكي يستطيع المسلمين إقامة شعائر دينهم في حرية تامة.
ثم يستطرد قائلاً ( إن الشريعة الإسلامية في نطاق الدولة تتخذ طابعاً قانونياً صرفاً، وتمثل أحد المصادر التشريعية الرئيسة لها، وهي أحكام محدودة لا تشمل كل تفاصيل الحياة التي تجد «الدولة الأمة» نفسها معنية بذلك وليس الدين). وهذا ليس بصحيح، فالشريعة الإسلامية تُغّطي وتشمل كل تفاصيل الحياة، وتشمل الدولة والمواطنين، كما أن الإسلام يأمر أتباعه بالبحث والاجتهاد في الأمور المتغيرة، سواء كانت هذه المتغيرات تختص بحياة الناس أو ممارسات الدولة. كما أننا لو درسنا ديننا بصدق وإنصاف، لوجدنا أن الإسلام قد حوى جميع أصول التشريعات القانونية، فتشريع السماء موجود في نصوص القرآن والسنّة، والقانون الطبيعي يعتبر من أهم أنواع الإعجاز في القرآن والسنّة، أما القوانين الوضعية فتندرج تحت باب الإجتهاد في حالة عدم وجود نص شرعي.
وفي معرض ذكره للجماعة والأمة والدولة، يقول الأخ فيصل ( لابد من التفريق بين «الجماعة الأمة» كمكّون ديني، و «الدولة الأمة» كمكّون سياسي. فـ «الجماعة الأمة» عابرة للحدود، ...، أما «الدولة الأمة» فـتـتحدد جغرافياً وسكانياً وتاريخياً وسياسياً بحدود شبه ثابتة لا تقبل التوسع، إلا إذا تحولت «الدولة الأمة» إلى دولة استعمارية). وهنا أسأل الكاتب، هل كانت الفتوحات الإسلامية، وتبليغ رسالة الإسلام في أرجاء الأرض، استعماراً لتلك الشعوب؟ مستحيل. إن المسلمين الأوائل لم يجبروا الناس على اعتناق الإسلام، وعندما دخل الناس في دين الله أفواجاً، أبوا أن يُحكموا بغير شريعة الإسلام، لما وجدوا فيها من رحمة وعدالة وتسامح، ولأن تلك الشعوب عانت من الاضطهاد الديني والدنيوي من حكامهم في ذلك الوقت.
وعند شرحه لمفهوم الدولة الدينية، يقول الحذيفي ( متى نسمي الدولة دولة دينية؟ عندما يكون «الحاكم» فيها يدّعي انه الله، أو أنه وكيل عن الله، أو ناطق باسمه)، ثم يقول ( بينما الكثير من الأنبياء والرسل جاؤوا بالدعوة ولم يكونوا حكاماً بل كانوا مصدر هداية للناس وكفى). وأقول له، إن الرسول r ، كان حاكماً إلى جانب كونه رسول الله، وقد أسس وأقام دولة إسلامية عادلة (على أساس ديني) لم يرَ الزمان مثلها، ولم يلحق بالرفيق الأعلى إلا وقد أكتمل الدين وتوقف نزول الوحي. ثم أكمل الخلفاء الراشدين من بعده مشوار ترسيخ الدولة الإسلامية، وتبليغ رسالة الإسلام، كونه دين للبشرية جمعا.
كما اعتبر الكاتب أن مرّد تنفيذا وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ( موكول إلى الفقهاء والقضاة وليس إلى الحكام، لذلك فشلوا في أن ينشئوا دولة دينية ليكونوا كهنتها). بينما الصحيح أن مرّد تنفيذ وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية موكول إلى المسلمين جميعاً، حكاماً وفقهاء وقضاة ومحكومين وليس كما ذكر الكاتب.
وعند وصفه الدولة بالإسلامية، تطرّق الحذيفي إلى ذكر «نموذج تركيا العلمانية»، وقال ( وهذا يعزز إثبات أن الدولة المدنيّة هي دولة المواطنين وليست دولة الحكام). ولنقف عند النموذج التركي قليلاً، فتركيا أغلب مواطنيها مسلمين، وعندما تخلى بعض أبنائها عن دينهم، وأقصوه عن الحكم، تحولت تركيا إلى دولة علمانية، فهل نجحت تركيا الدولة بعلمانيتها؟ الواقع يقول غير ذلك. ولكن عندما نجح حزب العدالة ذو التوجه الإسلامي من إرجاع الإسلام إلى أروقة الحكم، تغير حال تركيا الدولة إلى حال أفضل، وأصبحت دولة ذات شأن على المستوى الدولي سياسياً واقتصادياً وصناعياً واجتماعياً، كما ازدادت شعبية حزب العدالة على المستوى الشعبي. وهذا يعزّز ما ذهبنا إليه في أن مرّد تنفيذ وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية موكول إلى المسلمين (المواطنين) جميعاً حكّاماً ومحكومين.
كما تطرق لذكر توصيف الدول العربية، وكيف أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي أو وحيد للتشريع في هذه الدولة. وهنا أتساءل، ما الفائدة التي تعود على المسلمين والمواطنين من غير المسلمين إذا كانت الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي أو الوحيد في دستور الدولة، بينما هي معطّلة وغير معمول بها في جوانب كثيرة من دنيا الناس؟ وما الفائدة في كون الحاكم مسلم، بينما هو آخر من يلتزم أو يحكم بالإسلام؟ إن هذا التناقض المشين والموجود في كثير من الدول العربية، يُعطي انطباعاً خاطئاً عن الإسلام والمسلمين. وهو ما جعل الكثير من أبناء الإسلام يعتقدون خطأً أن الخلل في الإسلام، وأنه يجب البحث عن بدائل أفضل. بينما الخطأ كل الخطأ في التطبيق، وفي الالتزام بتعاليم وأحكام الإسلام.
بعد ذلك، انتقل الكاتب إلى توصيف (العلمانية)، وقال بأنها ( تعني فصل الدين عن السياسة)، وبأنها ( تتنكر للتشريع الغيبي السماوي)، وقال ( وهذا التمشي كان رداً على الدولة المدنية الكنسية التي بسطت نفوذها في التاريخ الأوربي والوسيط، وكانت سبباً في تخلّفه قروناً متتالية). وهذه نقطة خطيرة ومهمة، ولا بد من التفصيل فيها. فالعلمانية ظهرت في أوروبا بعد أن عانى المسيحيين الأمّرين في دينهم: التحريف، والحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله، وبالتالي لم يستسغ الناس أو يقبلوا بمثل هذا العبث بالدين والدنيا معاً، فنشأ في المجتمعات المسيحية فكرة فصل الدين (الذي هو مُحرّف، وبالتالي فهو ليس بدين سماوي يُعتمد عليه في النجاة في الآخرة) عن الدولة، التي يراد منها أن تُصلح حياة الناس. فالخلل عند النصارى واليهود هو خلل في التشريع، وخلل في التطبيق. أما نحن المسلمين فيستحيل أن يكون الخلل في التشريع، لقوله تعالى (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون)، وإنما الخلل في التطبيق الكامل والصحيح لشرع الله، وخاصة بعد أن حوّل الحكام نظام الحكم إلى حكم متوارث وجبري، وأهملوا مبدأ الشورى التي من خلالها يتم اختيار الحاكم على أساس الكفاءة. فبالتي ليس من الإنصاف والعدل أن نُبعد دين الله عن أهم مفصل من مفاصل الحياة وهو الحكم أو الدولة، فما الضير في أن نُحكَم ونَحكُم بشرع الله؟ أليس منصفاً؟ أليس أفضل من تشريع البشر؟ لماذا يُراد لنا أن نكون مثل اليهود والنصارى في علاقتهم بدينهم المحّرف؟ لماذا هذا السعي الحثيث لإبقاء الإسلام في المساجد والزوايا والحضرات فقط، ومحاولة إبعاده عن دنيا الناس وسياسة الحاكم أو الدولة، لماذا؟. إذا كان اليهود والنصارى خذلوا دينهم وأنبيائهم، فلماذا يُراد لنا أن نكون مثلهم؟.
كما استطرد الزميل الحذيفي قائلاً ( إن الدولة المدنية تقيم وزناً للخصوصية الثقافية والدينية والتاريخية للإنسان «المواطن» في هذه الدولة، أي أنها لا تخرج مواطنيها من خصوصياتهم الثقافية والدينية). وأقول للزميل الحذيفي، إن الإسلام يقيم وزناً للخصوصية الثقافية والدينية والتاريخية للإنسان «المواطن»، وهو الدين الوحيد الذي شرّع ذلك، وأعطى الإنسان «المواطن» حريّته الكاملة في اختيار دينه، وإلا فما معنى قول الله تعالى (لا إكراه في الدين)، وأيضاً قوله تعالى (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغهُ مأمنه)! أليس ذلك إقرار بخصوصية كل إنسان «مواطن» في الدولة الإسلامية مهما كانت ديانته أو ثقافته!.
ثم اختتم مقاله أمثلة من الدول المدنيّة، مثل ( الدولة العبرية المحتلة لفلسطين، هي دولة مدنية، ولكن بهوّية يهودية علمانية ليبرالية، والدولة في أوروبا عموماً هي دولة مدنية ولكن بهوّية مسيحية ليبرالية علمانية). وأختلف كُليّة مع هذا الطرح، بل إن الواقع المرير الآن يشهد بغير هذا، فهل حقوق المواطن الفلسطيني المسلم أو المسيحي مثل حقوق المواطن اليهودي؟ وهل يُعامل المواطن الأوروبي المسلم مثل معاملة المواطن الأوروبي غير المسلم؟ لماذا يضطهد الفلسطينيين في حقوقهم، وهم أصحاب تلك الأرض؟ ولماذا يتم التضييق على المسلمين في خصوصياتهم الدينية مثل منع الحجاب وغيره في معظم الدول الأوربية والغربية؟ أين هي إذاً الدولة المدنيّة التي تقيم وزناً للخصوصية الثقافية والدينية والتاريخية للإنسان «المواطن»؟
من حقنا كمسلمين أن نحظى بدولة مدنيّة إسلامية قوية وراسخة وعادلة، ولا نريدها بنكهة (طالبانية) ولا ببهارات (إيرانية)، ولا مشوّهة ولا عرجاء، وإنما نريدها على منهاج النبّوة، يُطبّق فيها أحكام وتعاليم الإسلام السمحة، وينتشر في أرجائها العدل والحرية والمحبة والمساواة لجميع مواطنيها مسلمين وغير مسلمين، فليس في ديننا ما يُعيب، ولا في أحكامه وتعاليمه أي إجحاف على معتنقيه وغير معتنقيه. وإذا كان لنا تجارب سابقة سيئة في الحكومات الإسلامية نتيجة الخطأ البشري، فالتاريخ الإسلامي مليء بالنماذج المشرقة، وكل ما علينا هو إظهارها لدول العالم، لا أن نقلدهم فيما أخفقوا فيه.
ختاماً أقول للزميل فيصل، إن معظم الدول الأوربية الآن، تمنع التدخين في الأماكن العامة، لأنه مضّر بالصحة وملوّث للهواء، والإسلام لا يحجر على الرأي أو الفكر المخالف إذا ارتضاه صاحبه لنفسه، إلا أن هذا الرأي أو الفكر المخالف يجب علينا تصحيحه إذا خرج للعلن، حتى لا يلوث دنيا الناس أو يُفسد عقولهم، وأرجوا أن يتقبّل هذا النقد بصدر واسع.