سجون الحوثيين للنساء جريمة لن تُمحى من ذاكرة اليمن
بقلم/ رهف الشرجي
نشر منذ: 3 ساعات و 30 دقيقة
السبت 01 فبراير-شباط 2025 09:12 م
 

في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب اليمني تحت حكم مليشيات الحوثي، لا تقتصر المآسي على قتل الأبرياء ودمار المدن، بل تتجاوز ذلك لتشمل أبسط حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق النساء، فعلى الرغم من المحاولات المستمرة لإخضاع اليمنيين، فإن الصمود والتحدي لا يزالان سمة هذا الشعب الذي لا يرضخ للظلم والقهر.

 

منذ أن استولى الحوثي على بعض من المحافظات اليمنية، أصبح السجن جزءاً لا يتجزأ من مشروعه السياسي، الذي يهدف إلى قمع أي صوت معارض، ومع دخول الجماعة في عمق الصراع السياسي والعسكري، باتت السجون هي الشاهد الحي على انتهاكات حقوق الإنسان التي لا تعد ولا تحصى، وليس غريباً أن نرى الحوثي يبني السجون للنساء، اللواتي كن يوماً رمزاً للشموخ والصمود في المجتمع اليمني.

 

لم يكن الحوثي يملك مشروعاً حقيقياً لنهضة اليمن أو تحسين مستوى معيشة شعبه، بل هدفه الوحيد هو إخماد أي حركة شعبية قد تهدد حكمه الإمامي، في هذه الظروف، أصبح بناء السجون وتوسيع نطاق القمع من أولويات الجماعة، لتبقى أي محاولة للحرية محاصرة خلف القضبان، وفي خطوة غير مسبوقة افتتحت جماعة الحوثي سجوناً مخصصة للنساء، في محاولة بائسة لإذلال نصف المجتمع اليمني.

 

لقد كان الحوثي يروج لمشروعه على أنه يحمل مبادئ دينية أو إلهية، لكنه لم يقدم للشعب سوى الخراب والدمار، بدلاً من بناء المدارس لتعليم الأطفال أو المستشفيات لتخفيف معاناة الناس، كانت النتيجة الوحيدة التي حققها الحوثي هي تحويل اليمن إلى أرض مليئة بالسجون التي تمثل القيد الذي يفرضه الحوثي على كل من يرفض خنوعه، فيما تحولت المقابر إلى رمز لموت الآمال وطموحات الشعب اليمني.

 

 وبينما اختار كثيرون الصمت والانحناء تحت وطأة الخوف والذل، برزت الإعلامية "سحر الخولاني" في العاصمة المختطفة صنعاء متسلحة بالكلمة والرأي في مواجهة الظلم ولم ترضَ أن تكون شاهدة صامتة على معاناة شعبها، وقفت بشجاعة في وجه المليشيات، مسلّطة الضوء على المجاعة والقهر، وكاشفة انتهاكاتهم، ومناضلة من أجل كرامة وطن يئن تحت وطأة الظلم.

 

في عالم بات فيه التعبير عن الحق رفاهية لا يجرؤ عليها الكثيرون، جاءت سحر لتذكرنا أن الكتابة ليست مجرد كلمات، بل هي نبض الأحرار وروح المقاومة، إنها امرأة تستحق أن ترفع لها الرؤوس تقديرًا وافتخارًا وقصتها تُروى للأجيال القادمة، لتظل شجاعتها مصدر إلهام.

 

سحر ليست وحدها في معاناتها، إذ تعرض زوجها وأطفالها أيضًا للاختطاف، و هذا الاعتداء لم يستهدف فردًا واحدًا فقط، بل شمل جميع أفراد العائلة، من حق الناشط التعبير عن آرائه وممارسة حريته دون تعرضه للاعتداء أو القمع، لكن المليشيات الحوثية تنتهج نهجًا استبداديًا يشبه الأنظمة النازية، حيث تقمع الأصوات الثائرة بهدف إخضاع الشعب وتحويله إلى مجتمع خانع.

 

لقد أدرك الحوثي أن المرأة اليمنية ليست رقماً هامشياً في معادلة النضال الوطني، بل كانت دوماً ركيزة أساسية في مسيرة التحرر والتغيير لذلك سعى إلى كسر إرادتها عبر أساليب ممنهجة من القمع والاحتجاز التعسفي، متوهماً أن سجن النساء سيُضعف المجتمع ويخمد روح الحق. 

 

إن اعتقال النساء في اليمن ليس مجرد إجراء عقابي، بل هو انعكاس واضح لحالة الفشل السياسي والأخلاقي الذي تعيشه الجماعة، فعندما تعجز أي سلطة عن كسب شرعيتها عبر التنمية والعدل والمساواة، تلجأ إلى القمع كسلاح أخير للبقاء، غير أن القمع لا يصنع استقراراً، بل يولّد مزيداً من الغضب الشعبي الذي يتراكم ليصبح انفجاراً حتمياً في وجه الطغيان.

 

لقد أثبتت النساء اليمنيات أن القيود المادية لا تستطيع تقييد العزائم الحرة، وأن السجون التي بناها الحوثي لن تحجب نور الحرية عن شعب قرر أن يعيش بكرامة، كل قيد يُوضع على معصم امرأة يمنية هو في الحقيقة وصمة عار على جبين هذه الجماعة القمعية، ودليل آخر على ضعفها وخوفها من شعب يرفض الخضوع، فالحرية لا يمكن أن تُسجن، والإرادة الحقيقية لا تُكسر، واليمنية التي واجهت الحصار والحرب ستواجه السجن بروح لا تهزم.

 

إن المرأة اليمنية التي كانت دوماً شريكاً في النضال والمقاومة لن تقبل أن تكون ضحية لسياسات المليشيات القمعية، هي اليوم في الصفوف الأولى بالكلمة والصوت، ترفع راية الحرية رغم القيود، وتُرسل رسالة واضحة لكل من يحاول إخضاعها: "قد تسجنون أجسادنا، لكنكم لن تسجنوا أحلامنا وإرادتنا".

 

رغم كل محاولات الحوثي لإغلاق منافذ الأمل أمام الشعب اليمني، فإن الحرية لا يمكن أن تموت، إن السجون التي يبنيها اليوم لن تكون إلا شاهداً على نهايته المحتومة، لقد فشل في بناء دولة أو تقدم للشعب، بل كان يزرع الخراب في كل زاوية من الوطن، لكن التاريخ يعلمنا أن الشعوب لا تموت، وأن الحرية لا تُسجن خلف القضبان.

 

الحرية في قلوب اليمنيين لن تُطفأ، مهما كانت قسوة الظروف، رجال اليمن ونساؤه لن يتوقفوا عن نضالهم، وستبقى الأرض التي رويت بدماء الشهداء أرضاً للحرية والكرامة، اليمن اليوم يعاني من ممارسات الحوثي، ولكن غداً ستتكلم اليمن بصوت الحرية، وستقف على قدميها كما كانت دائماً، أرضاً لا تعرف الهزيمة.