إلى الحزمي... أما بعد
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 10 أيام
الجمعة 02 إبريل-نيسان 2010 01:15 م

فاعلم أنك لو جعلت البحر لقلمك مداد ما رضي العباد الذي من شأنهم وديدنهم العناد، وإني قدر رأيت من متابعة الردود أنه قد قل شاكوك وكثر شاكروك وإن كثرة الرد على الساخطين تذهب أو تؤثر على الراضين؛ فلا تغضب الأُخر بمحاولة إرضائك الأُول فلن يرضوا حتى وإن نفد مداد بحرك، فلن تقف كلماتهم الناقمة منك ومما تدعوا إليه، فلا تضن يوما أنك سترى كل التعليقات تصب مع رأيك وفي صالحك فذلك يوم ميئوس.

ثم اعلم أن الطعام قد نضج حتى أوشك أو كاد على الاحتراق؛ فاحرص على ألا يحترق؛ فإن مزيدا من الردود يعني مزيدا من النار والتحريك وذلك يحرقه ويفسده وما جدوى كل ما بذلته فيه من قبل إذا لم يؤت في النهاية أكله. فقد أحسنت البداية يا شيخنا؛ وقد رأيت في مقالك الأخير - والله اسأل أن يكون كذلك - ما يشفي الغليل فهلا توقفت؛ فالمزيد فيه ما أراه إلا مزيدا من فتح الجراح وزيادة المزيد من خوض الخائضين والطاعنين وقد ينطبق علينا عند إرادة المزيد قول الله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (النساء:140) . وقد رأيت يا شيخ كم خاض الخائضون وكم تعدى المتعدون وكيف تداعى أكلة اللحوم لينالوا من العلماء وما زالوا. 

نعم لقد جعل هذا الموضوع كثيرا من الناس، وممن يحسبون في وسط الشارع اليمني من المثقفين ومن الأدباء الناقدين؛ يخوضون في أعراض العلماء، ولا شك أن العلماء هم أهل الله وخاصته وأوليائه، والعلماء هو أولياء الله وهم حلمة نوره وهديه لأنهم ورثة الأنبياء، والنيل منهم يعني النيل من الإرث الإلهي، وماذا يعني زواج الصغيرات من اقتحام الكبيرات؛ وقد رأيت كما رأى القراء والمتابعين حربا شُنّت على ورثة الأنبياء (العلماء والفقهاء)، والخوض فيهم هو الخوض بما يحملونه وفيما يبلغونه من شرع الله؛ وهذه الحروب الكلامية بالألسنة الحداد. هي بالتالي خوض في شرع الله وآياته، فماذا يرث العلماء من الأنبياء إلا نور الله.

أما حان لك يا شيخ أن تعرض عن موضوع الصغار؛ الذي اقترف بعض الكتبة فيه الكثير من الكبار أو الكبائر؛ حيث أن العبث والخبث قد عربد فيه وأزبد؛ وقد كثر حوله الطائفون والعاكفون والعابثون وكل باد وحبوا المكوث. وكذلك تلذذ (به وفيه) المحبون الذين يريدون أن يبقى الناس في الساحة اليمنية ملتفين حوله ومصغين إليه لا سواه، وعاكفين على مناقشته بعيدا عن قضايا وطننا، وقضايا أمتنا.

ثم ماذا إذا سُن القانون، هل سوف يغير قناعات الناس؟ وهل ترى يا شيخ أن مجلس النواب ينتظر قناعات الناس ؟ لا شك أن قناعات الناس في بلد الإيمان والحكمة مع الشرع ومع العلماء؛ بيد أن طول المكث وشدة الخوض في هذا الموضوع قد نال استحسانهم؛ لم فيه من صرف الناس عن قضاياهم الأهم، ولست أقلل من حجم سن قانون يتعدى على حرمات الله وشرعه، لكنه يا شيخ قد بلغ السيل الزبا، وقد كفيت ووفيت وقد فهم الجميع، فلا تأبه بمن يريدون للموضوع أن يطول، ولمن يحبون المزيد من قرع الطبول.

ولا تنسى أيها الشيخ أن الجميع الآن يطلب منك أن تكتب عن قضايا الوطن الكبيرة، عن الفساد، وعن الفقر، وعن الجوع، وعن المرض، وعن الوحدة التي هي حكمة اليمنيين في زمن التفرق والشتات. كل المعلقين وكل المعترضين عليك في قضية زواج الصغيرات وكل الشارع اليمني ينتظر منك ان تلتفت لهذه الأمور العظام، وأظنك لم تسكت فيما فات ولن يكف قلمك فيما هو آت لكنها المزايدات؛ ومع ذلك أقول إن من يطلب منك أن توجه قلمك وجهدك إلى الكتابة عن هذه المواضيع لا أحسبه إلا صادقا، وسوف ترى بنفسك عندما ينبري قلمك ليتحدث عن الفساد والفاسدين، وعن قلة المؤنة والطحين، وعن كثرة الجائعين وقلة الطامحين؛ سترى كيف ستقف معك كل أقلام والمحبين وكذلك الساخطين والمعارضين الذين سلقوك والعلماء بسيل من المداد، وبألسنة حداد.

ولا تظن يا شيخ أن من سلقك والعلماء بالألسنة الحداد، وكثرة المداد، ليس لأنهم يكرهون شخصكم أو العلماء؛ ولا لأنهم يريدون تمييع القضايا المصيرية، وطمعا في صرف أنظار الشارع عنها، ولا رهبة من أن تتجه أنظار الناس إلى الكبار؛ أعوذ بالله من سوء الظن إنما هو (حب الصغيرات والخوف عليهن). وإن كان ذلك يغضب ربهن ومولاهن. والله المستعان على ما تصفون.