الفن...الرهان الرابح
بقلم/ ابتهال حسين الضلعي
نشر منذ: 16 سنة و أسبوع و يوم واحد
الجمعة 31 أكتوبر-تشرين الأول 2008 10:15 م
حالفني الحظ في مشاهدة الفيلم اليمني " الرهان الخاسر" والذي سمع عنه الكثيرون وأعلن عنه في الشوارع ،
ووسائل الإعلام المختلفة ولم يشاهده إلا القليلون.
 سـأسمح لقلمي أن يكتب عن هذا الفيلم والذي سيعرض في عدد من المهرجانات الدولية كمهرجان القاهرة والهند وبرلين كمشاهدة وإعلامية ومتابعة للسينما بصورة عامة.

تعتبر تجربة الفيلم خطوة أولى متواضعة في سلم الفن السينمائي اليمني ومن حقه علينا أن نتعامل معه كعمل مهني جيد في خانة المحاولة وأن نحترم مجهود اللذين قاموا عليه دون إستثناء.
كانت زميلتي منى صفوان قد كتبت مقالا ملفتا عن هذا الموضوع ويبدوا أن نقدها لإنعدام وجود صالات سينما وحركة ثقافية فنية مشتملة للفن السابع قد لقت صدى جيد وفرت لي فرصة مشاهدة الفيلم وبالتالي كنت أوفر حظا منها وهي التي إستندت في مقالها على رواية صديقتها التي شاهدت الفيلم وقصته عليها من وجهة نظرها وإنطلاقا من إنطباعها الشخصي، أما مقالي هذا فقد كتبته بعد مشاهدة الفيلم ومناقشة بعض مشاهده مع كاتبه محمد الحبيشي ومخرج العمل الأستاذ الدكتور فضل العلفي.
  قصة الفيلم تدور حول موضوع "الإرهاب"وعن كيفية إجتهاد القيادين المتطرفين لإستقطاب الشباب العاطلين عن العمل واللذين إختاروا الشوراع والقهاوي مكانا مناسبا لقضاء أيامهم الطويلة، وبالتالي فإن هذه الفئة تعتبر الصيد الأسهل للإنخراط في مثل هذه الجماعات، بما أنب لست ناقدة فلن أخوض في تقاصيل الفيلم ولكن سأطرح بعض ما لفتني فيه.
في رأيي أن الفنان نبيل حزام كان الحلقه الأقوى في الفيلم فقد تميز أداءً وحضوراً وإقناعاً، كانت قدرة نبيل في تغيير ملامح وجهه تبعاً لمتطلبات المشهد مقنعة بصورة كبيرة بل مذهلة. الفنانة منى الأصبحي إستطاعت في المشهد الذي تعاتب فيه زوجها الذي تركها وولدها الرضيع لينخرط في جماعة ذو توجه متطرف أن تبكي الجمهور وأتوقع أن تتألق في أعمالها القادمة إذ ما إستمرت على نفس مستوى الإتقان.
والأجمل هو دور الشابة "شيماء" التي لم تبد أي رهبة من الكاميرا السينمائية وكانت هناك ليونة واضحة في تعاملها مع صديقتها الأجنبية التي أحبت اليمن من حب والدها لهذا البلد، إلا أنها في بعض المشاهد كان ممكن أن تظهر بصورة أفضل بتوجيهات من المخرج كمشهد البكاء عندما ظربها أخوها المتطرف و المشهد الذي تكتشف فيه أن صديقتها الأجنبية قد أصيبت في حادث إرهابي.

بعض الثغرات الواضحة في العمل كان ممكن تفاديها، فليس من المعقول أن تتغير قناعات الإرهابيين بالسهولة التي أظهرها الفيلم عندما تأثر القائد "أبو وليد" عند مشاهدته ولده يغسل السيارات فتراجع عن كل ما آمن به على مدار 7 سنوات، وكذلك هو الحال مع الشاب الذي أقنعه قائده بأن يفجر نفسه لينال الجنة بكلمتين ليتراجع بعدها بدقائق بعد أن يستمع لمحاضرة يلقيها على مسامعه مدير عمليات مكافحة الإرهاب الفنان "عبدالكريم الأشموري" الذي يذكره بأمه والوطن.
 لم يكن من المنطقي أيضاً ظهور الشباب العاطلين والمحتاجين أنيقين يلبسون الملابس النظيفة والجديدة بينما يبحثون عن قيمة "كاسة شاي" التي بدفع قيمتها من قبل الإرهابي "نبيل حزام" بدأت الطامه الكبرى.

كان من الجيد عدم إظهار هذه الفئة الضالة "حسب ما اظهرها العمل" أنها تتبع توجه ديني أو إنتماء فكري معين، فلم يكن هناك إيحاءات بأنهم " سلفيون، وهابيون، شيعة، سنة..." إلا أني لم أفهم لماذا وضع الكحل في عيون قادة وأمراء الجماعة وهل كان له معنى مبطن....!!!!! مشاهد القوات العسكرية ووحدات مكافحة الإرهاب والإسقاط الجوي كانت جيدة إلى حد كبير وكذلك الكثير من اللقطات ذات البعد الفلسفي وغير المباشر مثل أن تكون زوجة الإرهابي "نبيل حزام" جميلة وفنانة وكأنها الشق المشرق في الحياة وكان هذا الإسقاط واضحاً في رسمها لوحة لوجه زوجها طوال فترة غيابه تعبيراً عن شوقها له إلا أنه وبمجرد عودته بالفكر الإرهابي الجديد دفعها لطمس ملامح وجهه باللون الأسود ورسم وجه الأجنبية بدلاً عنه وكان في هذا دلالة على فكرة التسامح وأن الفن لايعرف الأديان أو الجنسيات.
  دلالات جميلة كثيرة في فيلم وليد يستحق الإحترام والتقدير ولايمنع هذا من توجيه بعض الملاحظات من باب الحرص والتشجيع على المضي قدماً في تجارب قادمة، فالفن الجميل والراقي والمتضمن رسالة مفيدة من أكثر السبل ملائمة لمجتمع محروم متعطش لكل جميل كمجتمعنا..
  الفن هو الرهان الرابح لتوعية الشباب وفتح باب الإبداع لكل المختصين والهاويين بناءً على إحتياجات المجتمع وتطلعاته لا على أوامر عليا كما حدث مع هذا العمل....
  فيلم "الرهان الخاسر" يبعث بالأمل وبإطلاق طاقات مكبوته هائلة، أسعد كل من شاهده وعمل فيه، فالسينما من أبسط أنواع الترفيه التي لابد من توفيرها وليس هذا نابعاُ من قناعتي فحسب، بل من حرارة تصفيق الجمهور الشاب الذي حضرت معه لمشاهدة الفيلم ومن الإبتسامات المرسومة على وجوههم عند مغادرة "صالة السينما"......عفواً " قاعة المركز الثقافي
"...!!