إيران وتعدد الأذرع
بقلم/ جاسم محمد
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 18 يوماً
السبت 30 يونيو-حزيران 2012 04:27 م

الثورة الإسلامية في إيران هي اول من وصفت أميركا بالشيطان الأكبر عام 1979 ـ 1980 وهي من صفعت الولايات المتحدة بقضية الرهائن في الأيام الأولى من الثورة الإيرانية لتبعث رسالة الى العالم ، بأنها \"صفعت أقوى قوة في العالم \". ورغم محاولة ادارة كارتر خلالها بانقاذ الرهائن بعملية الكومندوز لكنها زادتها تعقيدا بسقوط المروحيات الاميركية في الصحراء الإيرانية ، لتخرج الرئيس كارتر من البيت الأبيض . أما خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980ـ 1988 فقد اقامت ايران وأميركا علاقات سرية استخبارية عرفت ضمن فضيحة ايران كونترا في عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن عندما استقبلت بوش الاب كرئيسا لل سي اي أيه .

علاقات ايران مع دول الجوار

تقع ا ايران في قلب المنطقة التي يطلق عليها حافة اليابسة وتقترب من نقطة الارتكاز الجغرافي وفقا لوصف المعنيون بالدراسات الجغرافية . تجاورها الباكستان وافغانستان شرقا ، هذان الدولتان تشهدا صراعا دوليا واستخباريا مع الولايات المتحدة بينما يمتد العراق على حدودها الغربية والتي يشهد صراعات سياسية الى زمن ما قبل الميلاد ، ففي عام 539 ق.م احتل الفرس بابل ، حتى هزمهم الاسكندر المقدوني عام 321 ق.م ، وظل العراق منطقة صراع بين الفرس والرومان حتى مجيء سرجون الأكدي الذي تمكن من دحر الإيرانيين والاستيلاء على دولتهم عيلام .

هذه الحدود والعلاقة خلقت الكثير من التداخل الجغرافي والديموغرافي بين إيران والعراق وجيرانها. فالتداخل الإيراني الديموغرافي والمذهبي في العراق واضحا عبر التاريخ وكذلك مع افغانستان رغم الاختلاف المذهبي ، و يجعلها تقع وسط معظم شركاء القاعدة وأميركا .

وقد جعل الاحتلال الأميركي للعراق وافغانستان من إيران طرفا في هذا الصراع ، لتكون جسرا بريا يمتد من أفغانستان الى العراق ومنصة على الخليج العربي . ومن الجنوب تمتد مياه البحار بدءا من بحر الخليج العربي إلي بحر عمان و من هذا الطريق تتصل بحرا . هذا الموقع خلق من إيران قوة بحرية إستراتيجية تشرف على خطوط إمداد النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد العالمي وخاصة مضيق هرمز .

العلاقات الإيرانية الأميركية

منذ أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران 1979 و ايران تعيش هواجس التهديدات الأميركية ضدها وتحفزها لاي صراع مستقبلي مع الولايات المتحدة من داخل الأراضي العراقية ، لتجعل ايران من العراق خط دفاع اولي ومنصة باتجاه دول الخليج العربي . لذا فهي حريصة على فرض سيطرتها على الوضع السياسي في العراق من خلال دعم حلفائها داخل العملية السياسية . هذه السياسة تعكس نظرية (غراهام فولر ) التي تقول :\" أن الصورة الذاتية \" التي ترسمها ايران لنفسها هي نتيجة انعكاسات لصور التاريخ الإيراني حيث تختلط صور التوسّع والهيمنة العسكرية والثقافية للإمبراطورية الفارسية مع صور الهيمنة الغربية على إيران من قبل الإغريق والعرب والأتراك والأفغان والروس \". ويولّد مثل هذا التشابك وفق تحليل فولر : \"مركّب نقص يتحوّل إلى رؤية ومقاربة معقّدة لدور إيران السياسي تجاه جيرانها والعالم .\" ووصف ( جيفري غادسن ) من صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية الحدود الفاصلة بين العراق وإيران بأنها من أكبر الهوات الأمنية والثقافية على سطح الأرض .

أما تصريحات أحمدي نجاد فهي تعكس سياسته المتشدّدة في برنامج إيران النووي والموقف من إسرائيل واشعار جيرانها وخاصة دول الخليج العربي بانها حريصة على تصدير الثورة الإسلامية وكأنها

امبرطورية فارس أكثر من دولة ايران . ووجدت طهران بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 الفرصة للتدخل في العراق ، مما دفع بالولايات المتحدة بفتح حوار مع طهران من اجل الوصول الى التوافق الاميركي الإيراني في العراق .

ويبدو أن إيران قد نجحت بالتعامل مع الأميركيين في العراق وأفغانستان ، لتفرض نفسها كلاعب إقليمي وباعتراف الولايات المتحدة ، فقي حالة أفغانستان أجبرت اميركا على التفاوض علنا مع طالبان بوساطة قطرية 2012.

لقد شّكّل العراق وأفغانستان عدوّين تقليديين بالنسبة لإيران لذا فهي تتعامل معهما مباشرة على الأرض وتمسك بصناع القرار العراقي على وجه الخصوص لتفرض ـ أيران ـ نفسها كطرف و مفاوض مراوغ ، لذا فأيران لم تدخل مفاوضات وتخرج منها \"بخفي حنين \" ، فهي تمسك بأوراق ضغط على خصومها لتطرحها على طاولة المساومات و تعمل على زيادة نفوذها داخل العراق ، لاجبار الولايات المتحدة على الاعتراف بنفوذها . وبرز التناقض الاميركي الإيراني في برنامج ايران النووي بالتوازي مع قوتها الصاروخية التي ممكن أن تشكّل تهديدًا للشرق الأوسط و أوروبًا . ويبدو أن أحمدي نجاد يعكس طموحات الحرس الثوري الإيراني المتشددة خصوصًا في موضوعي برنامج إيران النووي والموقف من إسرائيل لتصعد من حدة تلك التناقضات والمواجهات ولتكون المفاوضات مارثونية أكثر .

المؤسسة الأمنية في إيران

أن الأمن القومي في ايران قائم على أساس تعدد مؤسسات الدفاع والخارجية وفقا الى مفهوم نظرية الأمن القومي ، لكن في ايران المؤسسة العسكرية والاستخبارية : ـ فيلق القدس واطلاعات و الحرس الثوري ـ القريب من القيادة الإيرانية والذي تميز بصلاحياته غير المحدودة ، لتصبح بصماتها واضحة في كل من العراق ولبنان وافغانستان . لذا فايران تتبع سياسة تعدد الاذرع داخل دول النزاع ومنها العراق وافغانستان لتمسك خيوط اللعبة السياسية وتشد من خطوط دفاعاتها عسكريا واستخباريا ضد أميركا وتفرض قراراتها على حلفائها ، فهي تعرف متى تتدخل سياسيا او أستخباريا لسد ثغرات خطوط دفاعاتها ، وان تطلب الامر الى ضرب حلفائها داخل تلك الدول . وماتعجز عنه دبلوماسية طهران تنفذها مؤسساتها الاستخبارية و حكوماتها الخفية ، وهي تنظر الى نفسها بأنها قوة بديلة للاتحاد السوفيتي السابق في المنطقة .

علاقة إيران بتنظيم القاعدة

تقيم ايران والقاعدة علاقات مركبة ومزدوجة رغم اختلافهما الأيدلوجي والعقائدي لخدمة مصالحهما ويشتركا في عدائهما للولايات المتحدة . وهنالك أدلة عديدة لشراكة إيران والقاعدة وكانت هناك مئات الوثائق من قاعدة بيانات ( هارموني في وست بوينت ) والوثائق الملغاة سريتها قد تم نشرها في الإعلام الأميركي وتناولتها عدد من وسائل الإعلام العربية ، حيث ذكرت بان إيران تمثل بوابة الخروج والدخول لتنظيم القاعدة من خلال امتدادها الجغرافي مابين العراق وافغانستان وباكستان والبحر العربي.

وبعد انهيار حكم طالبان2001 ، فرت أغلب قيادات القاعدة وعوائلها و بضمنها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري إلى الباكستان ، ولكن البعض فضل الذهاب الى إيران . وفي عام 2001 أرسلت الحكومة الإيرانية وفدا لأفغانستان لضمان السفر الآمن لقيادات القاعدة وعائلاتهم لإيران بينما كانت القوات الأميركية منشغلة في (تورو بورا ) .

وعملت إيران على نقل العديد من مقاتلي القاعدة بينهم قيادات الخط الأول والقيادات الوسطى من تنظيم القاعدة المركزي وأسسست القاعدة في ايران عام 2002 مجلس ادارة تنظيمها بتكليف من بن لادن لدعم التنظيم في افغانستان وباكستان . ويشمل أعضاء المجلس البارزين : عادل وسليمان أبو غيث وأبو الخير المصري وأبو محمد المصري وأبو حفص الموريتاني، وقد كان حرس الثورة الإيرانية الجهة المسؤولة على المجلس وعلى عملية لم شمل عوائلهم . وقد استغلت إيران ضعف القاعدة ومطاردة الولايات المتحدة لها لتخضعها للمساومة والإقامة الجبرية لبعض قياداتها وهذا ماجعل العلاقة مابين القاعدة وإيران شد وجذب إشارة الى مراسلات التنظيم التي كشفت عنها الإدارة الأميركية في الذكرى الاولى لمقتل بن لادن شهر مايس 2012 . ووفقا لمعلومات وزارة الخزانة الأميركية فان المدعو ياسين السوري من مواليد 1982 هو الذي كان مسؤولا عن تمرير قيادات القاعدة وعوائلهم من والى ايران ، مما دفع ايران مؤخرا الى فرض الإقامة الجبرية علية كخطوة احترازية ، لما يمثله من مصدر معلومات مهمة وفقا لتقرير شبكة سكاي نييوز بتاريخ 15.02.2012 . وهي خطوة ليست بالجديدة على ايران كونها سبق ان مارستها مع (الملا كريكار) زعيم تنظيم أنصار الإسلام خلال إحدى زياراته المتعددة الى ايران عام 1988 وكذلك نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي . علما بان إيران جددت الدعوة الى (الملا كريكار ) للعودة الى العراق في كانون الثاني 2012 وفقا لما نشرته وكالات الإعلام ، بالإضافة الى تاريخ تعاملها مع قادة الأحزاب الكردية العراقية خلال العقود السابقة .

وجغرافيا تمثل إيران ممرا مركزيا للقاعدة مابين أفغانستان والباكستان والعراق واليمن بحرا. وما تملكه إيران من خزين بشري لمقاتلي القاعدة وقياداتها خاصة من الخط الأول دفع المراقبون ان يصفوها \"بالاحتياطي \" الذي يسد استهلاك قيادات القاعدة في تلك الدول . والعلاقة مابين القاعدة وإيران تأخذ المد والجزر وفقا لتطورات الملف النووي والتهديدات الأميركية .

الولايات المتحدة حريصة على علاقتها الاستخبارية مع الباكستان بتقويض نشاط القاعدة استخباريا وعسكريا وهذا ما تستغله إيران كإحدى أوراق ضغطها في توافقها مع أميركا ، اي احتمالات دفع إيران بزخم ما تملكه من مقاتلي القاعدة وخاصة قياداتها ، لتعويض اي نقص في افغانستان وهذا ما لايخدم المصالح الأميركية .

ومن بين قيادات القاعدة التي كانت محتجزة في ايران هو ناصر الوحيشي زعيم القاعدة في اليمن ، والتي ـ سلمته إلى السلطات اليمنية ـ وفي جانب آخر، قال ابو جندل الحارس الشخصي لبن لادن سابقاً في حوار مع قناة \"العربية\" إن تنظيم القاعدة يقيم علاقة وصلات مع الحكومة الإيرانية لأن\" عدوهما \" واحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية. وأكد : \"هناك شخصيات في القاعدة تتابع ملف التعاون مع إيران مثل سيف العدل وأبو حفص الموريتاني ووجود شخصيات من القاعدة في إيران هو للتنسيق وهذا لا يعني أبدا أن القاعدة تقاتل وفق الطريقة والأجندة الإيرانية\". و كشفت وسائل الإعلام عن دور سعد بن لادن ، كوسيط بين القاعدة وإيران التي يعيش فيها تحت الإقامة الجبرية منذ سقوط حركة طالبان في أفغانستان عام 2001.

رسائل بن لادن حول إيران

نشرت الولايات المتحدة 17 وثيقة من بين أكثر من ستة آلاف تم العثور عليها في منزل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في( أبت آباد ) بباكستان أثناء العملية التي قتل فيها يوم 2 مايو/أيار 2011 ،

وقالت إحدى الوثائق إنه بعد الغزو الأمريكى لأفغانستان عام 2001، فر بعض قيادي القاعدة وأسرهم إلى إيران، ووضعتهم السلطات هناك قيد الإقامة الجبرية ، ثم أفرجت عن بعضهم ومن بينهم أفراد من أسرة بن لادن ، وأبقت على آخرين . وبحسب الوثائق شكى عطية عبدالرحمن، الذى أصبح الرجل الثانى فى القاعدة بعد مقتل بن لادن قبل اختيار الظواهري، من تعامله مع الإيرانيين فى التفاوض .

وقال عمر بن لادن لوسائل الإعلام ، أن هناك وساطة سابقة قام بها علماء بباكستان وأفغانستان للتوسط لدى الحكومة الإيرانية لإطلاق سراح أولاد بن لادن المحتجزين في العاصمة طهران منذ عام 2001 . وقال إن رسالة شقيقه خالد التي ناشد فيها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي التدخل لإطلاق سراح أفراد عائلته في إيران، تعني الكثير للعالم . وتكشف الرسالة عن أن جميع أولاد بن لادن وزوجته أم حمزة وصولوا إلى داخل الأراضي الإيرانية بعد 2001 . وكانت السلطات الإيرانية قد احتجزت أولاد بن لادن في مجمع سكني لأكثر من ثماني سنوات .

وفي رسالة مؤرخة بتاريخ 17 رمضان 1431 هجرية ، كتب بن لادن إلى الشيخ محمود الليبي عطية عبد الرحمن، قائلا : \"بخصوص ما ذكرتم في رسالة سابقة بأنه قد يذهب بعض الإخوة إلى إيران ضمن خطة المحافظة على الإخوة ؛ فإنني أرى أن إيران غير مناسبة \", بينما كان بن لادن في رسالة سابقة نشرتها الشرق الأوسط ، أرسل تعليمات إلى ابنيه محمد وعثمان بعدم مغادرة إيران للشريط القبلي بسبب غارات طائرات ( الدرون ) الأميركية من دون طيار التي استهدفت العشرات من عناصر ألقاعدة .

وبتاريخ 11 حزيران 2009 أرسل خطاب من قبل قيادي في تنظيم القاعدة يدعى \"عطية الليبي

يشير فيه أسامة بن لادن : \"أخبرنا الأخ عبد الله الحلبي عبد اللطيف بأن أسرته في إيران وهي في طريقها للمجيء الى الباكستان \". و في خطاب يعتقد بأنه يعود لعام 2009 أيضا يقول فيه بن لادن :\" لقد سمحت ايران بالخروج لبعض الإخوة من إيران والذهاب الى سوريا على أساس أظهار حسن النية لبقية المعتقلين \".

و يتضح من قرار الحكم الصادر عن محكمة في نيويورك كانون الأول 2011 أن إيران دربت نشطاء من القاعدة الذين ساعدوا من بين ما ساعدوا به في شن الهجمات الإرهابية على السفارات الأمريكية في نيروبي ودار السلام 1998 . ويشير تقرير اللجنة الأمريكية بخصوص التحقيق في احداث 11 أيلول 2001 أن المعتقلين الذين تم التحقيق معهم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أبلغوا أن إيران وافقت على مرور نشطاء القاعدة فوق أراضيها في طريقهم الى أفغانستان .

لذا باتت العلاقة مابين ايران والقاعدة بالعلاقة المزدوجة والمركبة تشترك في عدائهما للولايات المتحدة الأميركية وإفشال مشروعها في الشرق الأوسط ، من خلال الاشتباك المباشر معها على الأرض عسكريا واستخباريا وكذلك من خلال حلفائها من داخل دول النزاع .

المراقب الى تاريخ هذه العلاقة ان إيران حرصت طول هذه السنين على عدم إعطاء اي دليل ضدها في تورطها مع تنظيم القاعدة والذي يعتبر انتهاك الى قرارات الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الإرهاب ، والأكثر من ذلك فهي لعبت ، لعبة الشاطر مع الولايات المتحدة ، فمنذ عام 1979 ولحد الآن لم تعطي إيران الفرصة للولايات المتحدة والغرب لتوجيه اي ضربة عسكرية ولتجعل من مفاوضاتها المارثونية حول ملفها النووي أسلوب لتشتيت المفاوض الأوربي وتخفيض شدة ردود الفعل الأميركية ولتؤكد بأنها لا تتقيد بحدودها الجغرافية كقوة إقليمية في المنطقة .