يد أمريكا هي العليا في اليمن
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 28 يوماً
الجمعة 17 فبراير-شباط 2012 04:01 م

-1-

سقطت حكومة الوفاق الوطني في اختبار السيادة، عندما قررت أن تسمح للسفير الأمريكي في صنعاء الأسبوع الماضي على شاشة الفضائية اليمنية الاعتراض على طلبات الصحفيين اليمنيين بالإفراج عن سراح الزميل الصحفي عبد الإله حيدر المعتقل في سجن الأمن السياسي منذ أكثر من عام ونصف في ظروف صحية صعبة للغاية، والتي قال فيها المندوب السامي الأمريكي: إن “الصحفي عبد الإله حيدر معتقل في قضية جنائية وليس في قضية رأي”، لم تكلف الحكومة نفسها عناء التعليق على تصريحات السفير، ولم تجرؤ على القول: إن ذلك أمر يقرره القضاء اليمني المعتقل هو أيضاً من قبل الإدارة الأمريكية، والذي استخدم كثيراً لتلبية الرغبات الأمريكية في عقاب المواطنين اليمنيين، وكيل الاتهامات جزافاً للأصوات المناوئة للاعتداءات الأمريكية على السيادة اليمنية، وتنفيذ هجمات عسكرية في الأراضي اليمنية، ضد ما تقول عنه إدارة الرئيس أوباما، إنها عناصر إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة، على الرغم من سقوط عشرات الضحايا المدنيين من النساء والأطفال في تلك الهجمات، التي تمت بتواطؤ من قبل النظام وأجهزته الأمنية، وسكوت مخزٍ من قبل الأحزاب السياسية في البلاد.

-2-

موقف الحكومة التي أصبحت اليوم مقسومة بالتساوي بين المؤتمر الشعبي واللقاء المشترك الذي أوصلته ثورة الشباب السلمية للسلطة، لا يمكن وصفه إلا بالمخزي والضعيف والمتخاذل، حيث تحاول أحزاب المشترك (الثورجية) النأي بنفسها عن قضية الصحفي حيدر، حتى لا تجرح مشاعر سفير بلاد العم سام أو تثير غضب الساكنين في البيت الأبيض، ويبدو أن شعارات الحرية ورفض الوصاية والتدخل الخارجي في شؤون اليمن واليمنيين التي رفعتها الأحزاب خلف شباب الثورة لم تكن إلا من باب ذر الرماد على العيون، وإخفاء الوجه القبيح لتلك الأحزاب، من أجل وصولها للسلطة، على أكتاف الثورة وشبابها.

ليس سراً على أحد أن اعتقال حيدر وإجراءات محاكمته الصورية وغير القانونية، أمام محكمة غير دستورية، مع عدم تمكينه من الدفاع عن نفسه، ورفض تسليم محاميه ملف القضية، تم بطلب ورعاية أمريكية، بسبب انزعاج الإدارة الأمريكية من النشاط الصحفي المتميز لحيدر في تغطية أخبار الحرب الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب في اليمن، خاصة أنه استطاع من خلال عمله الدؤوب والمستمر من كشف العديد من الانتهاكات الأمريكية لقضايا حقوق الإنسان في حربها تلك، وكان الصحفي الوحيد الذي أوضح للعالم عن حقيقة جريمة الغارة الأمريكية على منطقة المعجلة في محافظة أبين، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال في أواخر شهر سبتمبر عام 2009م، واستخدمت فيها أسلحة محرمة دولياً، كما أكدت ذلك تقارير منظمة العفو الدولية، وهي العملية التي دشن فيها النظام مع إدارة أوباما وجهازه الاستخباراتي مرحلة السماح للقوات الأمريكية بانتهاك السيادة اليمنية، وتنفيذ عمليات إعدام واسعة لليمنيين خارج إطار القانون.

-3-

في مطلع العام الماضي أصدرت محكمة أمن الدولة حكماً بسجن حيدر خمس سنوات، ومنعه من مغادرة صنعاء، ووضعه تحت المراقبة لمدة عامين، وبعد ذلك أصدر الرئيس صالح قرار عفو رئاسي عن الصحفي عبد الإله حيدر، غير أن ذلك القرار لم يطبق بسبب اعتراض الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الأمر الذي كشف عن حقيقة مفادها أن اليد الأمريكية كانت ومازالت هي العليا في اليمن، فقد تراجع صالح عن قراره، وهاهي حكومة الوفاق الوطني المشترك العام تؤكد تلك الحقيقة عن ارتهانها لإرادة الخارج وبشكل كلي، وتصم آذانها عن الاستماع للأصوات المطالبة بإطلاق سراح الصحفي حيدر، الذي يعاني صعوبات صحية جمة، وبدأ في تنفيذ إضراب مفتوح عن الطعام والشراب احتجاجاً على استمرار اعتقاله غير القانوني.

-4-

منذ اعتقال حيدر في 16 أغسطس 2010 من منزله بطريقة همجية وعدوانية وإخفائه لأكثر من شهرين في سجون الأمن القومي، ونقابة الصحفيين والعديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تنظم فعاليات احتجاجية للمطالبة بالإفراج عنه، أو إعادة فتح قضيته قضائياً في ظروف أكثر عدالة وإنسانية، لكن تلك الجهود دوماً ما كانت تواجه حاجز صد أمريكي متعنت، لا يحترم أي من أساسيات حقوق الإنسان أو المواثيق الدولية الإنسانية، وفشلت كل تلك الجهود في حشد دعم أي من الأحزاب السياسية اليمنية التي لا ترغب في الخروج عن الخط الأمريكي، في قراراته الجائرة وجرائمه ضد اليمنيين، التي لا يقرها شرع ولا دين ولا منطق.

 باتت حياة الصحفي حيدر مهددة، ووصلت لمرحلة الخطر، والتي ربما تؤدي إلى وفاته في حال استمر بالإضراب الذي جعله في تدهور مستمر صحياً ونفسياً، ولم تلتفت أية جهة لحالته الصحية بسبب إضرابه عن الطعام، ويبدو أن الجميع لن يلتفت لحالته، ومن غرائب الأمور في هذا البلد أن اجتماعاً تضامنياً عقد أمس الأول في نقابة الصحفيين، ضم عدداً من أعضائها وناشطين حقوقيين، وبعد نقاش مستفيض قرر أن يدعو الزميل الصحفي المعتقل لتأجيل إضرابه عن الطعام، حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية، لعل وعسى أن تستجيب الحكومة والرئيس لليمن الجديد لمطالب الإفراج عنه.

-5-

يحيى علي الذيب - جندي في الحرس الجمهوري - كان من أوائل الجنود الذين انضموا للثورة الشبابية السلمية، اختطفته عناصر من الحرس الخاص في جولة المصباحي بشارع حدة، وتم إخفاؤه قسرياً، تخشى أسرته على حياته، وتواصلت مع العديد من الوزراء للتدخل لدى قائد الحرس الخاص للكشف عن مصيره وإطلاق سراحه، لكن دون جدوى.

- هناك الآلاف من شباب الثورة مختطفون ومعتقلون لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية، خارج إطار القانون، وكان شرطاً من شروط منح صالح وأسرته ومن عملوا معه الحصانة القضائية أن يتوقفوا عن ارتكاب الجرائم الإنسانية بحق اليمنيين، هذا الكلام موجه للدول الراعية للمبادرة، فهي ربما قد تهتم بهذا الملف.

الحرية لكل المعتقلين والمخفيين قسرياً في سجون بقايا النظام بشقيه.

alzorqa11@hotmail.com