اسطنبول مدينة تعانق قارتين
بقلم/ الخيمة
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 18 يوماً
الثلاثاء 08 إبريل-نيسان 2008 05:11 م

إسطنبول التي حظيت ببشرى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بالحديث الشريف: "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" (رواه الإمام أحمد في مسنده)، حاول المسلمون فتحها وحاصروها إحدى عشرة مرة، وكان الأول في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة (34هـ – 654م) وتحت أسوارها دُفن الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه. ومن ثم حاصر المدينة معاوية بن أبي سفيان ومن بعده ابنه يزيد والخليفة سليمان بن عبد الملك، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل، وعلى الرغم من كل تلك المحاولات لفتح القسطنطينية والتي لم يُكتب لها النجاح فقد ظل الاستيلاء على هذه المدينة حلماً يداعب خيال المسلمين، وأملاً يراود نفوسهم، وأمنية تجيش في صدورهم حتى استطاع السلطان العثماني "محمد الفاتح" أن يحقق ذلك الحلم بعد عدة قرون من الزمان ويفتح القسطنطينية، ورتّب أمور المسلمين والمسيحيين فيها، وجعلها عاصمة الخلافة العثمانية، وأطلق عليها اسم (إسلام بول) أي مدينة الإسلام، واستمرت عاصمة الخلافة العثمانية، إلى تأسيس الدول التركية الحديثة في عام 1923 على أيدى مصطفى كمال أتاتورك فنقلت العاصمة إلى أنقرة.

وإسطنبول أشهر المدن التركية وتتميز بخاصية فريدة من نوعها نادرا ما تجدها في مدينة أخرى فهي تعانق قارتي آسيا وأوروبا. وتتميز بطبيعة خلابة ومناخ معتدل وتعتبر قبلة سياحية مهمة للسياحة العالمية والعربية، وتسهم بأكبر نصيب من الدخل السياحي لتركيا.

إسطنبول هي عاصمة الإمبراطورية البيزنطية والعثمانية وكانت تعرف من قبل بالقسطنطينية في العهد البيزنطي وتقع على مضيق البوسفور الذي يربط بحر مرمرة بالبحر الأسود وتمزج المدينة بين روعة الفن المعماري لحضارتي الإسلام والمسيحية، فقد كانت معقل الخلافة الإسلامية في عهد الدولة العثمانية كما أنها حافظت على كونها مقرا لبطرياركية الروم الأورثوذوكس كما يوجد بها جالية من اليهود ومعابد خاصة بهم مما جعلها رمزا لتعايش الأديان والحضارات.

وتحتوي إسطنبول على العديد من المساجد والكنائس والقصور والمتاحف والأسواق القديمة، أشهرها مسجد الأياصوفية مسجدي السلطان أحمد (الأزرق) والسليمانية ويتميز متحف التوبكابي الذي كان قصر الحكم في عهد الدولة العثمانية بتحف نادرة لا تقدر بثمن وأشهر مقتنيات المتحف ما تسمى بالأمانات المقدسة التي تضم بعض ملابس النبي محمد صلى الله عليه وسلم وشعرات من لحيته وسيفين من سيوفه وقوسه وسيوف بعض الصحابة الكرام مثل عمر وأبو بكر وأول نسخة للمصحف الشريف وعصى موسى وسيف داود وقدر إبراهيم عليه السلام وكم كبير من المجوهرات والآثار القيمة ومقتنيات السلاطين.

ضريح ومسجد أيوب (أبى أيوب الأنصاري)

تم تشييده في عهد السلطان محمد الفاتح وبعد فتح مدينة القسطنطينية وذلك بعد بحث دقيق بوساطة معطيات ووثائق تاريخية لإيجاد قبر الصحابي الذي أستشهد في أول حرب شنه المسلمون بهدف فتح المدينة، ويتضمن المسجد ضريح الصحابي أبي أيوب الأنصاري، وتم تسمية الحي الموجود فيه المسجد بحي أيوب نسبة لهذا الصحابي الجليل.

ميدان تقسيم وشارع استقلال

إذا كانت إسطنبول هي القلب النابض للدولة التركية فتقسيم هو قلب إسطنبول، فهو مركز المدينة ويسهل التنقل منه إلى أي مكان فيها، ويوجد الكثير من الفنادق على مختلف أنواعها من الفخمة ذات الخمس نجوم حتى الفنادق العادية، وتنفتح على هذه الساحة شارع إستقلال الذي يعج بالناس طيلة الليل والنهار، ويعتبر هذا الشارع سوقا ومركزا ثقافيا في ذات الوقت، حيث أن على طول الشارع من الممكن إيجاد المقاهي إلى جانب المحال التجارية، وكل مقهى يمتاز بصفة مختلفة منه الذي يحمل لمسات فرنسية ومنه الذي يحمل صفات المقهى التركي التقليدي وقدم النارجيلة (الشيشة)، ومن الممكن مصادفة سياح من كل دول العالم في هذا الشارع، وفي الأزقة الجانبية للشارع يوجد الكثير من الملاهي الليلية على اختلاف أنواعها.

المسجد الكنيسة أياصوفية

أما مسجد أياصوفية الذي يقع على مقربة من متحف توبكابي يعتبر من أروع التحف المعمارية حتى يومنا هذا فقبته الكبيرة التي يبلغ قطرها 30 مترا مازلت تحافظ على مرتبتها الأولى في قائمة أكبر القبب في العالم، شيدت أياصوفيا ككنيسة في عهد الإمبراطور البيزنطي جستينيان في القرن الخامس الميلادي وتم تحويلها إلى مسجد في القرن الخامس عشر وبالتحديد في 29 مايو عام 1453 عندما فتحت القسطنطينية في عهد السلطان محمد الثاني تم تحويل كنيسة اياصوفيا إلى مسجد ورفع فيها الآذان في ظهر نفس اليوم الذي فتحت فيه القسطنطينية وقدم السلطان محمد للصلاة فيها وتم فيما بعد إضافة المئاذن إلى المبنى الرئيسي وتم تحويلها إلى متحف في الثلاثينيات من القرن الماضي، ومازالت وجهة سياحية مهمة في مدينة إسطنبول.

المسجد الأزرق

المسجد الأزرق الذي شيد في قرب الأياصوفيا في عهد السلطان أحمد الأول يعتبر من أروع الأثار المعمارية التي بناها العثمانيون في إسطنبول، لون القيشاني الأزرق الذي يزين حوائط المسجد كان سبب تسميته بالمسجد الأزرق، وتمثيلا لأركان الإيمان الستة تم تشييد ستة مئاذن على أطراف المسجد.

مسجد السليمانية

من أروع المساجد الإسلامية الخالدة تم تشييده في عهد السلطان سليمان القانوني وتم دفن السلطان سليم الأول في حديقته جلبت قطع المرمر المستخدمة في بنائه من اليمن والجزيرة العربية ومنطقة مرمرة ويتضمن ويحتوي على أربعة مئاذن وهو من أهم المساجد العثمانية في إسطنبول.

مضيق البوسفور

يقسم المضيق إسطنبول إلى شطرين الأوربي والآسيوي ويعتبر معبرا ذو أهمية حياتية لدول البحر الأسود حيث أنه يربط هذه الدول بباقي العالم ويربط البحر الأسود ببحر مرمرة، ويمتاز هذا المضيق بجمال آخاذ فريد من نوعه وتم تشييد العديد من لقصور والبيوت الفخمة منها قصر دولما باتشا الشهير والمقاهي والمطاعم على ضفافه ويربط القارتين جسرين كبيرين يعبران فوق مضيق البوسفور وهما جسر محمد الفاتح وجسر البوسفور.

السوق المسقوف

أكبر الأسواق المسقوفة في العالم يحتوي على أكثر من 4000 محالا تجاريا بأحجام مختلفة وهو من أقدم الأسواق في العالم وما زال من أهم المعالم السياحية في إسطنبول ويقصده السياح من كل أنحاء العالم. ويعج هذا السوق بالمنتجات التركية التقليدية من السجاد والمشغولات النحاسية والزجاجية كالأباريق والمصابيح والصحون المنحوتة والمحفورة وصحون الخزف المزخرف بالأشكال الإسلامية والتي يغلب عليها اللون الأزرق فضلا عن المصنوعات الجلدية ومحال الذهب والفضة. ورغم تشابه هذا السوق ببزار خان الخليلي الشهير في قلب القاهرة القديمة إلا أنه ينفرد بميزة لا مثيل لها وهي أن هذا السوق يبدو كالمتاهة فبمجرد الدخول فيه تجد نفسك تائه في دروب وطرق وشوارع متشعبة ومتفرعة وكلها مفتوحة على بعضها البعض وتحيط بك المحال من كافة الاتجاهات ولا تدري أين تتجه ولا يسعك عندها إلا أن تطلق لقدميك العنان تقودك إلى ما تقع عيه عينك.

ويمكن السائح أن يستمتع بالتسوق وبجولة فريدة في هذا السوق ويتناول كوبا من الشاي أو فنجانا من القهوة التركي في عقر دارها في أحد المقاهي المنتشرة في السوق.

ليلة من ألف ليلة بين الرقص الشرقي والفلكلور الصوفي

واسطنبول مدينة لا تنام والسائح يستطيع أن يجد فيها المتعة ليلا أو نهارا وبالإضافة إلى رؤية المعالم الأثرية من مساجد وكنائس ومتاحف وقصور تاريخية وأسواق قديمة يستطيع السائح التسوق في الأسواق والمولات الحديثة كما يمكنه ارتياد المطاعم والمقاهي والمنتزهات المنتشرة في أماكن مختلفة في المدينة وبعضها مطاعم ذات مناظر طبيعية وبانورامية مميزة للمدينة ويمكن القيام بجولة بحرية وتناول الغداء أو العشاء على متن إحدى السفن في جولة بحرية في مضيق البوسفور كما يمكن التمتع بسهرة شرقية في أحد الملاهي الليلية ومشاهدة الرقص الفلكلوري التركي بالاضافة إلى الرقص الشرقي الذي تشتهر به تركيا ويحرص الكثير من السائحين والأجانب عليه بوصفه من المقومات الثقافية التي تعكس الوجه الشرقي لتركيا وكثيرا ما يرتبط في أذهانهم بتراث ألف ليلة وليلة فضلا عن الفلكلور الصوفي.

الميهانات وألذ مأكولات الأتراك

ولن يفوت الزائر تذوق مأكولات المطبخ التركي المميزة والذي يشتهر بالشيش كباب والأسماك والمأكولات البحرية والمعجنات والحلويات التركية وعلى رأسها راحة الحلقوم ويمكن للزائر أن يتناول في المطاعم الشعبية التي يطلق عليها الميهانات ما لذ وطاب وحسبه أن يتبع حاسة الشم لتقوده إلى الروائح الشهية المنبعثة من طواجن الخضروات المطبوخة مثل الباذنجان والفاصوليا وأطباق الكبد الألباني الغني بالتوابل والكفتة البلقانية والمزة المشرقية والمشويات والحلويات الشركسية والكردية وأطباق الجوز القوقازية وأسماك بحر إيجه ومرمرة.