الطحن منذ 30 عام
بقلم/ موسى النمراني
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 20 يوماً
السبت 19 يوليو-تموز 2008 09:20 م

بعد أن طحنت ثمانية أشهر ثلاثة رؤساء جمهورية في الشطر الشمالي لليمن، جاء الرائد علي عبد الله صالح إلى كرسي الرئاسة، ليطحن ثلاثين عاما من عمر الشعب اكتملت اليوم بالتمام والكمال.

ثلاثون عاما مرت بها اليمن في حكم الجندي، ثم في حكم الشيخ القبلي، ثم في حكم الرجل صاحب الميول الدينية مؤقتا، وأثناء كل ذلك هي في حكم الرجل الدكتاتور صاحب الصلاحيات المطلقة، الممسك بمفاصل الجيش والقضاء، كقائد أعلى للجيش ورئيس لمجلس القضاء الأعلى، وأمين عام للحزب الحاكم، ثم رئيسا له إلى جانب رئاسته للبلاد طبعا، ولشركاته الخاصة حديثة التأسيس.

أعلن علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية في مثل هذا اليوم السابع عشر من شهر يوليو من عام ألف وتسعمائة وثمانية وسبعين، وعاصر السلاطين والملوك في دول الجوار، ورآهم بجواره يعزلون ويموتون ويستلمون العهد ويسلمون العهدة، وبقي هو القائد العسكري المنتخب ديموقراطيا، وهو القائد المطاع عسكريا، وهو ولي الأمر المطاع بأمر الله، بعيدا عنا هو كبير الأسرة، وقريبا منا هو الرجل الذي يمكنه أن يتبادل الحكم مع نفسه أو بالأصح مع مراحله الشخصية، التي مر بها منذ أواخر القرن الماضي، ودخل بها مفتتح الألفية الجديدة، بنفس الأدوات التي استخدمها في القرن الماضي، لا يلمس الناس أي تغير في شخصية الرجل الشهم صالح، إلا أن وجهه أمسى أكثر امتلاء وصوته أعلى، وأعصابه متوترة والذين كانوا ينعمون بجواره، صاروا يتمنون شراء أنفسهم بالبعد عنه، والذين كانوا سواعده أضحوا يترقبون نهاية النهار.

لم يكن الرئيس اليمني يحلم بالكثير من الوقت أو المتعة في الحكم، كان فقط يغامر للحصول على بضعة سنتمرات في كتب التاريخ، تتحدث أن رجلا مر من هنا ومضى، لكنه فيما يبدو أحب الاستحواذ على سنتمترات أخرى في كتب التاريخ، وتفتحت عينه على سنتمترات أخرى في أرصدة البنوك.

تحدث الجميع هذا اليوم عن مناسبة "عبور" فخامته لحاجز الثلاثين، حتى أصبح الكاتب يستحي من تكرار الحديث وتكرار الموقف وتكرار مضغ علكة الرئيس، رغم أنه يمثل للجميع مادة ثرية جيدة التصنيع، تصلح للاستهلاك وإعادة الاستهلاك، ومن ثم إعادة التصنيع، كأفضل وجه يمني صالح للحب والتقديس من جهة المحبين والمقدسين، وصالح أيضا للتندر من جهة أخرى للمتندرين.

بكامل جديته يقول "حسن"مهندس مواقع الإنترنت، إن الرئيس هو هبة من الله للشعب، ولو لم يكن الله راضيا عن الشعب لما أهداهم هذا الرئيس طوال هذه الفترة، ودلل على أن الرئيس هو الأفضل بأن له بيتا في وسط بيوت الناس، وكان يشير إلى منزله من نافذة المكتب، إلا أن زميله الذي ينتمي إلى قبيلة لا تزال متمسكة بعاداتها القبلية، كان أحرجه عندما قال له إن فخامة الرئيس يملك هذا البيت لكنه لا يسكنه، وعندما أشرت إلى سرب من المتسولات، كان مفاجئا عندما قال لي إن هؤلاء يتسولون كهواية سيئة رغم أن "الدولة" تعطيهم مرتبات وتوظفهم في "جمع القمامة"!

علي الظرافي مدرس رياضيات، قال لي متندرا، هذا الرئيس نقلنا من مرحلة إلى مرحلة أخرى، ولولاه لما كنا في هذا المستوى، ثم سألني هل تلاحظ ما نحن فيه من خير؟ واستطرد: الكهرباء لا تنطفئ، واكتمل توصيلها لما نسبته سبعين بالمائة من البلاد كانت محرومة من الكهرباء، وحتى سكان العاصمة لن يعانوا من الانقطاعات التي ستحدث في الكهرباء من أجل إضاءة جامع الرئيس، قال له آخر: والشوارع نظيفة، ولا يأتي أشخاص لتحفيرها ثم تركها بدون إصلاح، رد عليه: نعم والمدارس صالحة للتعليم، والمعامل على خير مايرام، استمر التندر فيما بينهما طويلا كعادة شعبية لتفريغ الغيض، لكنه عندما قال "على خير ما يرام" تذكرت عنوانا قرأته صباح اليوم في صحيفة حكومية "ثلاثون عاما.. كل شيء على مايرام"!

ربما يكون كل شيء هو فعلا ما يرام، ولكن فعل "يرام" المبني للمجهول، ربما يكشف أشياء كثيرة عمن يروم هذا الوضع البائس، الذي يعيشه عشرون مليون يمني غالبيتهم تعيش تحت خط الفقر، وأثناء الانتخابات يقوم من يعيشون تحت خط الفقر بمنح أصواتهم رخيصة لأولئك الذين يلعبون باحتراف فوق خط الفقر.

بعيدا عن الديموقراطية ومفردات التنمية والتحديث، يرى الرئيس أن الحكم هو لعبة توازنات يشبهها بالرقص على رؤوس الثعابين، وربما يكون التوريث أخطر رقصات الرئيس، ولعل من المناسب التذكير بأن الذكرى الثلاثين تأتي بعد أن استراح الرئيس بأن أوصل الصحفي عبد الكريم الخيواني إلى السجن، وهو أول صحفي يفتح ملف التوريث ولا يزال يدفع الثمن.

وكتعبير عن احتفاله بعبور حاجز الثلاثين، أعلن الرئيس عن انتهاء الحرب مع الحوثيين، نهاية غير مبررة تماما كما كان إعلان الحرب غير مبرر؛ وبشكل جعل الكثيرين يتساءلون عن هذه الحرب التي يعلنها الرئيس ويوقفها الرئيس، كما لو كانت مباراة كرة قدم، هل الرئيس هو اللاعب الأساسي في هذه الحرب، ولا يقوم الطرف الآخر إلا بعملية رد الفعل، التي يعرف الطرف الأقوى حجمها ومكانها، وأبعادها أيضا؟

هو الرقص على رؤوس الثعابين فيما يبدو، غير أنها هذه المرة مع ثعابين المذهبية والطائفية، التي غذاها فخامته بدلا من تغذية النزعات المدنية!!

ربما أصبحت رقصات مرهقة لرجل تجاوز العمر الافتراضي، وصار لزاما عليه أن يسير الهوينا، حتى لا يسقط في الحفر التي عمل على تعميقها دون دراية أنه سيمر عليها في إعادة إنتاج الطريق، طريق الدائرة المفرغة التي يتخبط فيها غالبية الدكتاتوريين، الذين يحكمون من أجل الحكم، ويقمعون الشعب من أجل القمع، ويجمعون المال من أجل الجمع، ثم يموتون دون أن يدري أحد بأرصدتهم السرية التي تذهب لاحقا لإنقاذ حياة القطط والحيوانات النادرة.

بعد ثلاثين عاما من رقص الرئيس على رؤوس الثعابين -وهو من وصف حكم اليمن ذات مرة بأنها تشبه الرقص على رؤوس الثعابين، ترى أي ثعبان سيكون صاحب الرقصة الأخيرة؟ .