الأمم المتحدة.. سقوط قانوني وأخلاقي كبير
بقلم/ رشاد المخلافي
نشر منذ: 5 سنوات و 4 أشهر و 8 أيام
الخميس 11 يوليو-تموز 2019 06:05 م
 

من الواضح أن تعاطي المنظمة الأممية في كثير من القضايا والأزمات الدولية وتحديدا في القضايا العربية ومنها القضية اليمنية على وجه الخصوص لم يكن حياديا ولا نزيها البتة، ويفتقد للمصداقية بشكل كبير،

فالتعاطي الأممي في القضية اليمنية وفي مجمل القضايا والأزمات العربية دائما ما يأتي مصحوبا بأجندات ومشاريع ذات أطماع استعمارية (بريطانية - أمريكية - غربية) ويخضع لإملاءاتها وسياساتها بشكل كامل.

والتدخل الأممي في إدارته للملفات العربية الساخنة دائما ما يكون موجها لضرب إرادة الشعوب العربية بدرجة رئيسية؛ ويعمل على تمييع قضاياها المصيرية وإسقاط خياراتها الوطنية والقومية والإنسانية العادلة وتطلعاتها المستقبلية المشروعة.

لم تعد المسألة مجرد شكوك أو استنتاجات قد يخلص إليها أي قارئ أو مراقب عربي هنا أو هناك، وإنما باتت حقيقة مكشوفة لدى الجميع، مخيبة لآمال الشعب اليمني والشعوب العربية بشكل كبير، فتدخلها الكارثي يتجرع مرارته ويعاني تبعاته المواطن العربي بصورة مباشرة وبشكل يومي، وهو ما أكدته الأحداث والوقائع على الأرض في تعاطيها غير الأخلاقي بأكثر من ملف عربي ساخن، لقد تعرى النفاق الأممي بشكل فاضح على مدى الثلاثة العقود الماضية ولايزال يكشف الكثر من جوانب وجهه القذر حتى اليوم.

وطريقة إدارتها للملفات العربية الساخنة في اليمن وسوريا وليبيا وقبلها في العراق وفلسطين تثير الكثير من التساؤلات ؟، إن سياسة الكيل بمكيالين التى تنتهجها المنظمة وممارسات مبعوثيها العبثية وتجاوزاتهم الخطيرة تشكل اليوم تهديدا جديا لمصير الدول ومستقبل شعوبها، وتمس بالسيادة الوطنية لتلك الدول بشكل مباشر؛ كما يحدث في الملف اليمني، وهو ما خلق حالة استنكار وسخط ورفض ضد تدخلها المدمر لدى الشارع اليمني والشارع العربي بشكل واسع وغير مسبوق. 

يبدو أن الأمم المتحدة في ظل انفراد القطب الأحادي وهيمنته على السياسة الدولية، تجاوزت دورها الذي حددته المعاهدات والمواثيق التي أنشأت من أجلها المنظمة، فتعاطيها اليوم للملف اليمني والملفات العربية يتعارض كلية مع طبيعة مهامها واختصاصاتها الأساسية التي حددها ميثاق المنظمة، وأصبح يتخذ بعدا آخر ضمن لعبة الأطماع السياسية الدولية في ظل عودة التنافس المحموم على الهيمنة والنفوذ.

وفي ظل السقوط القانوني والإنساني الذي وصلت إليه المنظمة الأممية، هاهي   تمارس الاستثمار غير الأخلاقي للمعاناة الإنسانية بصورة مخزية ومفضوحة، وبات دورها يشكل أحد العوامل المساهمة في إطالة أمد الحروب والصراعات، ويساهم في تغذيتها إلى حد كبير، بل ويشكل أحد الأسباب الرئيسية في تعميق الأزمات وفي تفاقم المعاناة الإنسانية بشكل خطير.

هناك قناعة كبيرة تولدت لدى الشعب اليمني بشكل خاص والشعب العربي عموما بخطورة التعاطي الأممي وخطورة استمراره في إدارة الملفات العربية الساخنة، في ظل إصرار المنظمة عبر مبعوثيها على إغراق المجتمع اليمني والمجتمعات العربية في مزيد من الصراعات والأزمات الطاحنة، ومساعي هؤلاء المبعوثين الحثيثة نحو خلق مزيد من الانقسام والتشظي، من خلال دعمهم المستمر للأدوات المحلية المنفذة لمشاريع التقسيم والشرعنة لها.

بات الشارع اليمني والشارع العربي يدركان تماما أن التعاطي الأممي في أكثر من بلد عربي يحمل أهدافا وأجندات أخرى غير معلنة تشكل في مجملها سياسات ومشاريع استعمارية لدول النفوذ العالمية التي تسعى لتغيير الخارطة العربية والمنطقة وفق سايكس بيكو جديدة لتقسيم الدول والمجتمعات العربية طائفيا ومناطقيا وجهويا في كيانات منفصله (كنتونات صغيرة سهلة السيطرة) من أجل فرض نفوذها ووصايتها عليها عبر البوابة الأممية، ويأتي استخدام الأذرع المليشاوية الشيعية الإيرانية التي تحظى بدعم غربي كأحد الأدوات المنفذه للمشروع (الأمريكي - البريطاني - الغربي) في المنطقة للقيام بالتدمير الممنهج لنسيج المجتمعات العربية وتفكيك دولها، وهذا المخطط يسير منذ سنوات بدعم إيراني وبضوء أخضر(أمريكي -بريطاني -غربي - وغطاء أممي كبير ) ، لقد تعرى الدور الأممي تماما في أكثر من قضية وبلد عربي وكشفت أوراقه ودوافعه الحقيقية وأهدافه الخبيثة أمام شعوب المنطقة.

ولدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها سجل سيئ وتاريخ غير مشرف في تعاطيها غير النزيه في القضايا العربية، وتعد التجارب الأممية في إدارتها للملفات العربية غير مشجعة على الإطلاق، فالتدخل الأممي في مجمل تلك القضايا لم يفض إلى أي سلام حقيقي أو استقرار سياسي طبيعي؛ بل على العكس دائما ما يكون موجها بإرادة الدول الكبرى، ليساهم في تعميق الأزمات أكثر، ويوسع من دائرة الصراعات المسلحة ليشمل أطرافا جديدة أخرى بهدف خلط الأوراق لخلق مزيد من التعقيد على المشهد الداخلي للدفع بها نحو مزيد من التدهور والتفكك والانقسام والتشظي تمهيدا للتقسيم، وهذا ما يعكسه الدور الذي تضطلع به المنظمة وطبيعة نشاط مبعوثيها ومساعيهم الحثيثة في الحفاظ على المصادر المغذية للصراعات والحروب وديمومتها والاستثمار فيها.

ولعل الدعم الكبير الذي تحصل عليه الأدوات المحلية المنتجة للحروب والمعاناة الإنسانية كما يحدث في اليمن عبر المبعوث سيئ الصيت (مارتن جريفيثس) وانحيازه السافر ودعمه اللا محدود لمليشيا الحوثي الانقلابية الطائفية ومساعيه للحفاظ عليها كلما شارفت على الانهيار؛ بل ويتعدى ذلك إلى محاولة شرعنتها وإطلاقه عليها صفة (سلطة الأمر الواقع!؟) على حساب معاناة شعب ودولة وشرعية دستورية منتخبة معترف بها محليا وإقليميا ودوليا، وهو ما يكشف حقيقة التوجه الأممي وتواطؤه في كل الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب اليمني على يد مليشيا الحوثي وحلفائها.

لقد تحولت المنظمة الأممية والمنظمات الدولية التابعة لها إلى واجهة استعمارية ناعمة يمارس من خلالها الابتزاز والاستثمار بصورة فاضحة وعلى أوسع نطاق، وأصبحت أدوات تستخدم في إدارة الصراع وفق أجندات ومصالح الدول الكبرى، وتساهم بوضوح في خلق مناخات خصبة تهيئ لقيام حروب أشد وأعنف وطويلة الأمد.

لقد انكشف الوجه القبيح للمنظمة الأممية وتوجه مبعوثيها، ويأتي هذا طبقا لسيناريو ومخطط استعماري يستهدف إغراق الشعوب العربية في رحى الحروب ودوامة الصراعات والأزمات الطاحنة؛ من أجل استنزافها وإنهاكها أكثر، للنيل من سيادتها وسلامة مجتمعاتها، ووحدة ترابها الوطني؛ بهدف الوصول بها إلى مرحلة التسليم بمخطط التقسيم الذي يستهدف الإنسان والجغرافيا والتاريخ والهوية معا، وهو ما تقوم بتنفيذه أدواتها المحلية، كما يحدث في اليمن (مليشيا الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي والأحزمة والنخب) وعبر الوكلاء الإقليميين (إيران - الإمارات)، لفرض مشاريع السيطرة الاستعمارية في المنطقة وتحقيق أهدافها في الهيمنة المباشرة عليها، ونهب ثرواتها الوطنية لعقود قادمة.

والدور الذي يلعبه مبعوثو الأمم المتحدة في مناطق الأزمات والنزاعات المسلحة أصبح يشكل جزءا من المشكلة وليس الحل!؟، وهو ما يفضح نوايا المنظمة ويعري حقيقية توجهها المعادي لشعوبنا العربية.

الجدير ذكره أنه تم إعداد المبعوثين الأممين في دوائر سياسية واستخباراتية غربية، وهي نفس الدوائر التي تقوم بترشيحهم و(فرضهم!) داخل أروقة المنظمة الأممية وإرسالهم إلى البلدان التي تعاني ويلات الحروب والأزمات لتنفيذ مهام محددة.

ويعد مبعوثو الأمم المتحدة في البلدان العربية صانعي أزمات بامتياز، ومهندسي السياسات الاستعمارية (الأمريكية - البريطانية - الغربية)، ويلعبون أدوارا مهمة لتهيئة الأوضاع في سبيل إعادة صياغة خارطة المنطقة خدمة لأهداف الصهيونية العالمية.

لقد ساهم التدخل الأممي بشكل كبير في تدمير المجتمع والدولة في اليمن، وفي زيادة حجم المعاناة الإنسانية وشجع التدخل الإقليمي والدولي للعبث بالشأن الداخلي اليمني والعربي والشرعنة للأدوات المحلية التي تنفذ الأجندات الاستعمارية، ولعل ما يجري في العراق وسوريا واليمن، وبصورة مماثلة في ليبيا، شاهد حي على حجم المأساة التي خلفها التدخل الأممي غير النزيه وتمادي الوكلاء الإقليميين فيها، وهذا ما يؤكده خضوع المنظمة الأممية لسياسات وإملاءات دول النفوذ العالمية وتحديدا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.