شباب الحركة الإسلامية .. بين عاطفة الجماهير وحكمة التنظيم
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 11 يوماً
الإثنين 05 ديسمبر-كانون الأول 2011 07:55 م

وضعت المبادرة الخليجية حدا مؤقتا لكل عمليات الكر والفر بين الأطراف السياسية والعسكرية والقيل والقال بين الشعب المترقب للحسم الثوري .. جاء التوقيع ملبيا لطموحات السياسيين ومخيبا لأمال الثائرين الذين يرونها ليست بحجم أهدافهم المطالبة بغد يحكمنا فيه الشرفاء ويقبع فيه رموز الفساد والطغيان وراء القضبان..

لقد خابت أمالهم وهم يرون هدفهم يتحول عن مساره ووطنهم كأسا اختلط حليبه بخمره وعلى الشعب أن يتجرعه كدواء قد أثبتت التجارب فساد مكوناته وعدم جدواه .. ولكننا أمام هذا الإحباط الذي نشعر به علينا الإقرار أن ملعب السياسة تتحكم فيه عوامل وضغوطات لا ندرك خطرها ولها خفايا وأسرار لا نفقه شرها .. وأن عقول السياسيين تستوعب جيدا ما لا تدركه عقولنا نحن العامة من الناس .. وإنما هي آمال كنا ننشدها ونتمنى تحققها لما نشعر به من حرقة على دماء سفكت وقهر على أرواح أزهقت وإحساس مرير بأنه قد تمت المساومة على هذه التضحيات الكبيرة ! فأين هدف إسقاط النظام ومحاكمته من منحه نصف الحكم مع ضمانات بعدم ملاحقته ! وأين الحلم بأن تقر أعيننا برؤيتهم أذلة في السجون من حسرة انقلاب البصر وهم على الكراسي بكل جرأة ووقاحة ! وحتى لو أجتهد السياسيون في توضيح موقفهم وأنه جاء لدرء خطر اكبر ولتجنب فتنة اشر فقد لا يجدي ذلك نفعا فغالب الناس لا تحسن شنشتهم السياسية ولا تدرك حجم الضغوطات الإقليمية والدولية ولعبة المصالح الجغرافية والاقتصادية .. فالشاب التنظيمي والرجل العادي يدركان فقط أنهم في الساحات لشهور مضت بصدور عارية لرصاص الطغاة وبقلوب وجلة من هجمات الغزاة .. والمسئول نظام كامل لا فرد واحد .. وهنا لا أريد الخوض فيما حدث أو التبرير لجهة محددة فكلي ثقة أنهم يعلمون جيدا أن ذلك لم يكن بحجم أمالهم ولكنه الدخول من باب الاضطرار ونافذة الإكراه ..

ولكنني أقف أمام إصرار الشباب على البقاء في الساحات ورفضهم المبادرة وما منحته للنظام من تواجد وضمانات , والشباب هنا نوعان : الأول حر تنظيميا أي ليس له مرجعية سياسية وحزبية تقوم برسم ملامح برامجه وتحدد خطوات تواجده وإنما هو فرد وطني ثائر يريد أن يحقق لوطنه وأهله عزة وعدلا , فهو يسير وفقا لبرامج غيره وسيبقى بهم وينسحب معهم ! والثاني له انتماء تنظيمي نزل للساحة بناء على تكليف رسمي وهيكلة قيادية معروفة ولجان ميدانية تنفذ برنامجا محددا , وله مرجعية عليا تصنع قراراته الميدانية وفقا لمتابعات داخلية ومستجدات خارجية تفرض عليها صيغة القرار ونوعيته .. وهذا النوع أمام هذه المبادرة سيجد نفسه أمام مفترق طرق من حيث رفضها والبقاء في الساحات أو قبولها والانسحاب للمقرات .. فهو بناء على مرجعيته العليا التي وقعت هذه المبادرة عليه قبولها والخروج من الساحة فورا وهذا هو كمال الجندية وتحقيق أركان التنظيم الأخرى . وهو بتاء على مرجعيته الشعبية عليه رفضها ولا يرضى بغير سقوط النظام كاملا ومحاكمته وهذا قد يستلزم منه الإعلان عن عدم الاعتراف بتوقيع مرجعيته عليها والانسحاب من تمثيلها في الساحات خلال هذه المرحلة بالذات ..

وهنا يتبادر للذهن أن قيادة الحركة في اليمن ستجد نفسها في موقف لا يحسد عليه أمام خواص شبابها وعامة مناصريها وكيف ستتعامل مع بقائهم وقد ترأست حكومة البلاد ولو مناصفة مع الجلاد ! وكيف ستستطيع إقناعهم بما أقدمت عليه وهي تعلم أن مطالبهم لا تقل عن سقوط النظام ومحاكمته ! وحتى لو استخدمت حقها في وجوب طاعة أمرها الصادر للقواعد الشبابية ألا تخشى من أثر ذلك عليها مستقبلا وما قد يؤدي إليه من تخلخل في تماسك البناء التنظيمي والجماعي .. وستجد نفسها محرجة أمام تساؤل المغرضين كيف يستقيم أمر كيان قيادته ألزمت نفسها بميثاق وكوادرها ما زالت رافضة الاعتراف بهذا الاستحقاق , ولماذا الأزمة مستمرة والحياة متكدرة في ظل حكومة تترأسها المعارضة ! ولكني أمام هذا الارتباك أقول أن الحركة في اليمن قد بدأت تخوض غمار اللعبة السياسية باقتدار فهي تدرك اليوم هشاشة هذه المبادرة ! فكيف سيكون واقع الحكم وإدارة البلاد مع شريك ما زال يتمتع بكل عوامل التفوق عسكريا بقيادات الحرس الجمهوري والأمن المركزي والطيران وغيرها .. ولمن ستكون طاعة الوزير المؤتمري في تنفيذ القرار الوزاري لرئيسه الحكومي أم لرئيسه التنظيمي .. فالحركة ترى جيدا أن الوضع غير مستو ولا متوازن وأن النية قائمة على الغدر والبطش بهم .. وبهذا يكون قرار بقاء شبابها في الساحة صادرا من حكمة تنظيمية مقتدرة وله وجاهة سياسية معتبرة من أجل موازنة هذه القوة الباقية في ساحة المؤتمر الحاكم 100% . .

فهل يعني ذلك فشل المبادرة الخليجية .. أقول بكل ثقة نعم , لعدم صلاح النية .. فجراب الحاوي ما زال مملوءا بعقاربه وثعابينه