قوات فيلق بدر بملابسها السوداء
بقلم/ فتحي مجدي
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 16 يوماً
الخميس 01 مارس - آذار 2007 07:30 ص

: بعد نحو ثلاثة أعوام من اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وبعد عامٍ واحدٍ فقط من تأسيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" في المنفى، على يد "محمد باقر الحكيم"، تأسست ميليشيا "فيلق بدر" في إيران عام 1983م، بمبادرة من الاستخبارات الإيرانية، وبمعاونة بعض المنفيين العراقيين في إيران، أو المهاجرين إليها؛ بغية الاستفادة من أسر المئات من عناصر الجيش العراقي من ضباط وطيارين وجنود وأفراد من قبل القوات الإيرانية، لأهداف دعائية وسياسية وعسكرية واستخبارية تخدم الجانب الإيراني.

وعهدت إيران إلى "باقر الحكيم" الإشراف على الفيلق، وساعده لسنوات عدة،
"محمود الهاشمي"، أحد أعضاء مجلس القضاء الإيراني حاليًا. وكانت البداية بلواء انضم إليه من ارتضوا طائعين أن يكونوا رأس الحربة في محاربة نظام "صدام حسين" في العراق، ثم تحول إلى فرقة، قبل أن يصل إلى فيلق.

وأصبح "فيلق بدر"، قوة قتالية كبيرة تتألف من آلاف الشيعة، وعهد إليه لاحقًا متابعة الأسرى، والضغط عليهم، وإهانتهم، وتعذيبهم وتجنيدهم، وإغرائهم لطلب اللجوء السياسي، وإلحاقهم قسرًا، أو طوعًا بالاستخبارات الإيرانية للعمل ضد بلدهم.

ومما يرويه أحد الأسرى العراقيين, أنه وقع في الأسر عام 1981م، فأمضى أول سنتين من الاعتقال في مخيمات بمحيط طهران حيث كانت الحكومة الإيرانية ترسل "موفدين" عراقيين؛ لإقناعهم بالانقلاب على صدام حسين، وباعتناق المذهب الشيعي إن كانوا من السُّنة.

لكنهم- والكلام للأسير- بدأوا بعد عام 1982م، "يلجأون إلى العنف والتعذيب"؛ لإرغام الأسرى على الالتحاق بصفوف "فيلق بدر"، بهدف دعائي "فالإيرانيون يريدون القول: إن الأسرى لا يريدون العودة إلى العراق بسبب نظام صدام حسين القمعي".

وتراوح عدد مقاتلي "فيلق بدر" ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف عنصر، كان يقوم على تدريبهم ضباط وقادة من الجيش العراقي السابق، لتنفيذ عمليات في العراق عبر الحدود الإيرانية، عن طريق شبكة سرية شاركت بفعالية في الانتفاضة الشيعية غداة حرب الخليج الأولى 1991م.

التسلل للعراق

ومع الاستعداد لشن الحرب الأمريكية على العراق في مارس 2003م، بدأت عناصر الفيلق، الذي ينقسم إلى أقسام تضم وحدات المشاة والمدرعات والمدفعية والدفاع الجوي والكوماندوز، في التدفق إلى العراق عبر الحدود الإيرانية، وذلك للمشاركة إلى جانب ميلشيات الأحزاب والقوميات المعارضة الأخرى، بما فيها قوات "البشمركة" الكردية؛ لخوض القتال ضد نظام صدام حسين.

ورغم أن طهران، نأت بنفسها علنًا عن "فيلق بدر"، إلا أنها استغلت هذا الأمر لضمان موطئ قدم في شمالي العراق، واستخدام عناصر هذه الميلشيا، لكي تساهم في تحجيم "مجاهدين خلق"، الموجودين على الأراضي العراقية، وفي الوقت ذاته لدعم وضع الشيعة في أي حكومة في مرحلة ما بعد "صدام".

وعبر "فيلق بدر" عن وجوده عمليًا على الأراضي العراقية قبيل الغزو، من خلال استعراض عسكري نظمه في منطقة دربندي خان، الواقعة على الحدود الإيرانية ـ العراقية، والواقعة ضمن سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، بمشاركة نحو 10 فرق قتالية تتألف من حوالي ألف جندي وضابط، ووحدات من سلاح المدفعية، ومجموعات التفت حول مدافع الـ 601، وراجمات كورية وأسلحة متوسطة.

ومع اندلاع الحرب الأمريكية على العراق، فجر يوم 20 مارس 2003م، أعلن "باقر الحكيم" من منفاه في إيران، التزامه بطلب القوات الأمريكية من مقاتلي المعارضة الشيعية عدم المشاركة في العمليات العسكرية ضد قوات صدام حسين. وأكد في ذات الوقت استعداد "فيلق بدر" للتحرك، رغم تحذير وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، من أنه "سيتم اعتبارهم بمثابة مقاتلين"، وتلميحه إلى أن إيران قد تخدم مصالحها في العراق, عبر استخدامها الذراع المسلحة لأبرز منظمة شيعية عراقية معارضة.

وعقب إسقاط نظام صدام حسين في التاسع من إبريل 2003م، استغلت استخبارات الحرس الثوري الإيراني، ثغرات ظلت بلا حراسة في المناطق الحدودية المحاذية لمدينتيْ "كوت" و"العمارة"، لنقل عناصر من "فيلق بدر" ورجال الدين والطلبة، فضلاً عن عناصرها إلى داخل العراق.

ووفقًا لخطة تمت المصادقة عليها في قيادة الحرس؛ فإن الهدف من وراء ذلك، كان فرض أمر واقع في 11 مدينة وبلدة عراقية، يشكل الشيعة غالبية سكانها مثل: كربلاء والنجف والحلة والكوفة والديوانية والكوت والناصرية والعمارة؛ عبر تشكيل لجان ثورية، على غرار اللجان الثورية في إيران في بداية حكم الخميني؛ بدعوى "إقرار الأمن والسلام"، وتعيين حكام محليين لهذه المدن، وتم ذلك فعلاً بمدينة الكوت وجزء من الناصرية ومدينة الديوانية.

فرق موت

وما أن أعلن الحاكم المدني الأمريكي "بول بريمر" حل الجيش والشرطة العراقييْن؛ حتى حدث فراغ أمني، استغلته عناصر "فيلق بدر"، للتحرك بحرية حركة واسعة في مناطق كثيرة من العراق، وتمكنت من احتلال مباني كبيرة، بعضها من مقرات حزب البعث في كربلاء والنجف، لاستخدامها كمكاتب لهم. وردت القوات الأمريكية على ذلك بتكثيف من أنشطتها في المنطقة المتاخمة لإيران، من أجل مراقبة عناصر "فيلق بدر"، إذ كانت تشك بأنه يعمل على زرع الفوضى في المنطقة.

في ذلك الوقت كان "فيلق بدر" يضع النواة الأولى لتنفيذ مخططه الانتقامي من العراقيين السنة عبر تشكيله "فرق موت"، وزعت عليها قوائم جماعية بأسماء المستهدفين، لقتل من ورد اسمه فيها، وقام وقتذاك بعمليات اغتيال للعشرات من أنصار النظام السابق، وتصفية العشرات من وجهاء السُنّة من شيوخ عشائر، وأئمة مساجد، ومثقفين وتجار وأطباء، في حوادث قتل وصفت بـ "الغامضة"، قامت بها فرق مدربة على الاغتيالات.

كما تحدثت تقارير حينئذ عن مسئولية "فيلق بدر" في أعمال خطف واعتقالات وتعذيب لمشتبه بهم في مدينة البصرة، بترخيص وإشراف من قوات الاحتلال، استنادًا إلى العديد من العوائل التي قالت: إن رجالها استهدفوا من قِبَل جهاز "مخابرات الشرطة"، الذي يضم أعضاء من "فيلق بدر" واختطفوا بقوة السلاح، ولم يعرف مصير العديد منهم.

وقتذاك، اتخذت سلطات الاحتلال في 24 مايو 2003م، قرارًا يشترط الحصول على الترخيص للسلاح، وسحب الأسلحة الثقيلة من المليشيات العراقية باستثناء "البشمركة" الكردية، ويمنح المجموعات العراقية المسلحة، بما فيها "فيلق بدر"، مهلة لتسليم أسلحتها بحلول 14 يونيو 2003م.

لكن "باقر الحكيم"، الذي كان قد عاد للتو من منفاه بإيران بعد 23 عامًا قضاها هناك، عارض القرار، قائلاً: إن من حق العراقيين حمل السلاح؛ "دفاعًا عن أنفسهم"، زاعمًا أن قواته "ليست مسلحة أصلاً"، وأنها ستتحول إلى "منظمة مدنية للتنمية والإعمار" في العراق، حسب ادعائه.

لكن مظاهر استعراض القوة التي أعقبت عملية اغتيال الحكيم، وأكثر من 80 آخرين في انفجار ضخم وقع بمدينة "النجف", عقب صلاة يوم الجمعة 29 أغسطس 2003م، أكدت بما لا يدع للشك، امتلاك "فيلق بدر"، أسلحة هائلة. 

وهو الأمر الذي دفع القوات الأمريكية لمنح مهلة للميليشيات الشيعية؛ من أجل نزع أسلحتها طوعًا بحلول 13 سبتمبر 2003م، وهددت باللجوء للقوة إذا لم تمتثل الميلشيات لهذا المطلب، إلا أنها استثنت من ذلك القرار المخولين بحمل الأسلحة، ومنها قوة لحماية المواقع المقدسة في النجف، مؤلفة من 400 عنصر بينهم عناصر من "فيلق بدر".

خطر أمني

وكان لقرار الحاكم المدني الأمريكي لاحقًا بإعادة تشكيل الجيش والشرطة العراقيين، بمثابة البوابة الخلفية التي عبرت من خلالها "منظمة بدر"، بعد أن انخرط الكثير من أفرادها في صفوفهما، واستغلالهما ستارًا لتنفيذ أهدافها، إذ كانت أجهزة وزارة الداخلية، خصوصًا إحدى كتائب المغاوير فيها، التي يطلق عليها اسم "الذئب"، مؤلفة من عناصر سابقة من "منظمة بدر".

لكن المجلس الأعلى لم يبدُ قانعًا بتسلل عناصره إلى الأجهزة الأمنية، فقد عرض مرارًا وتكرارًا إدماج عناصر "منظمة بدر" في الشرطة العراقية، وهو الأمر الذي قوبل برفض وزير الداخلية آنذاك "فلاح النقيب"، باعتبار "أن هذا يشكل خطرًا حقيقيًّا على أمن العراق"، مثلما رفض اقتراحًا بتوفير مائة ألف عنصر من تلك المنظمة وأنصارها؛ لحماية مراكز الاقتراع في الانتخابات النيابية التي أُجرِيَت في 30 يناير 2005م.

غير أن الخطر الذي كان يخشاه "النقيب" والكثير من العراقيين الذي يعلمون نوايا تلك المنظمة, بات حقيقة لا تقبل الشك، فقد سيطر المجلس الأعلى على وزارة الداخلية في أولى حكومة عراقية دائمة بعد الاحتلال، والتي رشحت لها في البداية "هادي العامري" الأمين العام لـ "منظمة بدر" لتوليها، وهو الأمر الذي جوبه برفض واعتراض واسع النطاق في العراق،

مخافة قيامه بحملة تطهير الوزارة من العراقيين السنة، وتكريس هيمنة منظمته على مناصبها القيادية.

فقد كان العامري، يعتزم في حال توليه حقيبة الداخلية، دمج عناصر ميليشيته في قوات الجيش والشرطة، بعد أن كشف عن نوايا هذا الخصوص، بقوله: إن "الوقت حان لتتولى الغالبية الشيعية السيطرة على أمنها، بعدما تعرضت للقمع في ظل الأنظمة السابقة في العراق"، حسب قوله.

وفي ضوء الاعتراضات الكثيرة على ترشيح العامري، قرر الائتلاف الشيعي في النهاية، ترشيح بيان جبر صولاغ، الذي يحيط به هو الآخر من شكوك حول أصوله الإيرانية أيضًا، وانتمائه إلى "فيلق بدر"، ولم يكن هذا الأخير بأقل سوءًا عن الأول.

فباعترافه شخصيًا، أكد صولاغ خلال اعتقال فلسطينيين متهمين بتنفيذ اعتداء في 12 مايو 2005م في سوق ببغداد, وجود تعاون بين أجهزة وزارته وبين "فيلق بدر" السابق، ودافع عن تلك العلاقة المريبة بالقول: "نحن على استعدادٍ لأخذ أية معلومات تساعدنا في مكافحة الإرهاب حتى من الشيطان".

قائمة اتهامات

قائمة الاتهامات الموجهة لـ "فيلق بدر" بالوقوف وراء عمليات عنف دموية، واغتيالات غامضة، تتسم بتنوع مصادرها وأطرافها، من جهات حكومية وأخرى أهلية.

ومن ذلك ما قاله مدير جهاز المخابرات العراقية "محمد الشهواني", في أكتوبر 2004م, حول تورط "فيلق بدر" في اغتيال 18 من عناصر جهاز المخابرات العراقية خلال أقل من شهر، والعثور على وثائق تربط بين إيران، وقتل عناصر من الجهاز بواسطة المنظمة الشيعية.

كما سبق وأن اتهم "حازم الشعلان" وزير الدفاع في حكومة "إياد علاوي"، ستة من عناصر "منظمة بدر" في يناير 2005م، باختطاف ثلاثة شيوخ كانوا مكلفين من قِبَل الوزارة، بجمع متطوعين للجيش العراقي من محافظات البصرة والعمارة والناصرية، مؤكدًا أنه ومن خلال التحقيقات مع المتهمين، أقروا بأنهم من عناصر الميليشيا الشيعية، واعترفوا كذلك بعلاقتهم بالاستخبارات الإيرانية.

واتهمت "منظمة بدر" من قبل الشيخ "حارث الضاري" ـ رئيس "هيئة علماء المسلمين" في العراق ـ بالضلوع في العديد من أئمة المساجد السُنية، وهي العمليات التي تصاعدت في أعقاب تفجيرات سامراء في فبراير 2006م؛ إذ نشطت الميليشيا ومعها "جيش المهدي" في عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية لآلاف العراقيين من أهل السنة.

فقد عثر على مئات الجثث ملقاة في عدة أماكن بالعراق، بعد خطف الرجال من الأحياء السُنية أو المشتركة، وكثيرًا ما تم العثور على جثث لمواطنين عراقيين، بدت آثار التعذيب على أجساهم، أو قطعت رؤوسهم. وهي حوادث أكد الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق "جون بيس", أنها تحمل بصمات قوات "فيلق بدر".

فقد أشار إلى مسئولية "فيلق بدر" عن هذه الإعدامات بالدرجة الأولى، قائلاً في مقابلة مع وكالة "الاسوشيتد برس": إنه "تسبب في دمار وفوضى"، وإن عناصره "يفعلون ما يتراءى لهم، يقبضون على الناس ويعذبونهم ويعدمونهم، ويحتجزونهم ويتقاوضون الفدية ويفعلون ذلك بحصانة".

ورغم أن التحقيقات الرسمية لم تنته إلى نتيجة بخصوص فضيحة التعذيب التي جرت وقائعها في زنزانة تحت الأرض في مبنى متاخم لمجمع وزارة الداخلية العراقية، كشف النقاب عنها بمحض الصدفة، في نوفمبر 2005م، إلا أن كافة الشواهد عكست تورط عناصر هذه الميلشيا المنخرطة في الأجهزة الأمنية بالضلوع في الجريمة.

كما كان المحامي "سعدون الجنابي"، الذي كان يترافع عن "عواد أحمد البندر" ـ أحد معاوني الرئيس السابق صدام حسين ـ في 20 أكتوبر 2005م، أحد ضحايا جرائم تلك الميليشيا الصفوية، وفق ما أكدت أسرته.

وبعد الكشف عن كل هذه الحقائق حول الدور الذي تلعبه "منظمة بدر" في عمليات الاغتيال والتصفية، منذ احتلال العراق قبل نحو أربع سنوات، يبقى المستهدف الأول من مثل هذه العمليات، التي تتم بتواطؤ حكومي، هم العرب السُنة، بينما يتحرك المجرم بحرية، لا تمنعه من الاستمرار في تنفيذ مخطط، قد يقود البلاد إلى حرب أهلية.

*مفكرة الإسلام