الاصطفاف.. موقف الاصلاح للخلاص الوطني
بقلم/ د.عمر ردمان 
نشر منذ: سنتين و 5 أشهر و 10 أيام
الثلاثاء 07 يونيو-حزيران 2022 08:15 م
 

يعد الاصطفاف الوطني مبدأ ثابتاً لدى الإصلاح منذ بدايات سنوات الضياع التي أدخلت المليشيا الحوثية البلد فيها بفعل حالة التيه وسوء التقدير وخطأ الحسابات التي وقعت فيها كثير من المكونات والقوى والنخب اليمنية، والتي نتمنى أن تكون التجربة المريرة التي تجرعها الجميع طيلة سبع عجاف من الحرب الشاملة قد أنضجت وضوح الحقائق وضبطت بوصلة النضال الوطني للانعتاق من حالة التيه إلى حالة الوعي في مسار التحرير بعد تمايز الصفوف في معادلة الأصدقاء والخصوم تجاه الوطن ومصالحه العليا. ولا بد من العودة بالذاكرة إلى الوراء قليلاً لاستلهام دروس الأحداث وقوداً لمتطلبات الخلاص الوطني اليوم..

*في منتصف العام 2014 وحينما كانت المليشيا الحوثية تواصل حربها ضد الدولة ومؤسساتها في تخوم مدينة عمران أطلق التجمع اليمني للإصلاح دعوة وطنية لكافة القوى والمكونات السياسية للاصطفاف الوطني للحفاظ على مشروع الدولة والنظام الجمهوري من مخطط مشروع كهنوتي مدعوم خارجيا للقضاء على مكتسبات الثورة اليمنية ومصادرة الدولة لصالح هيمنة عصابة مسلحة مارقة على اليمن والعروبة؛ مستقوية بالسلاح المنهوب وغير المشروع، ومستغلة لحالة الغفلة والتآمر التي وقعت فيها بعض القوى والشخصيات التي أخطأت حساباتها ولم تدرك حقيقة الكارثة إلا بعد فوات الأوان.* حين سقوط عمران بيد المليشيا الحوثية كتب رئيس الهيئة العليا للإصلاح استنكاره عدم استفزاز ذلك السقوط المدوي لضمائر من شاركوا في صناعته من شركاء النضال السياسي بسكوتهم، واعتبر موقفهم دفعا بهذه العصابة الداعشية (الحوثية) للإيغال في القتل والتفجير

ومواصلة سيرها الآثم ليس باتجاه استهداف الإصلاح فحسب بل

استهداف الدولة برمتها بما فيها جميع القوى والمكونات التي توهمت نفسها في مأمن من عواقب ذلك الإجرام والاسفاف الهمجي بحق الوطن والمواطن.

ولعل من أسوأ ما عبر به بعض السياسيين عن غفلتهم تلك خروج بعضهم للرد على تحذيرات الإصلاح تلك بأنها (عويل المنهزم العائد من معركة خاسرة) معتقدين أن ما ستقوم به المليشيا المأجورة لا يتعدى عملية خاصة مثلماا زينت لهم الشياطين..! ثم خرج رفاقهم الآخرين بدعوى أن أطراف المعركة في عمران هما الحوثيين والإصلاح وليست معركة وطنية، وثالثة الاثافي ما مضى إليه شريك لهم في الإثم بالتساؤل: هل آن الأوان للإصلاح أن ينتحر؟!، وأما رابع الحمقى شيطانهم الذي يمدهم في الغي فقد ذهب إلى أن الإصلاح يهدف من وراء دعواته للاصطفاف الوطني إلى البحث عن طوق نجاة لنفسه..! ومما زاد الطين بلة هو انحدار موقف بعض مسؤولي الدولة ممن باعوا ضمائرهم في سوق النخاسة إلى إعلان التزامهم موقف الحياد من معركة الوطن التي كان يفترض بهم قيادتها لحماية الدولة والنظام الجمهوري والمواطن اليمني، وفي الجانب الآخر كانت كثير من الصحف الصفراء والأدوات الرخيصة فقد تولت كبر التهليل والتطبيل لاستقبال داعش اليمن الحوثية ومشروعها الايراني الذي تحمله وتسعى لفرضه على الجميع..

لقد كانت تلك هي إحدى الصور المعبرة عن حجم تدفق التآمر وعن حالة التيه عن سبل الرشاد، وعن عمى الأبصار والبصيرة.* *لكن الإصلاح وانطلاقا من حجم إدراكه للمخاطر التي تتهدد حاضر البلد ومستقبله والعواقب الكارثية التي سيفرزها ذلك المخطط على اليمن وجيرانه والمنطقة؛ ظل ملتزماً بموقفه الوطني والمبدأي في حشد المجتمع حول مشروع الدولة وإسناد النظام السياسي، وتنبيه الغافلين، فتحولت دعوة الاصطفاف الوطني إلى برنامج عمل تفاعلت معه بعض قوى المجتمع الحية والشخصيات الوطنية، وتوجت تلك الجهود بخروج مسيرة حاشدة وخالدة، مسيرة الاصطفاف الوطني من أجل اليمن، والتي ملأت آفاق صنعاء من غربها إلى شرقها بامتداد شارع الزبيري من عطان إلى نقم، لكن حجم الخذلان والخديعة ومقدار الغفلة والتآمر والأموال المدنسة؛ كانت جميعها أكبر من جهود حزب سياسي وحيد لم يعد متبق معه سوى قليل من الصادقين وكثير من شتيمة المغفلين، بينما كانت دعاية التبشير بالعهد الحوثي الرغيد تتناقلها ألسنة الحمقى كنبوة في فم شيطان، وكانت تحذيرات الإصلاح مخذولة كدعوة نبي في قوم هالكين، ولم يكن بوسع حزب سياسي فعل شيء أكثر من ذلك، سيما وقد أوصى الحاقدون الغافلين بالجلوس في شرفات المنازل لمشاهدة عمل مبضع الجراحة، لكنهم وجدوا بعد حين مبضع الطبيب الذي خيل لهم وقد تحول إلى مشرط تمزيق وانتقام شامل، وتحولت الفرجة إلى كابوس، وتحولت تنظيرات (عبور المضيق) من العبور بالوطن إلى بر الأمان إلى مجرد عبور بائس فوق جراحاته، ولم يكن (المضيق) كما فهمناه عنهم مرحلة عنق الزجاجة؛ بل كان المضيق ضائقتهم المالية والنفسية التي وجدوا فكها في سفارات ومواطن الشتات، كما تحول جميع المصفقين إلى لاطمي خدودهم في حفلة خراب مالطا،..

 

لكن: ولات حين مندم.

وأمام هذا الواقع كان الإصلاح قد استنفد كل الوسائل التي يتيحها نهجه السلمي في التأثير وتوجيه المواقف، فانكفأ على مهمتين رئيسيتين إحداهما: الحفاظ على البنية الفكرية لأعضائه من الانزلاق لمربع التطرف والعنف، المربع الذي كان المتآمرون يدفعونه إليه دفعا، والأخرى: العمل على تهيئة بيئة سياسية جديدة تلملم شتات القوى الوطنية وتؤسس لمرحلة جديدة من النضال الوطني لاستعادة الدولة وبنائها، وقد دفع ضريبة موقفه الوطني أثمانا باهضة لكنه استرخصها من أجل مصالح الوطن العليا؛ رغم جحود وتنكر بعض أولئك الذين لم يتمكنوا من الخروج من حالة الحماقة.* *

إن استعراض مشهد الأمس لا يقصد به التلاوم بقدر ما يجب استحضاره من قبل الجميع ونحن نشهد دعوة الاصطفاف الوطني التي أطلقها رئيس مجلس القيادة الرئاسي قبل يومين، ليستحضر الجميع ذلك المشهد المؤلم ويستفيدوا من دروسه وعواقبه، فما زال العدو هو العدو، وما زال مشروعه وأطماعه ودعايته هي ذاتها، وما زال موقف الإصلاح وبقية القوى الوطنية هو نفسه، ولم يتغير في المشهد سوى انكشاف أقنعة الزيف، وانضمام من صحى من الغفلة إلى الصف الوطني والتحم الجميع اليوم بمشروع الدولة في مجلس قيادة واحد، لتأتي هذه الدعوة الوطنية من مجلس القيادة الرئاسي للاصطفاف الوطني اليوم حاملة دلالات بالغة الأهمية في مرحلة بالغة الحساسية يمر بها البلد، وتتطلب تظافر الجهود وصدق الأقوال والأفعال -وقبلهما النوايا- بتمتين اصطفاف الأهداف والجهود، وترتيب الصفوف في مشروع التحرير ومسار الخلاص، نحو انهاء الانقلاب واستعادة الدولة، لينتصر الجميع، ولينجو الجميع، ويحيا اليمن.