رؤية سلفية لأردوغان والانتخابات التركية
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنة و 5 أشهر و 26 يوماً
الأحد 21 مايو 2023 07:04 م
 

كتب العلامة الدكتور محمد المهدي مقالا رائعا نافعا حول الانتخابات التركية والموقف الشرعي منها ، وتحدث عن إنجازات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، ووضح ما له وما عليه ، في طرح رصين وإنصاف نادر ، ورؤية وسطية تجسد من وجهة نظري رؤية السلفية المعتدلة للقضايا الإسلامية عامة وللقضية التركية خاصة ، وهي رؤية أراها منصفة ووسطية إلى حد بعيد ، رؤية عالم عارف بعصرة عامل بعلمه نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا . ولي مع ما كتبه وقفة ، أو بالأحرى إضافة حول جزئية بسيطة وردت في المقال وهي : قول الشيخ المهدي " فلو أن أردوغان طبق الخلافة وفي مقدوره ذلك لكنا معه 100% " .

ومن وجهة نظري أن عودة الخلافة الإسلامية بشكلها القديم أمرا يبدو بعيدا ، وإنما القصد هو جوهر الخلافة وهو اتحاد إسلامي بين عدة دول إسلامية يتوسع حتى يشمل أغلب الدول الإسلامية كما هو الحال في تجربة الاتحاد الأوربي وهذا ما دعا إليه أردوغان .

وهناك أمر آخر قد لا يدركه البعض وهو أن أردوغان ورفاقه ورثوا تركة علمانية ثقيلة في تركيا فهم يفككونها خطوة خطوة ، فهم يسيرون في طريق أسلمة تركيا بشكل تدريجي مدروس ، رغم ما يقف أمامهم من العراقيل والحرب التي يتعرضون لها من أدوات الغرب في الداخل التركي ، وكذلك الحرب التي يتعرضون لها من قبل الغرب الصـ ل ي بـ ي الحاقد ، كما أتضح من وسائل الإعلام الغربية التي شنت قبيل الانتخابات التركية حيث شنت حملة مسعورة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، حملة عملت على شطينته ورميه بكل التهم حيث تخلت كل تلك الفضائيات والصحف والمجلات عن مهنيتها المزعومة وكشرت عن حقدها الصليبي الذي ما تزال نيرانه مشتعلة تحت قشرة رقيقة من رماد الديمقراطية .! وفي الماضي كانت وسائل الإعلام الغربية تهاجم السلطان عبد الحميد الثاني في مطلع القرن العشرين وتصور تركيا بأنها رجل أوربا المريض ، وها هي بالأمس واليوم تشن ذات الحملة الإعلامية اليوم ضد الرئيس التركي أردوغان . وحين فشلت محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها فتح الله كولن - المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية والتي رفضت تسليمه لتركيا - ونفذتها أدواته في الداخل التركي في 15 يوليو تموز 2016م قررت الإدارات الغربية التريث حتى الانتخابات الرئاسية التركية الحالية ووضع كل ثقلها خلف مرشح المعارضة العلماني كمال كليشدار أوغلو ، والعمل على إنجاحه بشتى السبل والوسائل .! ومن وجهة نظري فإن النجاحات الكبيرة التي حققتها حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة أردوغان والتي جعلت من تركيا دولة إقليمية مؤثرة لا تخضع للهيمنة الغربية دفعت دول الغرب إلى العمل على إفشال النهضة التركية بشتى السبل والوسائل ، ذلك أن تركيا لو واصلت هذه المسيرة النهضوية ولخمس سنوات قادمة فستصبح قوة كبرى تربك كل حسابات ومصالح الدول الغربية في المنطقة .

الدول الغربية لا تريد في المنطقة الا أدوات تابعة لها تعمل تحقيق أهدافها وتخدم مصالحها وتنفذ أجندتها أما إذا تمرد أحد الحكام عن التعليمات الغربية وحاول الاستقلال بالقرار الوطني لبلاده فإنها تحرك ضده أدواتها في الداخل حتى تعمل على إسقاطه وما حدث لرئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان خير مثال. لم تنس دول الغرب أن تركيا حزب العدالة والتنمية تمثل امتدادا للدولة العثمانية تلك الدولة التي حملت راية الإسلام في العالم والتي دوخ قادة جيوشها ممالك أوربا وسيطروا على أجزاء واسعة من بلدان أوربا وجعلوا بعض حكام أوربا يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون . لا تريد دول الغرب وأدواتها في الداخل من العلمانيين الاستقرار للبلدان الإسلامية ، وأن تمتلك قرارها الوطني وسيادتها الكاملة وتتعامل بندية مع دول الغرب بل يريدون هذه الدول مجرد دول فاشلة تسودها الفوضى والعنف وتتحكم فيها المليشيات ويحكمها أدوات الغرب وعملاءه ، حتى تصبح مجرد كيانات ضعيفة ممزقة تنفذ فيها مشاريعها وأهدافها وتنهب ثرواتها وتستولي على مقدراتها . وهذا خلاصة مقال العلامة الدكتور محمد المهدي بعد أن تطرق لمقدمة - نشرها بصفحته في الفيسبوك - حول هذه الانتخابات وآراء الناس حول أردوغان : فأقول:

لا زال الناس هذا حالهم، يختلفون ويتفقون، لكن المتقين منهم تحملهم تقواهم على الإنصاف، وإعطاء الحقوق، وعدم الجور في الأحكام، وموقفي الذي ارتضيه لنفسي ولمن يحسنون الظن بي، هو التزام هذا المنهج: (اعدلوا هو أقرب للتقوى)؛ فلست مع من غلا فمدح بإطلاق، إلى حد أن يقول:

إن الحكم الاسلامي قد عاد أو يكاد أن يعود، ويطلق التزكيات بلا قيد، كما أنني لست مع الطرف الآخر الذي غلا جرحًا/ ونقدًا بإطلاق/ ضد أردغان وحزبه، حتى وإن كان من بعض السلفيين، فالبعض منهم شغل نفسه وغيره بالحرب على أردغان سياسيًّا وإعلاميًّا، وهذا فقدان لبوصلة التوازن، وانحراف عن مسار الوسطية والاعتدال. قناعتي أنه لو أعاد اردغان الخلافة، وفي قدرته وسعته ذلك؛ سنكون له من المؤيدين [مئة في المئة]؛ ولكن كون أردغان خالف منهج أتاتورك العلماني الخبيث، أتاتورك الذي أنهى المظاهر الإسلامية، وعمل على إزاحة حكم الإسلام من حياة الناس، وأباح المحرمات، وأسقط كثيرًا من الواجبات، ومنع الحجاب، ودمر المساجد، وأقام دعوة إلى جميع المفاسد (قاتله الله وعامله بما يستحق)، فوكون أردغان (وفقه الله) خفف بعض الشر المذكور، وفتح بعض المساجد؛ منها مساجد تاريخية من زمن الدولة العثمانية، مثل مسجد (آيا صوفيا) وغيره، وكونه أعطى الحرية للمرأة أن تتبرج أو أن تتحجب، وكان الحال منع الحجاب خصوصًا في الوظائف الحكومية، وبدأ ببعض الخطوات التي تعطينا شعورًا بالحرص على الإسلام وتعاليمه وإقامتها بين الناس؛ فنقول:

هذا مؤشر يبشر بخير، ويعطي انطباعًا حسنًا؛ لكن لسنا مع من يقول: إنه قد أعاد الخلافة أو يكاد أن يعيدها، هذه مبالغات عاطفية، والوقع في تركيا يكذبه، وبالمقابل لا ينبغي محو حقه وجهده بجرة قلم، ونتغافل عن التضييق العالمي عليه؛ خصوصًا الدول الصليبية التي بجواره، وكذلك لا نتغافل عن حرب العلمانيين داخل البلد عليه، وأنت كما تشاهد - أخي الكريم - في انتخابات اليوم؛ كيف أن الكتل العلمانية تتجمع ضده هناك؛ وبخبث ومكر سياسي واقتصادي وإعلامي! فنقول:

نرجو من الله أن يعينه، وأن يأخذ بيده، وأن يسدده، فهو الأقرب إلينا بالمقارنة مع الفريق الآخر. وثمة رسالة صادقة أوجهها لبعض الكتاب الذي تأخذهم حماسة الأحداث، أو العصبية السياسية، أو الحمية الفكرية؛ وهي البعد عن المبالغة في تصوير الحكم في تركيا بصورة الحكم الإسلامي، أو أنه قد عاد، هذا طرح لا يقبله المنصف على نفسه؛ ناهيك أن يسوقه لغيره!

وليس بمبرر أن يقول البعض: إن المرحلة تقتضي مثل هذا الطرح؟! هذا غير صحيح؛ لأن المؤثر في العملية الانتخابية الشعب التركي، وليست الشعوب العربية، فالتزام الوسطية هو سبيل العقلاء، ومنهج من يتعاملون بالرزانة لا بالحماس الغير منضبط، ولو كانت الخلافة والحكم الإسلامي قد عاد كل منهما بالفعل؛ لفرحنا بذلك، وقلنا؛ جزاه الله خيرًا، وبارك الله جهده، لكن ذلك لم

يحصل! نعم حصل شيء من الخير، والحمد لله؛ والشريعة الاسلامية تقرره وتدعونا لشكره ومباركته، فالشريعة جاءت بجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، جاءت بجلب خير الخيرين، ودرء شر الشرين، وأردغان خطا خطوات في هذا المضمار، فدرء شيئًا من المفاسد، وجلب شيئًا من الخير، وأغاث كثيرًا من المظلومين، خصوصًا المهاجرين بسبب الحروب، فنقول هذه الخطوات يشكر عليها ونباركها، وندعوه للمزيد، ولا نبالغ بإطلاقات المديح التي لا صحة لوجودها! كما أنني أبعث رسالة صادقة للطرف المشغول بأردغان، ويعمل ضده تشويهًا/ وقدحًا/ وتجريحًا/ أن يتعلم فقه الدعوة، ومتى يتكلم؟ ومتى يسكت؟

وإذا كان لابد أن نتكلم؛ فعلى أعداء الإسلام، وأعوان الشيطان، والفقيه من لا يعين الشيطان وحزبه على مسلم، ويكفي أردغان أن دول الكفر ضده، أفيعقل أن تتحرك أقلام بعض المسلمين معها، وتنصرها على مسلم بسبب اختلافها معه في مسائل؟ نعم لا نمتدح خطأه، ولا نزين باطله، وننصحه وننصح له، هو أو غيره، وبالمقابل لا يعقل أن يصطف المسلم ضده مع جموع الصليبية الحاقدة! خير الأمور أوسطها، لا إفراط ولا تفريط:

خير الأمور الوسط الوسيطُ وشرها الافراط والتفريطُ! والحمدلله؛ الشريعة جاءت باليسر وبالاعتدال وبالسهولة؛ لا بالعسر ولا بالغلو ولا بالميوعة! وخلاصة الجواب؛ أردغان (وفقه الله) يخطو خطوات نحو الإسلام، أعانه الله على إتمامها، لكن هل طبق الشريعة كاملة؟ الجواب؛ لا! لكن هناك محاسن لا ينكرها عاقل منصف، ولا يقال أنه بذلك طبق الشريعة كما حصل في التاريخ الاسلامي في الدولة العثمانية. أختم؛ أن بعض إخواننا السلفيين يكتبون عن خرافات بعض العثمانيين عند القبور، ونحن معهم في ذلك؛ ما دام في سياقه الشرعي، من تجريد التوحيد لله، لأن الخرافات التي تمارس عند القبور فيها تعظيم لغير الله، وصرف للناس عن عبادة ودعاء الله وحده، وربما يقال عن أصحاب تلك القبور: إنهم يعلمون الغيب، إلى غير ذلك مما هو موجود عند بعض الفرق الصوفية، فهذا نحن ضده، لكن تعالج تلك الأمور في إطارها الشرعي والتاريخي، وبعيدًا عن التسييس المؤذي، مع العدل والنظر للرجل تلك النظرة المنصفة التي فصلنا فيها. (والله أعلم).

نسأل الله التوفيق لنا، ولأردغان، ولسائر حكام المسلمين، والحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على سيدنا محمد. أنتهى مقال الشيخ محمد المهدي وفقه الله لكل خير .