ندااء عاااجل الى كل ضمير حي:مأساة إنسانية منسيه
بقلم/ جبر صبر
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الخميس 18 فبراير-شباط 2010 01:01 ص
 

نداء عاجل أوجهه من خلال سطور ممزوجة بأقسى كلمات الألم وحروف الأسى.. نداء إلى كل من يقدر الإنسانية ويشعر بحزنها ومعاناتها.. نداء إلى منظمات المجتمع المدني كافة وإلى المنظمات المحلية والدولية المختصة بالطفولة.. نداء إلى منظمات حقوق الإنسان التي تعمل في إطار محدود.. نداء إلى الجمعيات الخيرية.. نداء إلى الجهات المختصة وإلى وزارة الصحة التي تنفق مئات الملايين في حملات صحية للأصحاء وتترك العليلين.. نداء إلى صندوق رعاية وتأهيل المعاقين.. أوجه هذا النداء إلى رئيس الجمهورية وكافة مسئولي الدولة.. أوجه النداء الى كل ضمير يحس بآلام الآخرين.. أوجه النداء لإنقاذ أطفال وأسر ترزح تحت وطأة الأوجاع والأحزان لسنوات دون الالتفات إليهم .

زارها ونقل المأساة/ جـبر صـبر

Jaber_saber2000@yahoo.com

لقد شاهدت عيناي آدمية تسحق تحت أقدام الآلام والأحزان، أسر تنتظر الموت وهو أكبر أمنياتهم وأرحم وأهون من عذابهم.. يتمنون الموت بعد أن تلاشت آمالهم في وطن لم يلتفت لحالهم ومجتمع لم يرق لآلامهم وحياتهم المريرة .

في السطور التالية ستعرف أيها القارئ معاناة عشرات الأشخاص صغارا وكبارا، نساءً ورجالا تلسع سياط الآلام والأوجاع أجسادهم الطرية وتضرب على قلوبهم دون رحمة .

معاناة دائمة تحت وطأة الأوجاع والإعاقة لمواطنين وأبنائهم بعزلة (حُمر- مديرية مذيخرة - محافظة إب.)

كانت البداية أن تلقيت اتصالاً هاتفياً الخميس الماضي من قبل رئيس مجلس أمناء مؤسسة السلام الاجتماعية الخيرية بتعز الحاج/ محمد أحمد سعيد، أخبرني أن هناك مأساة إنسانية بما تحمله الكلمة من معنى يعيش فصول آلامها وأحزانها عشرات المواطنين بإحدى قرى مذيخرة-إب ولم يلتفت إليهم أحد، ولا يعلم بحالهم إلا الواحد الأحد.. يصارعون الألم بين جدران منازلهم لسنوات عدة.. فطلب أن نقوم بزيارتهم للوقوف على مأساتهم وإخراجها إلى الرأي العام.

.

وفي صباح يوم الجمعة الماضية انطلقنامن مدينة تعز إلى مديرية مذيخرة -تبعد قرابة 50 كيلو عن تعز- برفقة رئيس مجلس أمناء مؤسسة السلام الخيرية، ومعنا الزميل الصحفي عبد السلام السامعي، ومسئول الشئون الاجتماعية بمؤسسة السلام – معمر عثمان الذي كان أول من التفت إلى تلك المأساة عند زيارته الأولى لذات المنطقة لتوزيع مساعدات مالية وملابس للمحتاجين ليفاجأ بالمأساة التي حلت على المنطقة وأبنائها (عشرات الأطفال والشباب بنات وأولاد مصابون بإعاقات جسدية وتشوهات خلقية مختلفة حولت أجسادهم إلى كتل لحمية داخل منازلهم، وحولت حياة أهاليهم إلى جحيم)، لقد كان وقع الفاجعة ثقيلا على المسئول الاجتماعي وإثر إبلاغ مؤسسة السلام قامت بكفالة عشر حالات.. العشرات منهم إضاءتهم الآلام وأنيسهم الأوجاع ولا يزالون بحاجة ماسة وعاجلة إلى تقديم المساعدات المادية والعلاجية، وانتشالهم من بين جدران المعاناة لسنوات .

وقبل وصولنا المنطقة كنت أتخيل وجود حالات معدودة إعاقتها كبقية المعاقين الذين نشاهدهم على الكراسي المتحركة، لكن ما شاهدته صدمني كما صدم (معمر) أول ما رآهم، فعند وصولنا المنطقة في أول قرية كان في استقبالنا من تم التنسيق معه (وهو الآخر في معاناة دائمة مع بنتيه اللتين أصابهن ما أصيب به البقية).

مشاهد مذهلة ومحزنة وإعاقات جماعية متنوعة:

دلفنا أول منزل لنجد فيه فتاة في الثامنة عشر من عمرها أتى بها والدها يحملها وهي لا تستطيع الحركة معاقة حركيا في مفاصلها وأطرافها العلوية والسفلية. يقول والدها منصور حميد محمد: إنها أصيبت بالإعاقة بعد خمسة أشهر من ولادتها بعد أن كانت سليمة وقام بعلاجها بأكثر من مكان لكن دون جدوى..

أنيسة الفتاة المعاقة حرمت من التعليم واللعب كبقية أقرانها، كما حرمت من التمتع بحياتها فهي تعيش داخل غرف المنزل وبين جدرانه ولا تستطيع أن تخرج وتشاهد وتتمتع بمنطقتها الخلابة، عدا ابتسامات ممزوجة بالألم على حالتها القاسية، ويشاطرها ألمها أهلها لأكثر من 18 عاما وهم يحملونها من غرفة إلى أخرى وإلى دورة المياه، وهكذا حياتها وأهلها في معاناة دائمة .

وبينما نحن على وشك الخروج من منزل أنيسة المعاقة المقعدة، يأتي إلينا شاب يحمل طفلاً عمره 4 سنوات هو الآخر أصيب بذات إعاقة أنيسة من بعد 3 أشهر على ولادته ومعاناة أهله أكثر أنه لا يستطيع الكلام إضافة إلى الإعاقة الجسدية .

خرجنا من المنزل حتى ننتقل إلى المنازل الأخرى التي كلمنا الأهالي عن وجود إعاقات فيها كظاهرة مخيفة لم يجدوا لها تفسيراً ..

وما هي إلا بضعة أمتار حتى قابلتنا امرأة ونجلها الأكبر وهم يحملون ولدا وبنتا شقيقين معاقين لكنهما غير أنيسة والطفل وائل : فقد أضيفت إلى إعاقتهما الجسدية إعاقة ذهنية فتقول والدة صلاح أمين حمود (20 عاما) وشقيقته سبأ (18 عاما) أن ابنيها أصيبا بالإعاقة الجسدية والذهنية منذ 7 سنوات (أي بعد منتصف عمرهما الحالي بعد أن كانا في صحة جيدة)، وتضيف الأم المكلومة والمغلوبة على أمرهما أن الإعاقة يصاحبها صرع وتشنج وخاصة من قبل الابن، فالمعاناة لم تكن عند صرعهما وحملهما على الأكتاف بل يقوم صلاح -كما تقول- بمراجمتنا بالحجارة وتكسير أشياء فنقوم بقفل الباب عليه في الغرفة محبوساً خشية إيذائه . أما سبأ إضافة إلى إعاقتها الذهنية أصيبت بشلل في الجانب الأيمن ولا تستطيع المشي

.

وبينما نحن نتحدث إلى والدة صلاح وسبأ المعاقين والى جانبهم بعض الأهالي أتت طفلة (7 سنوات) فأشاروا إلينا إلى أن هذه أيضاً مصابة بالسكر وتتعاطى جرعة دوائية شهرية على نفقة خالها بعد أن تركها والدها عند والدتها في بيت أهلها، ونحن نقوم بالتقاط الصور للثلاثة المصابين مع أهلهم يحضر إلينا شخص طاعن في السن يتجاوز عمره التسعين عاما، يرحب بنا من خلال إشارات فهو أبكم لا يستطيع الكلام ليخبرونا أنه جد المصابين..

يالله..الأسرة كلها مصابة بإعاقات مختلفة من الجد حتى الحفيد في وضع مأساوي لا يوصف، وما يزيد من تلك المأساة أن أهالي المصابين جميعهم وضعهم المادي صعب للغاية ولا يستط يع بعضهم حتى أن يملك ما يذهب به بابنه للعلاج في أقرب مستشفى فضلاً أن بعضهم يتحتم علاجها وإجراء عملية جراحية له خارج الوطن ..

إعاقات بعد منتصف العمر دون تفسير لها:

وما كان يلفت انتباهنا أكثر أن كل الحالات المعاقة التي كنا نزورها تقع منازلها على الطريق الرئيس «الإسفلت» فيما هناك العشرات منازلهم بعيدة وفي قرى بعيدة وبذات المنطقة .

إعاقات متعددة وتخلف عقلي ويتيم:

وما لاحظناه أن عدداً منهم معاقون حركيا وآخرين متخلفون عقلياً كما هو حال الفتاة يسرى محمد محمد (16 عاماً) متخلفة عقلياً أصيبت بعد سنوات من ولادتها .

ومثلها كانت والدة الطفلة سوسن محمد (6 سنوات) تقوم بتقديم ابنتها إلينا معاقة حركيا ولا تستطيع المشي، وتؤكد والدتها أن والد الطفلة «مجنون» وهي عاجزة عن علاج فلذة كبدها فهي لا تملك شيئا بعد أن أصيب زوجها بالجنون .

يا لها من مأساة ونحن ننتقل من منزل إلى آخر ونجد كتل اً لحمية من الذكور والإناث معاقة وسط غرف مظلمة، لننتقل إلى شاب يبلغ من العمر 20 عاما عاش نصف عمره بصحة جيدة، التحق بالمدرسة حتى الصف الرابع الابتدائي إلى أن أصيب فجأة بتشوه خلقي في ظهره وإعاقة كلية أقعدته عن الخروج أو الدخول إلى المنزل إلا محمولاً على أكتاف والده ووالدته وإخوانه .

والد الشاب المعاق صادق هزاع محمد قايد يقول: عالجناه لكنهم أخبرونا أن علاجه في الخارج لكننا لا نملك حق علاجه أو حتى الانتقال به إلى أي مكان آخر، نحن في معاناة معه من 10 سنوات إلى أن يفرجها ربي .

يتمنى صادق -كما يقول- أن يتعالج ويمشي حتى يكمل دراسته، فمن سيحقق له ذلك؟؟!..

شقيقتان معاقتان عن الحركة لكنهما تحفظان القرآن:

وبجوار منزل الشاب صادق مباشرة دلفنا منزل محم د علي قايد لنجد فتاتين مقعدتين لاتستطيعا الحركة إلا من الكلام،ورغم معاناتهما واسرتهما في إعاقتهما التي فاجئت الأسرة بعد 6 سنوات من عمر كل واحده لكنهما تغلبا على الإعاقة بمساعدة والدهم بتعلم القراءة والكتابة دون ان يلتحقا بمدرسة، فهما يحفظان القرآن الكريم وسعادتهما انهما مع بعض في غرفة واحده البسمة تكسوا محياهما.

وعند سؤالنا لعائشة (18 عاماً) وإلهام (16عاماً) عن أمنيتهما تمنين أن يمشين ويدرسين حتى يصبحن مدرسات، يقول والدهما: في بعض الليالي يرين في المنام أنهن يمشين فيعشن بسعادة في المنام فقط لكن تنتهي عندما يستيقظن من النوم ويجدن أنفسهن حبيسات الإعاقة .

عائشة وإلهام الشقيقتان كان إلى جانبهما شقيقهما الأكبر هو الآخر أصيب بذات الإعاقة وبعد 6 سنوات من حياته لكنه كما قال والده : توفي قبل 10 سنوات وظل معاقاً لأكثر من 5 سنوات .

إعاقة أشقاء جماعية بين جدران مظلمة:

وما أصعب أن يعيش الشخص بداية حياتها أو حتى نصفها بصحة جيدة وفجأة يصاب بمرض يحرمه متعة الحياة الباقية، وتتجلى المأساة الأكثر عندما يكون هو العائل الوحيد لأسرته من خلال أعمال حرة يقوم بها ومجرد إصابته يتحول حاله وأسرته إلى جحيم ذلك وجدناه واقعاً في ذات المنطقة عند الشاب: نبيل عبدالله حسن (20 عاما) كان هو العائل الوحيد لأسرته (7 أخوات ووالدته) بعد وفاة والده وظل يعمل -كما يقول- في لحج إلى أن فاجأته الإعاقة بعد سنة ونصف من العمل فأعاقته عن العمل وإعالة أسرته، فهو مصاب بإعاقة في المفاصل منذ 8 سنوات يتعاطى لها علاجاً شهرياً مما يتبرع به أهل الخير، وتزداد معاناة نبيل وأسرته في حال توقف عن العلاج ولم يجد المبلغ الذي يشتري به دواءه 10 آلاف ريال يتحول إلى قعيد بين جدران منزلهم جوازاً يطلق عليه منزل فيما هو عبارة عن غرفة و" ديمة» يسكن فيها 9 أفراد هو ووالدته وأخواته إذا هطلت الأمطار غمرت المنزل البسيط فتتضاعف المأساة بين أفراد الأسرة .

نبيل يتمنى والحسرة والألم يعتصر فؤاده أن يتماثل للشفاء حتى يستطيع أن يوفر له ولأسرته الحد الأدنى من القوت الضروري .

وبعد نبيل انتقلنا الى منزل شقيقان معاقان حركياً وكذا تخلف عقلي، عبده أمين محمد قاسم (7 سنوات) وشقيقه هشام (5 سنوات) كانا طريحي الفراش لا يستطيعان الحركة عدا قيام أهلهم بحملهم والتنقل بهم في المنزل وإلى الحمام، يقول والدهم الذي أكد على أنه حاول علاجهم لكن دون جدوى، عبده وهشام المعاقان كان إلى جانبهم شقيق ثالث معاق (12 عاما) لكنه -كما قال والده- توفي قبل عامين .

والغريب في الأمر وما أصابنا بالذهول أننا وجدنا أ ربعة منازل كل واحد منها يرزح بين ظلمات جدرانه شقيقان معاقان ولكل شقيقين منهما شقيق ثالث معاق لكنه توفى. ومثل حالة عبده وهشام زرنا منزلا آخر فيه معاق حركياً وكذا أبكم، يوسف محمد أحمد (8 سنوات) كان إلى جانبه شقيقه الأكبر محمد (13 سنة) هو الآخر معاق لكنه توفي قبل 3 سنوات حسب أسرته .

ومثل يوسف وجدنا وديع ابن عمه (14 عاما) معاقاً في الأطراف العلوية والسفلية فهو أفضل من غيره من المعاقين في المنطقة فهو يمشي ويدرس في الصف السادس، إلا أنه كما يقول: إذا مشى كثيرا «يحسر» وما يستطيع المشي .

هنا المأساة بمختلف صورها وأشكالها:

وهنا كانت صدمتنا أكبر وأذهلنا ما شاهدناه فعند انتقالنا إلى منزل آخر أسفل القرية التي زرناها وعند دخولنا منزل مرشد حارث نصر تجلت المأساة في أعظم صورها بل اعتبرنا ما رأيناه مأساة وما شاهدناه سابقا (قرابة 19 معاقاً) مأساة أخرى، فعند دخولنا غرفة منزل مرشد وهو منزل قديم مظلم كان في إحدى غرفه شقيقان معاقان صلاح (16 عاماً) ومبارك (12 عاماً) لكن إعاقتهما أكبر ومعاناة أهلهما أكثر فهم على أرضية الغرفة كتل لحم لا يتحرك منهما إلا رأسهما وكذا أبكم لا يتكلمان، فقد كان المنظر مؤلماً للغاية على أرضية الغرفة والذباب يعبث بوجهيهما وعند دخولنا كانا ينظران إلينا بعيون حزينة أليمة .

يقول والدهما: بعد ولادتهما بتسعة أشهر كانا في وضع طبيعي ومثل سائر الأطفال الأصحاء وفجأة أصابت كل واحد منهما حمّى شديدة على إثرها تقعده ويتحول إلى كتلة لحم بشري لا يستطيع الحركة. من خلال كلام مرشد وكثير ممن قابلناهم أن البداية تكون بحمى فسرنا تلك أنها قد تكون حمى شوكيه، خاصة وأن المنطقة جبلية لا يوجد فيها ما يجعل الإنسان يفسرها بإشعاعات أو غيرها، وسيبقى اكتشاف الأسباب عند الجهات المختصة ذات الضمير الحي التي ستزور المنطقة بعد نقلنا لهذه الظاهرة الغريبة والمأساة الدائ مة التي لا يوجد لها شبيه .

صلاح ومبارك الشقيقان المعاقان كلياً هما من النماذج التي ذكرناها سابقاً فقد كان لهما شقيق ثالث هو الآخر معاق وكان كتلتهما الثالثة لكنه توفي في رمضان الماضي .

وما سيخفف من وطأة هذه المأساة الإنسانية ولو بشيء بسيط وأولي إقامة مركز خاص بالمعاقين في ذات المنطقة إذ من الصعب انتقال العشرات مع أسرهم إلى أماكن أخرى،وسيكون ذلك أكبر مساعدة تقدم لهم لإعادة دمجهم في المجتمع وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم يعودون إلى مدارسهم واللعب مع أقرانهم.

<< أخيرا.. هؤلاء ليسوا إلا جزء من المصابين رازحين بين جدران منازل أخرى لم نتمكن من اللقاء بهم ..


*صحيفة الإهالي