شباب الثورة الأحرار وشباب الثورة المستقل
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً
السبت 15 ديسمبر-كانون الأول 2012 07:21 م

الثورة الشبابية اليمنية, قام بها وشارك فيها وفي فعالياتها وتضحياتها الكثيرون خصوصا الشباب غير المنتمي إلى أي من الأحزاب اليمنية. أولئك الشباب الرائع والوطني غير المتحزب هم الحلقة الأضعف المستهدفة من هجوم الثورة المضادة للأسباب التالية:

1- نقاء سريرتهم ونقص معارفهم في اللعبة السياسية ناهيك عن نقص تجربتهم في المقالب الأمنية.

2- اعتمادهم على إمكاناتهم الذاتية دون وجود مرجعية توجههم وترشدهم وتنبههم من الوقوع في المطبات السياسية والأمنية.

3- تضررهم من أخطاء شباب الأحزاب الذين لم يفرقوا بين مدعيي الاستقلالية من شباب الأمن والشباب المستقل حقا, حيث أصبح الشباب المستقل هدفا لهجوم شباب الأحزاب القاسي وعزلهم. ما أدى إلى سرعة تقبل الشباب غير المتحزب لكل ما يروج له شباب الثورة المضادة. ساعد في ذلك غرورهم بمقدراتهم وثقتهم الزائدة بأنفسهم وما يعتقدون به بأنه الصواب.

4- تخوف كل القوى الثورية من الشباب غير المنظم حزبيا, وإهمالهم وتركهم لقمة سائغة للشباك الأمنية, دون أن يكلف أحدا نفسه عناء الاهتمام بهم وتثقيفهم.

بعد التوافق السياسي المشوه لأحزاب المشترك والمؤتمر مباشرة, تحركت قوى الثورة المضادة تهاجم بكل قوتها الثورة الشبابية سياسيا وإعلاميا وامنيا مستفيدة من الثغرات التي تركتها الأحزاب في جسد الثورة. فكما نرى حاليا في مصر, حيث انبرى أولئك الذين رفضوا الثورة وهاجموها في قمة عنفوانها بالقول والفعل, متذرعين بالوسطية والاعتدال وحقن الدماء, إلى استخدام مفاهيمها ومصطلحاتها لمهاجمتها والقضاء عليها في المهد حفاظا على ما تبقى من النظام البائد ومصالح رموزه الظاهرين والمتخفيين. كذلك الحال في اليمن, حيث تم اختراق الساحات بشباب مجبر على تنفيذ الأوامر بتفكيك الساحات والوقوف ضد مصالحه تحت قيادة عناصر متمرسة ومحمية ومدربة تدريبا عاليا فكريا وامنيا تحت مسميات الشباب المستقل أو منظمات مجتمع مدني أو منظمات حقوقية. فإذا عدنا إلى نشاطات تلك التشكيلات الشبابية المشبوهة خلال العام 2011م, نجد بأنها كانت تعقد مؤتمراتها الصحفية علنا في فندق الشيراتون وموفمبيك, وبنفس القاعات التي يستخدمها عبده الجندي. وفيما يتعلق بالمنظمات الحقوقية والمدنية, نجد بأنها كانت ترفض التحدث عن الضحايا من شباب الثورة, بل وتهاجمهم وترسل التقارير التي تشوههم وتشوه تضحياتهم الجسيمة محليا ودوليا. وعند الحديث عن القتلة والمجرمين فإننا نجد تلك المنظمات تذرف الدموع تباكيا عليهم جاعلة منهم ضحايا أبرياء يدافعون عن الشرعية الدستورية والأمن ومصالح الوطن والشعب.

لننظر ألان في مثال حي عن احتيال الثورة المضادة على الثورات فيما جرى في مصر. فبالرغم من انتخاب الشعب لممثليه في البرلمان المصري, قامت المحكمة الدستورية بإلغاء انتخابات مجلس الشعب متسترة باستقلالية القضاء ومستغلة لكونها المحكمة الوحيدة التي لا يمكن نقض قراراتها مطلقا من أي جهة وبأي طريقة كانت. وضعت هذه الخطوة مصر في وضع لا تحسد عليه, فالبلد بدون دستور, والسلطة التشريعية مغيبة قسرا. أدى ذلك شرعا وقانونا إلى انتقال كل الصلاحيات التشريعية والسيادية إلى رئيس الجمهورية المنتخب, لكن الثورة المضادة ترفض صلاحيات رئيس الجمهورية تحت ذريعة أنها تحوله إلى ديكتاتور متناسية بأنها هي من تسببت بذلك. وباستغلال جهل غالبية الشعب للأمور الدستورية قامت بالتحريض على رفض مشروع الدستور المصري الجديد بحجج واهية, مثل تكرار بعض مواد مشروع الدستور عند الحديث عن حقوق الشعب وواجباته لمصطلح (وينظمها القانون). فإذا كانت الدساتير هي التي تحدد المبادئ الرئيسية للحقوق والواجبات, فلابد من وجود منظومة تستند إلى الدستور تقوم بتنظيم تلك الحقوق والواجبات تفصيلا. هذه المنظومة في كل دول العالم هي القوانين والتشريعات القانونية النافذة والملزمة للجميع والتي يستند إليها الخصوم والقضاء عند اللجوء إليه في حال الاختلاف حولها أو مخالفتها أو التضرر منها, ولنا في تجربة إعلان حالة الطوارئ في اليمن أثناء الثورة الشبابية خير دليل. فالدستور اليمني نص على حق رئيس الجمهورية بإعلان حالة الطوارئ وفقا للقانون الذي ينظمها, غير إن مثل ذلك القانون لا وجود له في التشريعات اليمنية النافذة مما جعل من إعلان حالة الطوارئ في اليمن عملا عشوائيا لا يستند إلى قانون ولم يؤدي إلى تحقيق الهدف المرجو منها بل والتسبب في ضررا كبير في كامل المنظومة السياسية والاجتماعية وغيرها.

حاليا تقوم الثورة المضادة بذكاء شديد مستغلة جهل غالبية الشعب بالأمور السياسية والألاعيب والمماحكة الفوضوية, بمهاجمة الثورة ورموزها ومؤيديها ومن يمثلها أو يدعمها في حكومة الوفاق والبرلمان, تحت شعارات ثورية وتعميم مموه والتقاط سريع للهفوات والأخطاء والتسريبات إضافة إلى تشويه الحقائق وعكس تركيبة الأحداث وتوجيهها بذكاء نحو وزراء المشترك. فإذا تمعنا في الهجوم ضد وزير الكهرباء سنجد بأنه يرتكز إلى الانقطاع في تغذية الكهرباء. لكننا لو بحثنا عن السبب والمتسبب سنجد بأنها أعمال تخريبية تقوم بها جهات محمية ومدعومة لا تتبع وزارة الكهرباء إطلاقا. كذلك الحال بالنسبة لوزارة المالية, حيث قامت السلطات السابقة خلال الثورة الشبابية بتسجيل 60 ألف مواطن يمني دون وظيفة وفرضت على حكومة الوفاق اعتماد تلك القائمة باستعجال تحت وطأة الضغوطات بالوطنية ومساعدة الشباب العاطل. غير أن تلك القائمة وكما يعلم الجميع اشتملت كذلك على أسماء وهمية وأسماء لمغتربين يمنيين وموظفين في القطاع الخاص ومتقاعدين, في ضل وجود حالات فعلية لمتعاقدين منذ سنوات يمارسون عملهم في مرافق الدولة دون أن تشملهم تلك الكشوف. بهذه الطريقة تم بعد التوافق متابعة مستحقات طلاب الخارج وحقوق موظفين تعود إلى أكثر من خمس سنوات على الأقل, وعندما يطالب وزير المالية بوثائقهم يقال بان وزير المالية يعرقل منحهم حقوقهم.

الغريب في الأمر إن عناصر الثورة المضادة يتناسون عمدا بان حكومة الوفاق ليست حكرا على وزراء المشترك, بل إن وزراء المشترك محرومون من أي حق في تغيير الكادر التابع لوزاراتهم, يشهد على ذلك القرارات الرئاسية الأخيرة بتعيينات في وزارات المشترك فقط الهامة منها خصوصا والمرتبطة بحقوق الشعب مثل وزارة حقوق الإنسان التي تحاول تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول الجرائم المرتكبة ضد شباب الثورة والمرفوض من المنظمات الحقوقية للثورة المضادة وكذا وزارة الشئون القانونية التي تحاول تقديم مشروع قانون العدالة الانتقالية المرفوض من قبل بلاطجة البرلمان التوافقي.

مؤخرا دفعت الثورة المضادة بعناصرها وشباب مندفع أو مغرر به إلى مهاجمة رئيس الوزراء, والتقطت بذكاء هجومه على عناصر الثورة المضادة لتعكسها على أنها اتهام لشباب الثورة من غير الحزبيين, وحركت من يدعون بأنهم الشباب المستقل أو الحر لمطالبة النائب العام بمحاكمة رئيس الوزراء. حيث يقول عبده البحش في مقالة له بعنوان حماس الشباب وانفعالات با سندوة (فاق الشباب الثائر والصامد في الساحات من غيبوبتهم وفاجئوا باسندوة بهتافات الشجب والتنديد به وبحكومته التي جاءت على دماء الشهداء، طالبين منه الرحيل هو وحكومته من السلطة، ويتهمونه ببيع الثورة الشبابية والوصول إلى الحكم على جماجم الشهداء وخيانة الدماء التي سفكت في ساحات الاعتصام. وتأكد لهم بشكل قاطع لا يقبل الجدل إن الرئيس السابق علي عبد الله صالح كان محقا عندما نصحهم وحذرهم من الذين ركبوا موجة الشباب ليحصدوا تضحياتهم ويسرقوا ثورتهم. لكنهم أدركوا بسرعة حقيقة القوى الانتهازية التي ركبت موجة الثورة الشبابية ووظفتها لصالح مخططاتها الانتهازية الأنانية الضيقة، ولذا جاء الرد الثوري سريعا على تلك القوى الانتهازية ورمزها السياسي). واستجابة لتحريض قوى الثورة المضادة اتجه شباب ينتحلون صفة شباب الثورة الأحرار إلى مكتب النائب العام لرفع دعوة قضائية على رئيس الوزراء. من جانب آخر هدد وزير النقل السابق بتقديم دعوى ضد رئيس الوزراء فيما يتعلق باتفاقية موانئ دبي (التي تآمرت على ميناء عدن وتسببت في الإضرار بمصالح اليمن أثناء توليه منصب وزير النقل) حسب قوله, متهما رئيس الوزراء (بالتنازل المجاني عن حقوق الدولة والميناء في اتفاقية الإنهاء التي تم من خلالها بيع قضية الميناء وحقوقه التي قضت عليه موانئ دبي العالمية عمداً).

في الأخير يمكن قراءة كلمة الدكتور القربي في ختام أعمال منتدى المستقبل بتونس والتي جاء فيها "إن اليمن كانت المبادرة في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والممارسة الديمقراطية وتمكين المرأة وحماية حقوق الإنسان قبل بزوغ نور الربيع العربي بسنوات". غير انه يضيف مناقضا لنفسه "نحن اليوم على أعتاب حوار وطني شامل يعالج اختلال الحكم ويرفع المظالم ويحقق العدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية ويهيئ لصياغة دستور ونظام انتخابات جديدين يتم الاستفتاء عليهما من الشعب ومن ثم انتخابات للبرلمان ورئاسة الجمهورية ليضعان اليمن على مشارف عهد جديد ودولة مدنية حديثة". فإذا كانت اليمن سبقت ثورات الربيع العربي في تحقيق التغييرات وحماية حقوق الإنسان, فمن أين جاء اختلال الحكم والمظالم؟ ولماذا البحث عن تحقيق العدالة الاجتماعية ووضع اليمن على مشارف الدولة المدنية؟ أليس هذا تلاعبا بالألفاظ وإنكارا للحقيقة وتشويه الواقع؟ من جانب آخر وحول قضية الهجوم على وزارة الدفاع أدانت المحكمة العسكرية الابتدائية 93 من العسكريين المتهمين بالاتي: (1) الاعتداء على مجمع وزارة الدفاع بصنعاء, (2) ترك مواقعهم العسكرية ومعسكراتهم، (3) رفض أوامر رئيس الجمهورية, (4) إطلاق النار, (5) الامتناع عن تنفيذ الأوامر, (6) التسبب في القتل والشروع فيه، (7) القيام بمسيرات ومظاهرات واضطرابات أمنية وإثارة الفتنة وقطع الطريق وإقلاق الأمن, (8) رفض الأوامر العسكرية. وقضت المحكمة بحبسهم مددا تراوحت بين 3 إلى سبع سنوات, وبرأت خمسة من التهم المنسوبة مكتفية بمدة الحبس التي قضاها خمسة متهمين آخرين وتأخير رتبة أحد الضباط خمس سنوات، كما قضت المحكمة بإلزام المدانين بدفع الديات العمدية والأروش العمدية للمجني عليهم. من خلال هذا الحكم قد يعتقد البعض بان العدالة تأخذ مجراها بنزاهة, غير إن المدقق في التهم ومنطوق الحكم سوف يستغرب مخالفة الحكم للقوانين العسكرية من حيث عدم اشتماله على طردهم من الخدمة العسكرية أو على الأقل نزع رتبهم وفصلهم طالما تمت إدانتهم قضائيا. وفي الجانب المتعلق بالضحايا فان الحكم بالدية في جرائم القتل دون تنازل أولياء الدم عن القصاص يبدو مخالفا للشرع والقانون. أليس هذا تلاعبا بالحقوق وإنكارا للعدالة والحقيقة وتشويه الواقع والوقائع؟ 

 خلاصة القول, على جميع الشباب حزبي أو مستقل أو حر أو مؤتمر أو مشترك, الحذر من الأعيب الثورة المضادة ومصائدها الماكرة والخبيثة, والابتعاد عن مهاجمة بعضهم البعض والانشغال بالتوافه, والالتفات إلى محاولة القيام بالتغيير الحقيقي الذي لا يستهدف أي طرف حزبي أو سياسي أو أشخاص بعينهم, والاستفادة من التجربة الرائعة لكل فئات الشعب المتوافقين والمتخاصمين في تنظيف العاصمة. عليهم نقل هذه التجربة إلى كل المحافظات واستعادة الأموال التي تدفع لشركات النظافة الخاصة أو الوهمية, والعمل كفريق واحد لفضح المخربين ومن يقف ورائهم حتى تعود أموال إصلاح ما يتم تخريبه إلى تطوير الاقتصاد اليمني. عليهم فضح الأسماء الوهمية ومن تم تعيينهم في وظائف دون أن يباشروا العمل بسبب غيابهم خارج اليمن أو ارتباطهم بوظائف أخرى في القطاع الخاص أو العسكري أو العام حتى يتم تحويل تلك المبالغ للموظفين المتعاقدين منذ سنوات دون حقوق. على الجميع العمل بروح الفريق الواحد من اجل اليمن وهزيمة أولئك النفر الذين فقدوا مشاريعهم الأنانية ومصالحهم غير المشروعة ويحاولون حماية أنفسهم بتدمير كل ما هو جميل في اليمن, وتركهم يموتون كمدا وحسرة بوحدتكم وتلاحمكم ووطنيتكم من اجل اليمن وليس من اجلهم.