الرئيس يغادر من النافذه
بقلم/ مجلي احمد الجرباني
نشر منذ: 9 سنوات و 9 أشهر و 22 يوماً
الخميس 22 يناير-كانون الثاني 2015 10:22 ص

لم يحصل رئيس عربي في الشرق الأوسط على كم هائـل من التأيـيد الشعبي

والإقـليمي والأممي كالذي حصل عـليه الرئيس عـبدربه منصور هادي لكنه ظهر

خلال الفـترة الوجـيزة الماضية بشخـصية تحبذ العيش في منطقة رمادية,

فـقـد أضاع كل الفرص الذهـبية المتاحة أمامه بصلف قـبـيلي ممزوج بترسب

اشتراكي وعناد عسكري..!! لقد صاغـت هذه السيكولوجيا المتـناقـضة مع ذاتها

أحداث يناير الدامية, وأربع سنوات من المنفى في الشمال, ثم منـفى خارج

اليمن, تـليها حرب ثـأر في الجنوب صيف 94م, أعـقبها سبعة عشر عامــًا من

العزلة الانـفرادية والمونولوجيا المزمنة المصحوبة بجلد الذات..!!

عـندما كان الرئيس في منصب نائب الرئيس وما صاحب تـلك الحـقبة من مصادرة

لرأيه, وقـمع لشخـصيته, ونزع لصلاحـيته, كل هذه الأحداث رسمت ذهنية

مشتـتـة, مـذبـذبـة, مـترددة, متـشكـكة, تعـشش فيها الهواجس, والدسائس,

والهلاوس, والجاسوسية, والمؤامرة..!!

 لم يسع الرئيس إلى بناء تحالف محلي مع قوى تـقـليدية, أو عسكرية, أو

مدنية, أو ديـنية, أو شبابـية بل أنسلخ من القميص اليمني كما ينسلخ

الثعـبان من جـلـدته متوهمــًا بأن صنارة المبعوث الأممي جمال بن عمر

ستـلـتـقطه كلما وقع في فخ أو أزمة..!! التـراجـيـديا التي صنعها الرئيس

إبان حـقـبـته المخـتـزلة كانت بدايتها مع القـبـيلة حيث تـنكر لدور

القبائل اليمنية في صناعة ربـيع اليمن السلمي, فـقـد تعـمد ألا يُـقـيم

أي حـلف مع أي قبـيلة كانت رغم ضرورة ذلك مـؤقـتــًا لمن يُـريـد فهم

الفسيفساء القبلية التي تـشكـل اليمن, وظننا لبرهة بأنه ينشد الدولة

المدنية. ثم قام بخطوة مدهشة عندما أقـال الأقطاب الحمـراء من المؤسسة

العسكرية والأمنية دون تسريع عملية الهيكلة ومواصلتها ليمنع عـن الجـيش

والأمن مزيدًا من الشتات والانقسام بل ضاع هيكـل هادي الموعـود كما ضاع

هيكـل سليمان المزعـوم, فخسر بذلك الجـيش والأمن ودلـفـت البلاد إلى حالة

من الفوضى والانفلات الأمني. كما أن الرئيس لم يُـشيد جسورًا من التواصل

البناء مع شخصيات تـتـمـتع بنفـوذ مدني أو عسكري أو ديني أو قبلي لكي

تبقى رمانة الميزان الراجحة في يده حتى يستطيع تمرير مشروعاته التصحيحية

لكن شيئــًا من ذلك لم يحدث, وظن أن مظـلة مجلس الأمن ستحـميه من أمطار

صنعاء المزاجـية المتـقـلبة. وللأسف لم يكـتـف بذلك العجز الدبلوماسي بل

ذهـب بعـيدًا في التآمر على من حوله وولج في مستـنـقع من الكـيد السياسي

المرهـق وأدار وجهه إلى الحائط مرة أخرى..!! أضافة إلى ذلك لم يستطع

الرئيس المحافـظة على مكانـته داخـل حـزب المؤتمر الشعـبي العام حـيث خسر

منصبه كأمين عام وكذلك لقب الرجل الثاني داخل هياكل الحـزب. وأخـيرًا لم

تسلم منه ثورة 11فبراير الشبابية السلمية عندما وصفها بالكارثة وبهذا لم

يُـبـق الرئيس على حـليف واحد له سواء في القبيلة أو الجـيش أو الأمن أو

الرئاسة أو الأحزاب أو الجماعات أو المؤتمر الوطني أو الاصطفاف الوطني أو

الماضي أو الحاضر بل قـلب الطاولة على الجـميع بما فـيهم نفسه حتى أنه

خـسر التعاطف الشعـبي وهم ستة ملايـيـن يمني ممن صوتوا له...!!

و على المستوى الخارجي لم يتوقـف الرئيس عن الانسلاخ فـقـد خـدع سفراء

الدول العـشر راعية المبادرة لتستـيـقـظ دول الخليج صبـيحة الحادي

والعشرين من أيلول المنصرم أمام واقـع مغايـر تمامــًا أعاد شبه الجزيرة

العربـية ألف وخمسمائة عام إلى الوراء وبالتحديد إلى عهد الوالي باذان

طيب الله ثراه..!! لن تـقـف هذه التراجـيديا المحـزنة ولم ينـته سيناريو

هادي, فجعبة الرئيس مازالت حبلى بغريب أطواره ولم تـلد بعد..!! واقعنا

أيها الرئيس عبارة عن أيتام, أرامل, نازحين, أزمات, منازل مفجـرة, حـروب

أهلية, حكومة مشلولة, جـيش مستسلم, مليشيات مستعرة, لا صوت يعلو فوق صوت

الرصاص, لذا نريد صبحــًا بدون هادي أليس الصبح بقريب..؟

خـتـامــًا أريد من الرئيس أن يتـذكر بأنه أول رئيس جمهوري بعـد ثورة

الربـيع في اليمن وكان بإمكانه الخروج من أوسع أبواب التاريخ في حالة

محافظته على وحدة شعبه ووطنه, ومنع حروبه الطائفية والمذهبية والأهلية

التي شهدتها البلاد خلال سنوات حكمه لو كان فـقـط مخلصــًا وصادقــًا مع

نفسه وشعبه, لكنك يا فخامة الرئيس حكمت, فظـلمت, فخـفـت, فهـربت من

النـافـذة..!! لقد ترك الرئيس خلفه أوسع أبواب التاريخ مفـتـوحــًا

لينـفـد بريشه من النافذة, وربما - يا فخامة الرئيس – قد رحمك قـلمي من

النـقـد لكن هيهات لك أن تـنـفـد من مقصلة التاريخ, ومحكمة الأيام, ونظرة

الأجيال..!!

في ابريل عام 2013م كـتبت مقـالاً مؤيدًا للرئيس عبدربه منصور هادي

وبالـتحديد عـشية صدور قـرارات جمهورية بإقالة كلاً من اللواء علي محـسن

والعـميد الركن أحمد علي وكان المقال بعنوان " الهادي الذي يسبق العاصفة"

 لذا أدعو جمهور القراء العودة إليه فهو يستحق القراءة والندم لأني

كـتبته ودموعي تسابق القـلم..!! لقد ظنـنت بأن الجـنرال الذي أطـلع على

المقالة ثم قال لي: " يا بني لا تحكم على الأشخاص بهذه السرعة فالرجل لم

تـتضح شخـصيته بعد...!!" لقد ظـنـنـته جـنرالاً مكبلاً بالماضي لكني أجد

اليوم لملاحـظته صدى في مسمعي, وفعلاً لم يتحـقـق من مقالـتي تـلك إلا

عـنوانها فـقـد أثـبتت لنا الأيام بأنـك الهادي الذي يسبق العاصفة التي

توشك أن تهوي بنا اليوم إلى مكان سحـيق..!!