حددوا المصطلحات: السلفية ليست القاعدة
بقلم/ رصين الرصين
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 26 يوماً
الجمعة 20 يناير-كانون الثاني 2012 03:04 ص

في التوصيف القانوني والشرعي، والبحث العلمي بشكل عام من المهم تحديد المصطلحات.. ومنذ سنوات التبست السلفية بالقاعدة؛ بسبب مصطلح لا أقول غير دقيق، بل غير صحيح المرة، وهو السلفية الجهادية، ولست أدري من صاحب هذا المصطلح غير الصحيح، وغير المعبر بل الخاطئ المخطئ، الظالم الغاشم، المجحف الجاهل بواقع السلفية.. لعل من أهم الأحداث التي تكشفت في السنوات الماضية: الوجه القبيح لجماعة دينية سياسية عسكرية، هي تنظيم القاعدة. وتنظيم القاعدة.. هو مذهب خبيث يستند إلى فكر الخوارج الذين خرجوا على الصحابة، على علي بن أبي طالب، وعلى معاوية، وعلى طرفي التحكيم أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص.. رضي الله عن الجميع.. ولا يفوتنا هنا أن نذكر نقطة هامة تتعلق بقصة التحكيم، وهي: أن الاتفاق بين طرفيه تم على أكمل وجه، وليس كما جاء في بعض الروايات التاريخية - وكما يردد الشيعة - أن عمرا استغفل أباموسى، وخلع عليا وثبت معاوية،.. وبعد أن جرى خلع علي ومعاوية – وهذا بالمناسبة حل سياسي لا ديني - فاجأ الجميع أناس خرجوا من صف علي رافعين المصاحف، مستدلين بقوله تعالى وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ المائدة: 44. عندئذ قال علي قولته المشهورة، التي ذهبت مثلا \\\"كلمة حق يراد بها باطل\\\" والتي هي حجتنا على رفض الحلول الدينية في الخلافات السياسية، ورفض تحكيم رجال الدين، فإن أول من رفضه هو سيد الأتقياء والبررة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.. بعيدا عن الدعارة الدينية التي يمارسها من يقول: كيف ترفضون كلام الله، والعلماء، ورفع المصاحف؟.. ولما خرج هؤلاء الخوارج وكفروا الجميع: عليا – معاوية – عمرا – أباموسى.. وجميع من كان في معركة صفين من الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، عندئذ قرروا أنهم بما أنهم كفار، وبما أنه لا توجد إمام شرعي ولا دولة – من وجهة نظرهم – فإن عليهم أن يقيموا شرع الله، وينفذوا حدود الله، فاعتزلوا جميع المسلمين في الجبال والصحارى، فمن لحق بهم فهو منهم. ومن لم فهو كافر حلال الدم.. سواء كان مع معاوية أو علي الذي انشغل عن معاوية بقتالهم، فجرد جيشا لحربهم وقتل منهم مقتلة عظيمة؛ تنفيذا لأمر رسول الله \\\"لئن أدركتهم، لأقتلنهم قتل عاد\\\" وقد وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم \\\"كلاب النار\\\" ووصف من يقتل منهم بأنهم \\\" شر قتلى تحت ظل السماء.. وتحت أديم السماء\\\". ووصف ضحاياهم من المسلمين طبعا بقوله \\\"خير قتلى تحت ظل السماء من قتلوه\\\" فقرروا – انتقاما لقتلاهم، وبعد مرور ثلاث سنوات من صفين – تنفيذ عمليات اغتيالات نوعية للصحابة بدءا بالأربعة السابق ذكرهم، ولم ينجحوا سوى في اغتيال علي رضي الله عنه سنة40 هــ على يد المجرم الأثيم الملعون عبدالرحمن بن ملجم المرادي لا رحمه الله ـ. أما معاوية في الشام وعمرو في مصر فلم يستطيعوا الوصول إليهما؛ لبعد المسافة، ولمناعة حصونهما الأمنية والعسكرية. وكذلك الحال مع أبي موسى الأشعري، الذي لحق بأهله في اليمن في محافظة الحديدة.. وهكذا استمر الخوارج يقلقون الدولة الإسلامية؛ حتى جرد بنو أمية عبدالملك وابنه الوليد من بعده لحربهم ظالما غشوما هو الحجاج بن يوسف الثقفي، فاستأصل شأفتهم، وكان هذا من حسناته القليلة. هؤلاء هم الخوارج، الذين امتدادهم تنظيم القاعدة، وبعض العلماء لا يكفرونهم استنادا إلى موقف علي رضي الله عنه وهو أول من قاتلهم لما سئل عنهم \\\"كفار هم؟ قال: من الكفر فروا.. قيل منافقون: قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، وهؤلاء مجتهدون في العبادة\\\" قيل: فما هم؟ قال: \\\"إخواننا بغوا علينا\\\" أما قتال من حمل السلاح على الدولة - كتنظيم القاعدة، وأي حزب سياسي له جناح عسكري كحزب الله في لبنان – فهو واجب الدولة.. وأول من سن هذه السنة الحسنة هو أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.. ويستثنى من ذلك طبعا مقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان فهذا جهاد مقدس.. والذي قصده علي من هذا القول: هو رفض الربط والتلازم بين التكفير ودخول النار؛ فهو لا يجوز، لأنه لا يجوز الحكم بجنة ولا نار لأحد من غير نص، وإن جاز الحكم بالنار، فلا يجوز الحكم بالخلود فيها.. خذ مثلا المسؤولين الفاسدين الذين سرقوا من أموال الشعوب الملايين، ثم لم يتوبوا أو تابوا لكنهم لم يعيدوا تلك الأموال والحقوق.. هؤلاء لا شك أنهم في قعر الجحيم، لكن الذي لا نستطيع أن نجزم به هو خلودهم في جهنم.. أما لذعة ولسعة ولفح وتلويح وكي وشي فلا بد منه؛ اقتضاء لأحد أسماء الله الحسنى: العدل.. فالجنة ليست سمسرة يدخل فيها كل فاسق وظالم وفاجر وعابث بحقوق البشر، ثم يتوب فإذا توبته غسالة فول أوتوماتيك وصك غفران، دون أن يصلح ما أفسد.. فهذا ليس مذهب أهل السنة والجماعة.. بل هو مذهب المرجئة - وهو لاشك مذهب ضال مضل..

 

أما السلفية، فهي: حركة علمية دينية دعوية غير سياسية.. بل هي تحذر وتنفر من السياسة، وهي أكثر المذاهب الإسلامية بعدا عن التكفير، وحملا للسلاح.. وحتى إن حكمت بالتكفير، فهي لا تجيز استخدام العنف البتة، فضلا عن حمل السلاح.. وأجزم أن شيخنا وشيخ السلفية الإمام الألباني - المتوفى إلى رحمة الله سنة 1999 – لو أنه أدرك أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، لأفتى صراحة أنها عمل إرهابي جبان، لا ينتمي إلى الإسلام، ولا يمت إليه بصلة.. كيف لا وهو كان يفتي صراحة بتحريم الاعتداء على السياح بأي شكل.. وكذلك كل عمل عسكري مسلح ضد دولة ليس فيها احتلال، وحتى لو كان فيها احتلال فإن الإسلام لا يقر القتل العشوائي الجماعي على طريقة تنظيم القاعدة في الأسواق الشيعية في العراق.. بل إن المنهج السلفي يبرأ إلى الله من هذا المنهج الضال المضل، الذي يعتمد اختطاف السياح، فإن دماء البشر وأموالهم وأعراضهم معصومة عصمة مطلقة بغض النظر عن أديانهم.. فالمنهج السلفي لا ولم ولن يقبل شيئا من ذلك.. فضلا عن حقوق المواطنين في البلد الواحد كالمسحيين في مصر، واليهود في اليمن.. وحتى الشيعة الاثناعشرية والحوثية يكفر المنهج السلفي دينهم وعقائدهم وليس أشخاصهم، وحتى لو كفر أشخاصهم فإنه يبقى رأيا علميا، لا يبيح الاعتداء عليهم بأي شكل خارج القضاء، وبعيدا عن سلطان وهيبة الدولة.. ويرفض المنهج السلفي تماما كل جماعة تريد أن تضع نفسها مكان الدولة مهما بلغ ضعفها.. والخلاصة أن السلفية حركة علمية دينية لا تقوم على العنف ولا ترضاه ولا تقبل به ولا تقره.. وخذ مثلا حيا طازجا على ذلك: قد نختلف نحن السلفيين في تكفير من تطاول على الذات الإلهية: كالمقطري والحوبان.. لكننا نتفق جميعا أنه لا يجوز الاعتداء عليهما بالضرب – فضلا عما فوقه – ومن أقر العنف خرج من السلفية إلى جهنم.. أما السلفية فهي دعوة لين ورفق، ترفض العنف جملة وتفصيلا بدءا من العنف اللفظي مرورا بإقامة الحدود بعيدا عن القضاء وصولا إلى ذبح البشر الذي يمارسه المجرمون من تنظيم القاعدة في كل مكان من العالم.. والسلفيون أبعد الناس اغترارا بهذه اللحى العفنة النجسة لهؤلاء المجرمين من تنظيم القاعدة، الذين ينطبق عليهم تماما قوله تعالى:

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً{103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً{104} أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً{105} ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً{106}..

وقد يختلف معي بعض السلفيين في قولي عن المجرم الأثيم أسامة بن لادن: لا رحم الله منه عظما واحدا، فهو يخالفني في جواز الترحم عليه.. لكن بالتأكيد يتفق معي كل سلفي: أن تنظيم القاعدة فرقة ضالة مضلة مستحب قتلهم، مطلوب إبادتهم واستئصال شأفتهم وتطهير الأرض منهم.. الإسلام بريء منهم وهم منه براء..

وفي عام 1988 - قبل أحداث أيلول بسنوات طويلة - أطلق الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله على أسامة بن لادن لقب \\\"رأس الفتنة\\\"..