«سايكس بيكو» حاضرة في بناء سوريا الجديدة
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: يوم واحد و 9 ساعات و 34 دقيقة
الإثنين 27 يناير-كانون الثاني 2025 05:18 م
 

زوبعةٌ ثارت ولم تهدأ منذ أن قام أحمد الشرع قائد الإدارة السورية الجديدة، بتعيين بعض العناصر غير السورية في مواقع حيوية في الدولة، واعتبر البعض أنه إجراء ميليشياوي يهدف إلى ترهّل مفهوم الوطن، الذي ينبغي أن يقوم بسواعد أبنائه لا بسواعد غيرهم.

هذه الزوبعة في حقيقة الأمر لا مبرر لإثارتها، لأن ما أتت به مصادم لواقع الدول المعاصرة، التي تستعين بخبرات من خارج حدود الوطن للاستفادة منها، أو تعين في الوظائف العامة مواطنين يقيمون على أرضها وينتمون إلى جنسيات أخرى، دون أن ينال ذلك من سيادتها.

لا يشترط أن يتولى المناصب في الدولة، مَن كانت جذوره ممتدة في أرضها، فمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية أقوى وأغنى دول العالم، يتبوأ منصب وزير الدفاع فيها لويد جيمس أوست، وهو من أصل افريقي.

الممثل واللاعب الأشهر في تاريخ رياضة كمال الأجسام، أرنولد شوارزينيغر، تولى منصب عمدة كاليفورنيا الأمريكية، فهو الحاكم الثامن والثلاثون لهذه الولاية، على الرغم من أنه من مواليد النمسا، كذلك فإن رالف نادر سياسي أمريكي ومحاضر لامع في الستينيات، ترشح لرئاسة أمريكا ست مرات عن حزب الخضر، رغم أن أبويه من لبنان، وغيره كثير من العناصر في المنابر الإعلامية الأمريكية مع كونهم من جنسيات وأصول مختلفة. وفي الوطن العربي هناك العديد ممن تولوا مناصب في غير البلاد التي نشأوا فيها وأتوا منها، منهم على سبيل المثال سمير الرفاعي رئيس الوزراء الأردني الأسبق، هذا الرجل من مواليد صفد في فلسطين. شبكة الجزيرة القطرية التي قدمت نموذجا عربيا مشرفا يلمع في سماء الإعلام العالمي، وأصبحت على قدم المساواة مع شبكات الإعلام الغربي، كثير من القائمين عليها من العرب غير القطريين. كرة القدم التي لم تعد مجرد لعبة، وغدت مجالا ذا أبعاد سياسية وثقافية واقتصادية وقومية، لماذا لا نعترض إذا تولى مدربون أجانب تدريب منتخباتنا الوطنية؟ لماذا لا تتعالى الأصوات حينها بضرورة أن يُقدم المدرب الوطني ولو كان أقل كفاءة؟

إن المعيار في تعيين العناصر للوظائف العامة هو القدرة والثقة، أو القوة والأمانة، كما جاء في القرآن الكريم في قصة نبي الله موسى مع الفتاتين اللتين سقا لهما (قالت إحداهما يا أبت استأجِره إن خير من استأجرت القوي الأمين).

نعم ابن الأرض هو أولى بها، ولكن إن كانت هناك حاجة إلى من هو أكثر منه كفاءة من خارج هذه الأرض، فليس هناك أدنى مشكلة في تعيينه من أجل الصالح العام، طالما أنه لا يقدح في سيادة الدولة. لم تكن تلك القضية تمثل شيئا ذا بال قبل تقسيمات سايكس بيكو، التي وضعت تلك الحدود والحواجز بعد تفتيت الوطن العربي، ولنا أن نعلم أن بعض من تولى مشيخة الأزهر الشريف في مصر من ذوي أصول عربية أخرى، مثل الشيخ محمد الخضر، الذي تولى منصب شيخ الأزهر وهو تونسي المولد جزائري الأصل. ولكن مع الأسف الشديد، انتقلت هذه الأسوار والحواجز والحدود التي صنعها الاحتلال إلى الوجدان العربي، فلم يعد كثير منا يتقبل فكرة الذوبان في مفهوم الأمة الواحدة.

العالم كله يتكتل ويتحد سوانا، الاتحاد الأوروبي كسر الحواجز وفتح الحدود ووحّد العملة، وأصبحت دولُهُ كتلة واحدة، ونحن هنا نسخط على تعيين الإدارة السورية لشخصيات من خارج الحدود السورية. هناك قبائل مشتركة بين الدول لها اللكنات نفسها، والعادات والتقاليد نفسها، تمثل وحدة واحدة، وزعت على الأقطار، كالقبائل التي توزع بنوها بين سوريا والأردن، فوفقا لتقسيمات سايكس بيكو فإن السوريين ينبغي أن لا يستعينوا بأبناء هذه القبائل الموجودين على الأراضي الأردنية، وينبغي للأردنيين أن لا يستعينوا بمن يعيشون على الأراضي السورية، مع أنها قبائل واحدة.

لو افترضنا مثلا أن سوريا اقتطعت حدود الأردن ودخل من فيها تحت السيادة السورية، فحينئذ سيكون مقبولا أن يتم تعيين أبناء هذه القبائل في المناصب في الدولة السورية، مع أنهم قبل ذلك كانوا أردنيين، فأي منطق في هذا؟ حدود صنعها الاحتلال تغرس فينا هذا الخلل في الإدراك والتفكير وحسابات الأمور؟!

بناء سوريا الجديدة يحتاج إلى جهود كل من يهتم بأمر سوريا، ونحن أبناء أمة واحدة، يتحتم علينا أن نتعاضد مع إخواننا السوريين من أجل إزالة أنقاض الحكم الفاشي، الذي أدخل البلاد في دوامة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبناء سوريا جديدة قوية وموحدة، مع الاحتفاظ قطعا بالأصل الثابت، وهو السيادة للدولة التي يحكمها أبناؤها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون