الدكتور حمد الكواري .. إنسانية تنبض بالفكر والثقافة
بقلم/ راجح بادي
نشر منذ: 23 ساعة و 54 دقيقة
الأحد 26 يناير-كانون الثاني 2025 08:04 م
  

«الثقافة ليست مضمارا للتنافس، أو مجالا للمفاضلة بين الشعوب، فلكل مجتمع طابعه الثقافي الذي يعكس جوهر قيم إنسانية مشتركة».

 

من خلال لقاءاتي معه وقراءتي لعدد من مؤلفاته ومقالاته تبلور لدي انطباع راسخ بأن هذه القناعة العميقة تُشكل أساس رؤية الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، الذي يؤمن بأن البشرية تميل بطبعها إلى التعايش والبناء أكثر من النزاع والصدام. هذه الفلسفة بالطبع لم تأتِ من فراغ، بل صقلتها سنوات طويلة من العمل السياسي والدبلوماسي والثقافي.

إعلان

   

الدكتور حمد الكواري ليس مجرد شخصية عامة أو رجل دولة قطري بارز، بل هو قامة ثقافية عربية تركت بصمتها في فضاء الفكر والعمل الثقافي. إنه شخصية تجمع بين الدبلوماسية والحكمة، وبين العمل السياسي وعمق الحس الإنساني.

 

ولن أخفيكم أن هذا الرجل يحوز مكانة خاصة في قلبي، فهو ينتمي لذلك النوع من الأشخاص الذين يتركون أثرا عميقا في الروح دون جهد. فحين تجلس معه، لا تشعر أنك أمام ذلك المسؤول الذي تبوأ العديد من المناصب المرموقة، وتنقل ببراعة وحنكة في حقل العمل الرسمي، من السياسة إلى الثقافة والتمثيل الدبلوماسي لدولة قطر في عدد من دول العالم؛ بل أمام إنسان تنبض روحه بالدفء والمودة ولطف الحديث. لديه حضور يجمع بين الرصانة والتواضع، وحين يتحدث يأخذك حديثه بعيدًا؛ فلا تصدر عنه كلمة إلا وهي مليئة بالحكمة والتجربة.

 

مجلسه الثقافي الأسبوعي، المعروف بـ «مجلس الثلاثاء»، ليس مجرد تجمع عادي، بل مساحة نابضة بالحياة؛ فهناك تجد نخبة من المفكرين والأكاديميين والمسؤولين والدبلوماسيين يجتمعون تحت سقف واحد للحوار.. يتبادلون الأفكار، ويناقشون سائر المواضيع بوعي وعمق، ويطرحون قضايا تُثري الفكر وتفتح آفاقا جديدة للعقل. نعم، لقد استطاع الدكتور الكواري تحويل هذا المجلس إلى منصة فريدة للنقاش والحوار، حيث تتلاقى العقول وتُبنى جسور التفاهم والتقارب ليصبح شاهدا حيا على قدرة الثقافة على جمع الناس وكسر الحواجز.

 

ولأن أسبابا عديدة مرتبطة بالعمل وانشغالات الحياة تحول أحيانا دون قدرتي على الالتحاق بالمجلس؛ إلا أن حواراته وأجواء النقاش التي يصنعها تفرض نفسها دائما على الروح والذاكرة؛ فأجد نفسي في اشتياق لتلك الأجواء، متلهفا للعودة إلى المجلس، كأنما هو بيتي الذي أجد فيه ذاتي المحاصرة بمتطلبات العمل في بلد الاعتماد.

 

وعندما نتحدث عن دور الدكتور الكواري في قيادة مكتبة قطر الوطنية التي يرأسها منذ نحو خمسة أعوام، نجد صورة أخرى تعكس جسارته كمسؤول وشغفه بالعمل والنجاح.

 

فبفضل إدارته وجهوده أصبحت المكتبة التي تضم ملايين الكتب والمخطوطات النادرة صرحا عالميا يربط بين الماضي والمستقبل.. فقد جعل منها فضاء يتجاوز حفظ التراث إلى تعزيز الحوار الثقافي والانفتاح الفكري حتى غدت اليوم نموذجا فريدا لمؤسسة ثقافية تجمع بين الهوية الوطنية والانفتاح على العالم؛ فضلا عن دورها في ترسيخ مكانة قطر كمركز ثقافي عالمي.

 

أما اليمن، فله قصة أخرى في حياة الدكتور حمد الكواري؛ فالحديث عن بلدي العزيز يخرج من قلبه دافئا نابضا بالعاطفة والإعجاب؛ فهو لا يرى في اليمن مجرد بلد عربي شقيق، بل ينظر إليه كمصدر إلهام ثقافي وحضاري ودائما ما تغنى به وعبّر عن إعجابه بثرائه الثقافي وحضارته العريقة، وردد أن هذا البلد العظيم يجسد روح الثقافة العربية وعمقها التاريخي.

 

أبوح اليوم بشيء مما في قلبي تجاه صديقي العزيز الدكتور حمد الكواري وأنا أشاركه ألما لا يمكن للكلمات أن تصفه جراء فقدانه نجله الغالي تميم، رحمه الله .

 

إن قلبي كله مع الدكتور حمد في هذه اللحظة العصيبة، وأقول له بكل صدق: نحن معك، نقف إلى جانبك، وندعو لنجلك بالرحمة والمغفرة، ولك وعائلتك بالصبر والثبات.

 

أثق تماما يا أخي وصديقي أن عزيمتك الصلبة وإيمانك العميق سيظلان نورا يضيء حياتك، كما كنت دائما مصدر إلهام لمن حولك، أما نحن فهذه المحنة التي تمر بها لن تزيدنا إلا يقينا بصلابة روحك وتماسكها.. ولطالما كانت كذلك في أصعب الأوقات.