كهلان وإخوته
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني
  

قصة قصيرة 

  

أثناء وجودي بالمستشفى كان يرقد في السرير المجاور لي أحد المرضى من كبار السن، يئن ويتوجع ويسأل ولده الجالس بجوار سريره:

ــ ما جاء حمد؟

ــ لا.

ــ ولا مبارك؟

ــ ولا مبارك.

ــ ولا سلطان؟ 

ــ ولا أحد يا والد.

يذهب الرجل المريض في غيبوبة ويخف أنينه فأغفو قليلا وأنا أرتعش من البرد، ثم أصحو على صوته ينادي ولده:

ــ كهلان وين رحت الله يهديك؟!

لم يكن لولده أثر، أخرج هاتفي من تحت الوسادة، الساعة الثانية بعد منتصف الليل، لم يتصل بي أحد لكن هناك رسالة، أفتح الهاتف فأجدها من ابنتي:

ــ بابا قلوبنا معك.. كيفك الآن؟ إن شاء الله تكون بخير.

تسقط دموعي رغما عني ويجتاحني الحزن والوحشة في هذا الليل البارد.

ــ يا دكتوووور.

ينادي الرجل المريض ولا يجيبه أحد.!

أنظر لزجاج النافذة، الندى يتحول لسيول صغيرة، وبرد صنعاء يشتد علي، أتحامل على نفسي وأغادر إلى الحمام لأتبول وفي طريق عودتي أحمل بطانية من فوق أحد الأسرة وأعود لسريري.

يأتي الشاب ويضع يده على جبهة والده فيفتح الرجل عينيه ويناديه بصوت واهن:

ــ كهلان.. وصيتك أمك وأختك لا تهينهم بعدي.

يجيبه ببرود:

لا تخف على هيفاء وأمي، خاف علي أنا.

يخرج الشاب ورقة وقلم من جيبه ويقول لوالده:

ــ اكتب لي أي شيء يا بو حمد.

ويضيف:

ــ أنا خدمتك بمرضك وما قصرت.

يلح عليه:

ــ اوفي بوعدك لأمك يا بو حمد فديت رجلك.

يدفع والده بالورقة والقلم ويحول وجهه عنه.

يلتفت الشاب إلي ويسألني:

ــ أنا غلطان حين أطالبه يكتب لي شيء؟

ويضيف:

ــ أخوتي با يظلموني حتى الموتر با يشلوه مني.!

يدور في الغرفة وهو يفرك أصابعه ويشرد بذهنه ويحدث نفسه بصوت خفيض.

يهدأ بعد ساعة، يأخذ تفاحه من الكيس وعلبة عصائر ويناولني، أشكره، يقرب كرسيه من سريري ويبدأ في الحديث:

ــ الوالد مريض له أكثر من شهرين ما جاء أحد من إخوتي يزوره، حمد يتصل برأس الشهر، البقية والله ما أحد سأل عنه.!

 وأحاول معه يكتب لي شيء لكنه رافض، يحبهم يا أخي رغم قساوتهم عليه.!

ويعيد ويكرر:

ــ أخوتي با يظلموني حتى الموتر با يشلوه مني.!

يأتي الطبيب يقيس له الضغط لوالده ويفتح عينيه، يدس سماعته في صدره ويقول:

ــ أبوك حالته حرجة يا شيخ كهلان اتصل بإخوانك.

يخرج هاتفه ويبدأ بالاتصال، يدور في الغرفة بقلق، يخرج ويعود وهاتفه يرن ولا يرد عليه أحد.!

يعيد هاتفه إلى جيبه ويكمل حديثه:

ــ حاقدون علي أنا وأمي وأختي حقد أعوذ بالله، كل هذا لأن الوالد تزوج على أمهم، وكان يفضل أمي ويحبها وأكثر وقته عندها..

أسأله:

ــ أنتم من وين؟

لم أسمع رده جيدا فسألته:

ــ كيف خراف المواشي؟!

ــ خراب المراشي يا خبير. 

وأضاف بغضب:

ــ قد خليتنا زريبة.!

أعتذر له فيهز رأسه ويسكت.

هممت أن أسأله أين تقع خراب المراشي هذه لكن نوبة ضيق تنفس داهمتني فوضعت كمامة الأوكسجين على فمي وسكت رغما عني.

يخرج من جيبه حزمة من القات ويدس أغصانها في فمه ويبدأ بمضغها وهو يلعب بهاتفه.

أحملق في السقف وكلما حاولت أن أغفو يعود والده للأنين والتوجع فيطير نومي.!

زاد أنينه هذه المرة وغشاه العرق، صار يتقلب على فراشه وهو يرتعش كعصفور تحت المطر.!

ــ كهلااان.

يضع الشاب هاتفه جانباً ويمسح عرق والده ويكرر:

ــ يا والد اكتب لي شيء أخوتي با يظلموني ويأخذون كل شيء.

بعد ساعة من العذاب يهدأ والده ويغفو.

يقترب مني مجددا ويسألني:

ــ أنت ويش فيك يا والد؟

ــ فشل في عضلة القلب تسبب لي ضيق في التنفس يزداد مع البرد الشديد ويتحول لاختناق.

يخبط بيده على ركبته قائلاً:

ــ ما أحد عليها بسالي.

يعود للحديث دون أن أسأله:

ــ أخي حمد ظلوم غشوم، كلب ما يرحم، لكن مبارك وسلطان فيهم وفيهم، أما البنات مساكين.

 يعود والده للأنين والتوجع بقوة، صار يلهث بشدة وكأن وحشاً يطارده، يذهب الشاب ويأتي بالطبيب الذي يأمر بنقله للعناية المركزة فوراً.

بعد ساعة يعود الشاب يضع لي أكياس العصائر والفواكه قائلاً:

ــ الوالد توفي.

ـ عظم الله لكم الأجر والثواب وأحسن لكم العزاء.

يضرب كفاً بأخرى ويقول:

ــ فعلها وما كتب لي شيء.

ثم أضاف:

ــ أخوتي با يظلموني حتى الموتر با يشلوه.

أناديه...

 لكنه هز كتفه ومضى وكأن شيئا لم يكن.!

 

*****


في الجمعة 17 يناير-كانون الثاني 2025 09:37:14 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=47353