تحذير من خيانة الله ورسوله في الزكاة والصدقات.
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: يوم واحد و 9 ساعات و 33 دقيقة
الإثنين 17 فبراير-شباط 2025 05:11 م
  

واحدة من أبشع صور التحايل المتكررة التي حرمها الله سبحانه وتعالى, ونهى عنها في شروط ومواصفات وجودة أموال الزكاة والصدقات تمحق الرزق وتثير غضب الله على مرتكبها وزوال النعمة والبركة من بين يديه.

في شهر رمضان الفائت إستوقفني أحد الفقراء لعرض بيع كرتون تمر حصل عليه من طابور صدقات أحد التجار ويحتاج لثمنه..

أعطيته المبلغ على أن يحتفظ لنفسه بالتمر فأبت نفسه العزيزة ذلك وأقسم أنه لن يأخذ ثمنه مني فقبلت منه الكرتون مع إلحاحه.

 

كان مظهر التمر يبدو من الصنف الفاخر لكن المفاجأة وقت الإفطار وطعمه المختلط بمبيد حشري شبيه بمبيد(ألدي.دي.تي) الشهير تسبب لي وللعائلة بالغثيان رغم مظهر التمر ولونه الفاتح وقوامه المتماسك الذي لا يشك أحد بجودته وصلاحيته.

تنبهت أن الكرتون بدون أي علامة تجارية أو كتابة تدل على الجهة المنتجة, وكذلك أغلفة التمر البلاستيكية الشفافة تخلو من أي ملصق تعريفي بالمنتج أو أي إشارة تدل على المعمل وبلد المنشأ التي جاء منها إلى اليمن.

تأكدت بعدها قيام مزارعي التمور برش المحصول بالمبيدات الحشرية لحمايته من التلف فيحصل العكس بزيادة كمية المبيدات السامة أو جني غلة التمور قبل مرور فترة الأمان المناسبة. 

قد يمر هذا التمويه والخداع التجاري على جهات ورقابة الجودة والمواصفات لكنه لن يفلت من سخط وعقاب رب العالمين على مرتكبيه.

وقد نزلت في ذلك آية محكمة واضحة اللفظ والحكم والدلالة على نفقة زكاة وصدقة الأنصار بالتمر الردئ والتالف كانوا يضعونه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ ۚ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ(ألآية 267 من سورة البقرة).

 

وسبب نزول هذه الآية قال الحسن والمجاهد والضحاك: كان الأنصار يتصدقون بشرار ثمارهم ورذالة أموالهم ويعزلون الجيد ناحية لأنفسهم فأنزل الله تعالى(ولا تيمموا الخبيث) الرديء منه (تنفقون منه ولستم بآخذيه(الخبيث) إلا أن تغمضوا فيه) والإغماض غض البصر يحرف عيناه عن رؤية صدقة الخبيث على ظن أنها لن تشهد عليه يوم القيامة.

 

وقد أمر سبحانه وتعالى أصحاب الأموال التجار الكبار والصغار ومن تجب عليهم نفقات وزكوات الزروع وحتى زكاة الفطر البسيطة الإنفاق بسخاء نفس من الحلال الطيب الذي يحبه صاحب المال أو العطية نفسه ولا ينفق من الأشياء التي يكرهها أو لا تنطبق عليها القاعدة الشرعية( ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[ سورة آل عمران: 92].

وعندما نزلت هذه الآية كما روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال أنس بن مالك قال أبو طلحة(أكثر الناس مالاً بالمدينة): يا رسول الله إن الله يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون, وإن أحب أموالي إلي بيرحاء, وإنها صدقة لله, أرجو برها وذخرها عند الله تعالى, فضعها يارسول الله حيث أراك الله.) فقسمها رسول الله صلى الله الله عليه وسلم على الفقراء.

 

لعلها واحدة من الصور الدالة على محبة الله ومخافته, وليس التزكي والإنفاق من ما يكره الشخص ويربأ هو نفسه عن أخذه إذا أعطي له(تغمضون فيه ولستم بآخذيه).

 

و تجرؤ المسلم المؤمن على فعل ما نهانا الله عن فعله خيانة لله ولرسوله( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ. (سورة الأنفال ألآية (27).

 

والخبيث تطلق على الشيء الحرام والمستقذر الذي لا يقبله صاحب الصدقة نفسه كما في زكاة بعض التجار من التمر الرديء أو المسموم أو الحبوب المسوسة والتالفة أو الأرز والحبوب المخلوطة والدقيق بغرض إخفاء جزء غير مرغوب وضار منها والذي لا يعطى كصدقة لإنسان وربما لا يصلح للحيوان.

فالصدقة طاعة مفروضة لله عن طيبة نفس وخاطر, حتى تلك الصدقات الطيبة والجيدة من ثمار الزروع وغيرها لا يصل أجرها إلى الله كاملاً عن كراهة البذل والعطاء فما بالنا عندما تكون صدقة خبيثة وضارة بصحة الإنسان.

والمؤمن الصادق السخي مع خالقه لا يبذل إلا أجود ما في أمواله من النقود والزروع و الطعام وغيرها(أنفقوا من طيبات ما رزقناكم) لينال به أضعافه عند الله في الدنيا والآخرة.

 

*لا زكاة أو صدقة من حرام*

 

ومن ما لا يقبله الله سبحانه وتعالى من الصدقات كذلك هو المال الحرام ولو كان من أجود الموجود, فيقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يكتسب عبد مالاً حراماً فيتصدق منه فيقبل الله منه, ولا ينفق منه فيبارك له فيه, ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار.. إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن, إن الخبيث لا يمحو الخبيث).

قالت عائشة رضي الله عنها: إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) فالرزق الحلال ينطوي على النسل والولد, وكذلك الكسب الحرام يصيب من يعول.

وصدقة السؤ والخبيث تجزى بمثلها(وما هلك مال إلا من صدقة).

 

وعن قوله تعالى( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) عن البراء بن عازب أنها نزلت في نفقة الأنصار من التمور الرديئة.

(واعلموا أن الله غني حميد) أي حتى وإن أمركم بطيب الصدقات فهو غني عنها ولكن ليساوي الغني الفقير في حلاوة نعمة الطيبات ليوقن الفقراء سعة رحمة الله عليهم لا تنفير المتصدقين لهم فيحقدون عليهم ويدعون الله بزوال نعمتهم.

ففريضة بذل وإنفاق الصدقة الطيبة التي يحبها الله على الفقراء تقربهم إليه وتستجاب دعواتهم الطيبة للمتصدقين عليهم.

وحتى صدقات التطوع غير المفروضة تكون أيضاً من أطيب وأجود ما اكتسبه المسلم ابتغاء مرضاة الله ومن مال حلال وليس للتظاهر بالكرم والرياء.

ومع اقتراب شهر رمضان المبارك والعيد يلجأ بعض التجار كذلك إلى التخلص من بعض السلع الغذائية الراكدة أو منتهية الصلاحية ومنها بعض المعلبات والمشروبات وبعض أنواع الأرز والدقيق والحبوب غير المرغوبة أو التي بدأت تتغير, وكذلك الملابس الكاسدة التي هجرها الناس ولا تصلح كملابس للأعياد ويحتسبونها ضمن زكاة الأموال والتجارة, وفي حقيقتها من نفقة الزكاة المفروضة الخبيثة خصوصاً في الأشهر المباركة تبعد أصحابها عن رحمة الله وفضله وكرمه وتستوجب غضبه وسخطه عليهم وعلى أموالهم.. 

وكما قال أحد علماء السلف الصالح: وصدقة السؤ والخبيث تجزى بمثلها(وما هلك مال إلا من صدقة).

 

أللهم إني بلغت أللهم فاشهد.

والحمد لله رب العالمين.