المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و يوم واحد
الأحد 30 يونيو-حزيران 2013 07:17 م

ينص الدستور اليمني في المادة (41) بان: المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة, وتعطي المادة (51) الحق للمواطن أن يلجأ إلى القضاء لحماية حقوقه ومصالحة المشروعة وله الحق في تقديم الشكاوى والانتقادات والمقترحات إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة, وتخلص المادة (61) الى ان الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة واحترام القوانين والتقيد بأحكامها واجب على كل مواطن.

مما سبق يبدو جليا بان جميع مواطني الجمهورية اليمنية وفقا للدستور متساوون في الحقوق والواجبات العامة دون تمييز, يجمعهم واجب الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة واحترام القوانين والتقيد بأحكامها. غير ان الواقع العملي والقانوني يقول غير ذلك, فشاغلي وظائف الدولة العليا ميزهم قانون محاكمة شاغلي وظائف الدولة العليا عن غيرهم من مواطني الجمهورية اليمنية. أولئك لا يمكن للمواطن ان يلجا الى القضاء لحماية حقوقه ومصالحه المشروعة تجاههم وفقا للدستور. كذلك الحال بالنسبة لأعضاء السلطة القضائية الذين يعتبرهم قانون السلطة القضائية فئة متميزة لا يمكن التعامل معهم كمواطنين متساوون في الحقوق والواجبات مع غيرهم من مواطني الجمهورية اليمنية. يمتد الأمر الى جهات أخرى عديدة تتمتع بميزات متنوعة لا يحصل عليها باقي المواطنين. فالعاملين في المجال الإعلامي والحقوقي وبعض المرافق الحكومية الخاصة مثل البرلمان ومجلس الشورى والمشائخ القبليين الى ان يصل الأمر بالتابعيين القبليين, يتمتعون بحماية خاصة وطريقة خاصة في التعامل تختلف عن الطرق المتبعة مع غيرهم من مواطني الجمهورية اليمنية. الأخطر من ذلك هو السماح لتلك الفئات بعدم احترام القوانين وعدم التقييد بها. على سبيل المثال يمنع على جميع المواطنين حمل السلاح في المحاكم, الا ان أعضاء مجلس النواب والمشائخ من العيار الثقيل هم الوحيدون الذين يستطيعون الوقوف أمام مجالس القضاء في مختلف المحاكم بكامل عدتهم وحراساتهم دون رادع. وإذا حصل لمحامي او إعلامي حادث معين, تقوم الدنيا ولا تقعد حتى تقام الحدود لصالحه تحت ضغط تحشيد الرأي العام وإيقاف الأعمال. 

إذا كان الأمر كذلك, فلماذا لا يتم تمييز أولئك رسميا في الدستور اليمني وإلغاء المادة (41) التي تساوي بين المواطنين؟ او ان يتم تحديد ميزات خاصة ترتبط بوظائف أولئك ولا تتعداها الى علاقاتهم بغيرهم من المواطنين. فالقاضي له احترامه ومكانته في المجتمع بحكم وظيفته دون ان يفرضها قانون, ويمكن ان يكون متميزا في مجلس قضائه وفي الإجراءات المرتبطة بقضائه. لكن في غير ذلك هو مواطن مثله مثل غيره. وعضو مجلس النواب لا يجب ان تكون له حصانة في غير مهام نيابته وأثنائها فقط. لكنه لو كسر إشارة المرور او تجاوز السرعة المسموحة او تسبب في أذى لغيره من المواطنين, فهو مواطن مثله مثل غيره.

إن مقياس المساواة بين المواطنين هو قدرة كل طرف على التمتع بكامل حقوقه في مواجهة الطرف الاخر والالتزام بكامل واجباته, وعند التقصير او المخالفة يتم تطبيق القانون على الجميع دون تمييز او تسهيلات. فإذا اعتدى قاضي او شيخ او عضو مجلس نواب على غيره من المواطنين او تسبب لهم بأذى او صادر حق من حقوقهم, وتقدم المجني عليه الى القضاء او جهات الضبط القضائي, فالواجب على تلك الجهات إتخاذ الإجراءات القانونية المعمول بها (من استدعاءات او أوامر قهرية او احتجاز حسب ظروف الحال) تجاه المعتدي بشكل طبيعي ودون قلق او تردد ودون الحاجة الى المرور بجهات أخرى او اخذ موافقتها. فمكانة الطبيب او الأستاذ الجامعي او المدرس او عامل النظافة لا تقل أهمية عن مكانة غيرهم ولهم إحترامهم في حدود وظائفهم وأفعالهم وتصرفاتهم.

من جانب أخر يشكل التمييز بين المواطنين في الامتيازات المادية للوظيفة العامة إخلالا بمبدأ المساواة. فالوزير وعضو البرلمان يتملك السيارة الحكومية التي صرفت لهم بعد مغادرتهم لمنصبهم, ويحصلوا على مكافئات تتجاوز مرتباتهم حتى ولو لم يحضروا جلسات البرلمان او الحكومة مع استمرار مرتباتهم من وظائفهم السابقة دون ان يمارسوا تلك الوظائف ولو كثرت وتعددت.

لكل ما تقدم نقترح بان يكون الدستور القادم حاسما وواضحا في مسالة المساواة بين المواطنين دون تمييز, وفي ضبط التشريع القانوني المتعلق بها ومراقبته بشفافية ووضوح. إضافة الى ذلك يجب بكل وضوح وشفافية توصيف طبيعة العضوية في المجالس المنتخبة وامتيازاتها دون ان تتجاوز حقوق الآخرين. فأخصائي القلب او الدماغ الذي يمارس عمله المهم للمجتمع يوميا ويناوب 24 ساعة لعدة أيام في الشهر إضافة الى بقائه رهن الطلب عند الحاجة إليه في اي وقت لإنقاذ حياة المواطنين المحتاجين له, لا يمكن ان يحصل على مكافئة شهرية لا تصل الى مكافئة عضو البرلمان ليوم واحد دون ان يقدم شيئا يذكر. كذلك الحال بالنسبة للأستاذ الجامعي في كلية الحقوق وغيرها, الذي لا يحصل على جزء مما يحصل عليه تلامذته عند تخرجهم للعمل في سلك القضاء او غيره.