ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
تابعت ثورة الشباب في اليمن منذ انطلاقها. كانوا شباناً يملؤهم الحماس، وتدفعهم مشاعر وطنية صادقة. في 3 فبراير الماضي؛ حشدت أحزاب اللقاء المشترك مئات الآلاف في العاصمة، وقد كان ذلك بمثابة استعراض للقوة. وصلت رسالة "المشترك" بقوة للرئيس صالح، الذي حلق، يومذاك، على مروحية هيلوكبتر، لمشاهدة حجم الحشد. في الظهيرة انفض المهرجان، بعد أن غادرت قيادات "المشترك" "الساحة". شعر عشرات الشباب بمرارة الخذلان، فبقوا مرابطين أمام جامعة صنعاء، وهو المكان الذي بات يُعرف اليوم بـ"ساحة التغيير". ومساء ذاك اليوم؛ تعرض هؤلاء الشباب لهجوم من قبل "بلاطجة" السلطة. لم يكتفِ "البلاطجة" بضرب الشباب، بل وجهوا لهم شتائم مناطقية على شاكلة: "يا عيال القحـ(...)، يا لغالغة"، وفي أحيان "براغلة"! وقد اشتركت سيارات الإسعاف في تلك الاعتداءات، وعمليات الخطف! والحاصل أن تلك الاعتداءات أكدت طبيعة المأزق الأخلاقي للنظام القائم على نفس مناطقي مقيت، وعفن.
سلحت السلطة "بلاطجتها" بالعصي، والسلاح الناري، والعصي الكهربائية، ودفعت بهم إلى شوارع العاصمة لملاحقة الشباب، الذين استمروا في التظاهر، يومياً، وواجهوا، بصدور عارية وقلوب مخذولة، تلك الاعتداءات، والبذاءات. صمد الشباب فتوسع حجم المنضمين إليهم حتى أصبحوا اليوم ملايين، يعتصمون في أغلب المحافظات.
بشكل شبه يومي؛ كنا نرصد اعتداءات "البلاطجة" على الشباب. في البداية؛ ساورنا الشك في إمكانية حدوث حراك اجتماعي واسع يستجيب لتطلع الشباب وثورتهم. أما اليوم فتساورنا مخاوف شتى، سيما وهناك من يُحاول امتطاء الموجة، واستغلال ثورة الشباب.
عندما ينضم الانتهازيون للثورة، فاعرف أن الثورة نجحت. هذه إحدى المقولات الأثيرة التي أطلقها عزمي بشارة، من شاشة "الجزيرة"، عندما بدأ الانتهازيون بالانضمام إلى ثورة 25 يناير، التي أطاحت بحسني مبارك في مصر. لا يحتاج قول بشارة توضيحاً أو شرحاً، ولم يكن هناك مخاوف كبيرة من ركوب تيار الانتهازيين لثورة الشباب في مصر؛ ذلك أنه كان هناك فرز واضح، يكاد ينعدم لدينا هنا في اليمن.
تساقط الانتهازيون في اليمن، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، غير أن هناك من يُحاول الدفع بهؤلاء إلى الواجهة! وإلى موجة ادعاء بطولة النزاهة والشرف؛ هناك تجييش منفلت وغير واعٍ، وهناك من يُحاول التحكم بخيارات الثورة، وضبط حركتها وفقاً لمزاجه وحساباته الخاصة.
بعد مجزرة السبت (12 فبراير الماضي)، التي تمت ضد معتصمي "ساحة التغيير" بصنعاء، مودية بحياة شهيد، وإصابة أكثر من ألف آخرين؛ ظهر حمود الهتار، وزير الأوقاف السابق، على قناة الجزيرة يُدافع عن النظام، متبنياً الخطاب الرسمي غير الآبه بدماء المعتصمين، وحتى بحقهم الدستوري والقانوني في الاعتصام! بعد أيام من ذلك؛ أُقيل الهتار من وزارة الأوقاف، فتم تقديمه كبطل، إذ قيل إنه استقال لينضم إلى ثورة الشباب! أدرك أن هناك من حاول استغلال إقالة الهتار للتضييق أكثر على النظام؛ غير أن الرجل ركب الموجة، وأخذ يلعب دور الثائر المنشق! وأبعد من ذلك؛ ذهب الرجل بعيداً في لعب الدور؛ إذ أخذ يلقي، عبر الهاتف وبشكل مباشر، كلمات ثورية على المعتصمين في أكثر من ساحة اعتصام!
ويبدو أن إحدى مشاكلنا كيمنيين تتمثل في افتقادنا ذاكرة جمعية. لهذا يجد الانتهازيون الفرصة سانحة أمامهم للتنطع، أو لعب بطولة زائفة. لا نستطيع أن نمنع من يريد أن ينضم إلى الثورة، غير أنه من غير المنطقي أن تصبح الثورة مطية لكل من "هب ودب".
هناك دافع أيديولوجي يقف خلف الاحتفاء بالهتار، وهو ذات السبب الذي كان خلف إقالته. والمشكلة أن الأيديولوجيا تقف الآن معياراً في فرز الناس، وتُعمدهم كثوار، أو منضمين لثورة الشباب. ويبدو الأمر واضحاً حينما نلتفت إلى مثال. استقال نبيل الفقيه من وزارة السياحة، دون أن يحظى بأي اهتمام، رغم أنه استقال بالفعل، ورغم أننا لم نسمع أنه تورط في قضية فساد.
هناك أشخاص لا يمكن المزايدة عليهم، أو التقول عليهم، كنصر طه مصطفى، الذي استقال بالفعل، وهو شخص يتمتع بسمعة جيدة، وهناك قناعة بأن دوافع الانتهازية لم تكن خلف استقالته.
ركب الموجة غالبية المستقيلين، وحاولوا القفز من السفينة، وتركها تغرق بعلي عبدالله صالح فقط. من حق من شاء أن ينضم إلى الثورة، أو إلى غيرها، ومن مصلحة الثورة أن ينضم إليها أكبر قدر من المسؤولين والوزراء، ويصبح الرئيس صالح وحيداً، لكن يجب ألا تتحول الثورة إلى مطية، وأداة للتبجح الفارغ والمزايدة. إذا كنا ضد فساد علي عبدالله صالح، فلا يُعقل أن نطبل للفاسدين الصغار، ونُحولهم إلى أبطال.
يُقدم الشباب في "ساحة التغيير" بالعاصمة، وغيرها من المحافظات، نموذجاً فريداً لم تشهده اليمن في تاريخها الحديث. ومن خلال زيارة الساحات؛ يُمكن ملاحظة أن هؤلاء الشباب يُمثلون بالفعل حلمنا بيمن حديث. بيد أني تفاجأت عندما رأيت الهتار يلقي خطبة في جمعة ماضية، وشباب "ساحة التغيير" بالعاصمة يصيخون السمع له. الأرجح لديّ أن هؤلاء الشباب أنظف ما في اليمن، ما بالك بالأشخاص الذين عملوا كموظفين صغار لدى النظام، وتورط بقضايا فساد في عهده. والمؤكد أنه سيتم سرقة الثورة أو إجهاضها، عبر الانتهازيين والمتساقطين؛ إذا لم يتنبه الشباب لهذه الأمور، وتكون لديهم حساسية عالية تجاه من يُحاولون ركوب الموجة. لا يجب أن تتحول الثورة إلى مجرد غضب عام سطا عليه الفاسدون وأصحاب مراكز القوى.
*عن صحيفة "الأولى"