آفاق التغيير في اليمن : البرامج والاحتمالات
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 26 يناير-كانون الثاني 2011 11:35 ص

حدثت في تونس أول ثورة عربية تنطبق عليها مواصفات الثورة كونها « شعبية عفوية أدت إلى التغيير» وبناء على ذبك تجري عملية مقارنة بين ما حدث هناك وما يحتمل حدوثه في اليمن سلبا وايحابا ، وثمة وجهتا نظر في قراءة الثورة التونسية: الأولى تركز على الاختلاف وبالتالي فإن ما حدث هناك لن يحدث هنا، والثانية تركز على التشابه في الظلم والفساد وبالتالي فإن ما حدث هناك سيحدث أسوأ منه هنا. فأي الوجهتين اقرب للحقيقة ؟

خطاب الرئيس صالح يشير إلى الفرق بين اليمن وتونس لينبه المعارضة لعدم التعويل على أي ثورة شعبية ضد الحاكم، وكذلك خطاب النخبة التي تقر من حيث المبدأ بهذا الفارق الذي تبني عليه قراءة موجهة لصالح قناعاتها الذاتية. ففي كلا البلدين يحضر بدرجات متفاوتة « الظلم والفساد » وهما سببان كافيان للبحث عن مخارج مشروعة ومبكرة للتغيير مع الإقرار باختلاف الأدوات والشروط . فكيف ذلك ؟؟

1-  مقدمات الحدث التاريخي : الممكن وغير الممكن

إن السبب الذي قد يدفع إلى الثورة في أي بلاد وأي زمن هو سقوط الأهداف وانتفاء المبرر للاستمرار السياسي وشيوع « الظلم والفساد» « والإخفاق في الأداء» حين يفقد الحاكم بسببهما شرعيته وبوصلته سواء كانت المجتمعات متقاربة أو مختلفة، وبالتالي فان من يراهن على الاختلاف باعتباره احد الرهانات الساقطة من حسابات اندلاع الثورة هناك وعدم اندلاعها هنا فهو خاطئ ومجانب للصواب، فما يجمع بين أسباب الاحتجاج هنا وهناك هما عاملان لابد من التنبه إليهما« الظلم والفساد» .

في تونس يوجد « فساد عائلي وقهر سياسي » ولكن يقابلهما منجزات تنموية لا تنكر، خففت من وطأتهما كثيرا، بينما في اليمن يوحد « فساد وفوضى وغياب التنمية وشيء من القهر» موجه للنخب الداعية للإصلاح والتغيير وخصوصا الصحفيين وأرباب القلم، ومن يعرف تونس مثلي سيتمنى القهر والفساد التونسي مع تلك النجاحات التنموية الواضحة للعيان في جودة التعليم والصحة والبنى التحتية وسيادة الطبقة الوسطى على ما عداها ، لذلك ليس مستغربا أن يكون شعار الثورة الشعبية التونسية «خبز وماء بن علي لا» أي أن الشعب يتوق للحرية مع الخبز والماء أفضل له من المنجزات المادية في ظل « القهر السياسي والفساد العائلي».

بالمختصر المفيد من يعرف تونس سيقول عن أهلها بأنهم بطرين قياسا إلى رداءة الحال في اليمن غير أن تطور المجتمع التونسي « تعليميا وصحيا واقتصاديا وتنمويا» يفرض عليهم مطالب بسقوف عالية للتغيير تستجيب لطموحاتهم أكثر مما هو مطروح عندنا، في بلادنا نطرح سقوفا منخفضة للتغيير لأن المجتمع ليس بمقدوره الاستفادة من التغييرات النوعية لأنه غير مؤهل لذلك، فالفساد في اليمن شامل في كل الجسد الاجتماعي والسياسي فأصيح ثقافة شائعة قد تعرقل أي جهود مستقبلية للتغيير والتحديث، إن السياسة في بلادنا تقوم على القاعدة الذهبية التي استعملها معاوية بن أبي سفيان « قولوا ما تشاؤون وسأفعل ما أشاء» أي إن الانفراج السياسي في مجال الحريات في اليمن لم ينعكس أثره على الأداء الحكومي والتنموي فأصبحت حريات خاوية من المعنى هي « أقرب إلى الفوضى» في وضع اجتماعي تسود فيه « الأمية والفقر والبطالة والفوضى وسوء الإدارة وتواضع التنمية» على عكس النموذج التونسي.

النضال السياسي في تونس اتخذ طريقا وحيدا هو النضال السلمي ولا مجال لخيار آخر، هذه الكيفية فرضتها طبيعة المجتمع المدني الذي يتميز بارتفاع نسبة التعليم وارتفاع نسبة الطبقة الوسطى ولا يوجد أي انتشار للسلاح في يد المواطنين، وقد أدى غياب التنظيمات السياسية إلى قيام الشعب مباشرة بالتعبير عن نفسه ومظالمه فمن ياترى سيقوم بالتغيير في اليمن لنفهم طريقة رد الفعل السياسي وتعويل السلطة والمعارضة على الفارق بين الشعبين ؟

في اليمن تغيب الطبقة الوسطى المؤهلة للقيام بثورة شعبية وينتشر الجهل والفقر وتحل محلها التنظيمات السياسية والنقابية التي تحل محل الطبقة الوسطى لكن هذا الغياب لن يمنع من خلق وسائل أخرى للتغيير، فمن المؤكد أنه لن تقوم ثورة شعبية بالطريقة ذاتها ولكن لا نستطيع الجزم بأن طرقا مختلفة للتغيير آتية لامحالة سنتطرق إليها تباعا في السطور التالية :

2-  طرائق التغيير المحتملةفي اليمن

أولا: التمرد المسلح : وهو اقرب طريقة محتملة للتغيير في اليمن « عند انسداد الأفق السياسي »وتاريخ الجبهة الوطنية الديمقراطية في اليمن الشمالي سابقا، وتمرد الحوثييون، والحراك الجنوبي الذي لا نستطيع ضمان استمراره السلمي، هذه الشواهد التاريخية التي حدثت في عهد الرئيس الصالح تشير إلى منزلق خطير قد نقع فيه، وهذا التمرد هو ما قد ينتشر في الريف اليمني وحده بما في ذلك الوسط القبلي، ولذلك تجد سخونة التحرك في الجنوب الريفي – القبلي بعيدا عن عدن كنطاق حضري له شروط أخرى في التغيير.

ثانيا: العصيان المدني السلمي: المتمثل في المظاهرات والمسيرات والاعتصامات : وهو سلوك ستتميز به حواضر المدن الكبرى، ومع نجاح هذا النوع من التغيير لن يكون بوسع وزارة الداخلية ولا حتى إشراك الجيش على منع الناس من صرخة صوت الغضب، وستعول التنظيمات المدنية من أحزاب ونقابات وتنظيمات مختلفة على تحريك الجماهير تبعا لقدرة القيادات الوسيطة على تحريك الشارع المدني .

العلاقة المتوقعة بين النموذجين : إذا استطاعت المدن في إنجاح تأجيج الثورة السلمية سينصاع الريف لشروط هذه الثورة وسيتسع هذا السلوك المدني على رقعة البلاد، ونجاح هذا النموذج سيستند على أساس عجز السلطة من قمع الثورة السلمية، بينما إذا نجحت السلطة في قمع العصيان السلمي المحتضن في المدينة فان نجاح التمرد المسلح في الريف والوسط القبلي سيتسلم زمام المبادرة في التغيير المسلح وسيفرض شروطه على المدينة المنسحبة لصالح الريف الذي ستعجز السلطة إخماده مهما كانت قوتها وبطشها، وتاريخ اليمن مرتبط بهذا النموذج سواء في الجنوب أو الشمال على امتداد التاريخ.

ثالثا: ـ أدوات طرق التغيير السلمي المحتمل :

1 - التغيير الفوقي من السلطة: وهو أن تبادر السلطة في التغيير الفعلي واستباق الأحداث حتى يشعر المواطن بجدية المسعى وهو ما سيفشل من حظوظ المعارضة في تثوير الشارع - سلما أو عنفا- إن كانت قادرة على ذلك كما تلوح، ومن شروط هذا التغيير المقنع قيام السلطة بعمليات جراحية جريئة وذلك بالأتي:

- إحالة شخصيات من الوزن الثقيل للمحاكمة ككبش فداء لرأس السلطة حتى يبقى مقبولا ولخطابه حدا أدنى من المصداقية.

- إعادة بناء الثقة بين المواطن والسلطة باستقالة الرئيس من حزب المؤتمر الشعبي العام ليكون رئيسا لكل اليمنيين. وهذت يستوجب إعادة تعيين المواطنين بالمناصب والوظائف العامة بناء على كفاءتهم وليس على انتماؤهم الحزبي.

- تعزيز دور القضاء لحسم قضايا الناس بسرعة حكما وتنفيذا حتى تؤت أكلها ويشعر الناس بان ثمة تغيير جدي.

- تحديد المدخلات المالية العامة ومنع تسرب الأموال خارج خزينة الدولة.

- إعلان الرئيس الصالح ذمته المالية للرأي العام وتحديد موازنة الرئاسة وفقا للقانون بحيث لايستطيع الرئيس صرف ريال واحد خارج المخصصات المالية.

- تولي الإشراف على إصلاحات سياسية جادة لاتضع باعتبارها من سيكون الفائز بالانتخابات ولكن التركيز على الشفافية والنزاهة والقبول بنقل السلطة سلميا لمن يفوز بها بغض النظر عمن يكون.

- إعلان الرئيس الصالح تعهدا غير منكوث للأمة بعدم الترشح بعد 2013 وفقا للدستور القائم حتى لو أجريت تعديلات دستورية على المادة 112.

- إعادة ترتيب وهيكلة الأمن والقوات المسلحة والأمن وإزاحة القيادة الأسرية منها لأنها مخالفة للدستور والقانون والنظام الجمهوري.

- المضي حثيثا بالاتفاقات السياسية لصالح الشعب وإحراج اللقاء المشترك للقبول بها، بهذه الإجراءات فقط ستتمكن السلطة من إبطال عمل المعارضة من آي إجراء سياسي شعبي في وجهها.

2 - التغيير النخبوي الوسيط: ويتمثل في نجاح قيادة الرأي والأحزاب والمنظمات الجماهيرية في فرض شروط التغيير السلمي وتعديل النظام السياسي بما ينسجم مع طموحات الشارع المستجيبة للنضال السلمي وهذا قد يشمل النخبة العسكرية والأمنية بالضغط على السلطة العائلية بالتنحي من خلال نزع الغطاء عن السلطة العائلية، يكفي أن يجد رموز السلطة العائلية أن أوامرهم – في لحظة ما - لا تنفذ، وهذا ما فعله الجيش التونسي حين رفض الأوامر فوجد الرئيس المخلوع نفسه منزوع الغطاء ومنفصل عن أدوات القوة التي كان يخضع بها الناس بالقهر، وما حدث في حروب صعدة الأخيرة من تسليم الألوية العسكرية نفسها للحوثيين ليس لأنهم جيش ضعيف ولا لأن الحوثيين أقوياء، ولكن لأن العقيدة القتالية للجيش لم تكن مقنعة للجنود المحاربين فكان تسليم أنفسهم أفضل الخيارات الممكنة.

3 - الوضع المائع: وهو بقاء الحال على ما هو عليه، بقاء السلطة والمعارضة والمجتمع بوضع الاهتراء القائم الذي لا نستطيع في ظله إثبات وجود الدولة أو نفيها، ولا نستطيع إثبات النظام أو نفيه، ولا نستطيع إثبات الوحدة أو إلغائها. وسيظل الثابت الوحيد الاستمرار والبقاء في ظل سلطة لا تحمل مشروعا سياسيا للتحديث والتنمية وفاقد الشيء لايعطيه وليست مستعدة للاعتراف بفشلها السياسي كي تجد للبلاد والعباد حلا على المدى المنظور. ومعارضة كسيحة يتآكل دورها يوما بعد أخر بسبب الضعف الاجتماعي المحيق - إن فشلت في تحريك الشارع - وغياب الطبقة الوسطى المعول عليها في حركة التغيير الحاسم.

النتيجة :

نتيجة اولى: الانهيار الذاتي : انهيار فوقي للسلطة، وانهيار وسطي للقوى السياسية وبالتالي انهيار الدولة وهو النموذج الصومالي، وسنذهب جميعا إلى هذه النتيجة إذا عجزت كل الأطراف من تقديم البدائل المنقذة للجميع.

نتيجة ثانية: النخبة ودورها في التقاط زمام المبادرة : إنني أرجح التغيير الفوقي بالعودة إلى الحوار بين السلطة والمعارضة والتنازل من اجل الوطن والخروج من المأزق بأقل الخسائر ولكن بكلفة نفسية واجتماعية باهظة. وهذا الاحتمال قد يتطلب عدم الاستعجال في إجراء انتخابات منفردة لأن مثل هذا المسعى سيولد الانفجار وهذا من باب الاحتمال« http://marebpress.net/articles.php?lng=arabic&aid=8256 » وقد نستمر طويلا في فراغ دستوري – ولا ضير في ذلك - من اجل عدم الوصول إلى فراع سياسي وهو الأخطر، لأن الدول قد تستمر بدون دستور وقانون ولكنها لا تستمر بدون سلطة وهذا هو الفارق بين الفراغين « الدستوري والسياسي».

* ( أستاذ الفكر السياسي والعلوم السياسية - المساعد)

hodaifah@yahoo.com