إفراج الحوثيين عن موظفة أممية بعد خمسة أشهر من الاحتجاز أغنياء استفادوا من فوز ترامب بالرئاسة مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟ دولة عربية تفرض الحجاب على جميع النساء اعتباراً من الأسبوع المقبل السعودية تعتزم إطلاق مشروع للذكاء الاصطناعي بدعم يصل إلى 100 مليار دولار سعيا لمنافسة دولة خليجية الفائزون في الدوري السعودي ضمن الجولة العاشرة من الدوري السعودي للمحترفين المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر يكشف عن توقعات الأمطار والأجواء الباردة في اليمن مظاهرات في مارب وتعز تندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وتدعو الضمير العالمي إلى وقفة شجاعة مع غزة
ظلت الجمعية العامة للامم المتحدة ميدان حرب شرسة بين العرب والاسرائيليين لسنوات عديدة، ولكنها تتحول، وبشكل متسارع الى جسر للتطبيع المباشر، وغير المباشر بين الجانبين، تحت غطاء احياء مسارات السلام، وتسوية الصراع العربي الاسرائيلي.
فالزمن الذي كان يهيمن فيه العرب على اجتماعات الجمعية العامة، ويخوضون مواجهات مع الاسرائيليين وانصارهم الامريكيين طوال فترة انعقادها السنوية، ويستصدرون قرارات بادانتهم كممثلين لدولة عنصرية، هذا الزمن الجميل ولى الى غير رجعة، وانقلبت الآية، واصبحت اسرائيل نفسها تطالب بالاعتراف بها كدولة لليهود، وتجد دعما من الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي لم يتردد في وصف فلسطين بانها الارض التاريخية للشعب اليهودي وسط تصفيق المندوبين العرب، او عدم اعتراضهم.
الذين باتوا يدافعون بشراسة عن الحقوق العربية، ويدمغون اسرائيل بالارهاب وجرائم الحرب في غالبيتهم من غير العرب، مثل عبدالله غول رئيس تركيا، واحمدي نجاد رئيس ايران، واورتيغا رئيس نيكاراغوا، اما الزعماء العرب فيتحدثون عن السلام والحوار، والتعايش لاظهار حضاريتهم، وانقلاب مواقفهم.
فبينما كان مسؤولون عرب، وفلسطينيون على وجه الخصوص، يصافحون المسؤولين الاسرائيليين، ويعقدون لقاءات مطولة مع شمعون بيريس الذي مدد فترة اقامته متعمدا لتلبية طلبات عربية في هذا الخصوص، نجد الرئيس التركي يلغي لقاء مع الرئيس الاسرائيلي، تحت ذريعة ازدحام جدول اعماله، بينما يتسع هذا الجدول للقاء مطول مع الرئيس الايراني احمدي نجاد.
ومن غرائب الصدف ان الجلسة الافتتاحية لدورة الجمعية العامة للامم المتحدة تزامنت مع اصدار مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة لتقرير لجنة التحقيق المكلفة بجمع الحقائق عن العدوان الاسرائيلي على قافلة سفن الحرية، وهو التقرير الذي ادان اسرائيل واكد استخدامها المفرط للقوة في الاعتداء على نشطاء عزل وقتل تسعة منهم جميعهم من الاتراك، وخرقها الفاضح للقانون الدولي، وارتكابها جرائم حرب.
معظم المتحدثين العرب تجاهلوا هذا التقرير للاسف، خشية اغضاب الرئيس باراك اوباما، والوفد الاسرائيلي الضخم المشارك الذي يضم بيريس وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، ولتأكيد نواياهم السلمية تجاه الجار الاسرائيلي الذي قد يتحول الى حليف في حال عقدت اسرائيل والولايات المتحدة العزم على توجيه ضربات عسكرية لتدمير المنشآت النووية الايرانية.
الرئيس اوباما بشر العرب برؤيته في وجود دولة فلسطينية تنضم الى عضوية الامم المتحدة، ويكون وفدها بين حضور الدورة المقبلة للجمعية العامة، دون ان يحدد طبيعة هذه الدولة، بينما حرص على تأكيد الهوية اليهودية للدولة الاسرائيلية، وطالب الدول العربية، غير المطبّعة بخطوات تطبيعية سريعة مع الاخيرة، والاعتراف بهويتها اليهودية.
* * *
ما يشغل الادارة الامريكية حاليا ليس موضوع الدولة الفلسطينية على اهميته، ولكن البرنامج النووي الايراني، ولذلك تتركز جميع جهودها حاليا على عزل ايران، ونقل الفتنة المذهبية التي اذكت نارها في العراق بغزوها واحتلالها، الى باقي انحاء الوطن العربي، ومنطقة الخليج وشبه الجزيرة على وجه الخصوص.
الاجتماع الذي سيعقد الاثنين بين السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية ونظيرته الامريكية هيلاري كلينتون على هامش اجتماع الجمعية العامة سيكون على درجة كبيرة من الاهمية لما يمكن ان يترتب عليه من نتائج.
الادارة الامريكية 'تغازل' السلطات السورية منذ اشهر، وتلوح لها باغراءات عديدة، من بينها احياء المسار التفاوضي الاسرائيلي ـ السوري، وايصال رسائل عن وجود استعداد قوي لدى حكومة نتنياهو لتقديم تنازلات 'مؤلمة' في هضبة الجولان. ولهذا اوفدت السناتور جورج ميتشل مبعوثها في الشرق الاوسط قبل ايام الى دمشق، وحملت العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز رسائل الى الرئيس الاسد في الاطار نفسه اثناء زيارته الى دمشق، ومن ثم الى بيروت على طائرة واحدة مع الرئيس السوري.
المطلب الامريكي واضح، وهو خروج سورية من 'حلف الشر' الايراني، والتخلي عن دعمها السياسي والاعلامي لفصائل المقاومة الفلسطينية، وحماس والجهاد الاسلامي على وجه التحديد، وتقليم اظافر وانياب حزب الله في لبنان، وتحويله الى حزب سياسي اسوة بالاحزاب والكتل الاخرى.
ايران تراقب هذا 'الغزل الامريكي' عن كثب ويبدو انها بدأت تشعر ببعض القلق، وما الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس نجاد الى العاصمة السورية وهو في طريقه الى نيويورك الا احد اوجه التعبير عن هذا القلق.
من الصعب التكهن بما سيدور في لقاء المعلم والسيدة كلينتون او اصدار احكام مسبقة حول نتائجه، ولكن ما يمكن قوله ان وزير الخارجية السوري دبلوماسي محنك، وينتمي الى المدرسة الواقعية في السياسة ويعارض كليا اساليب المواجهة، ويؤمن بالحلول السلمية اذا كان 'الثمن مناسبا'.
نجاح الضغوط الاسرائيلية ـ الامريكية في الغاء صفقة صواريخ اس 300 الروسية المضادة للطائرات التي كان من المفترض ان تسلم الى ايران قبل اشهر هو رسالة الى سورية ايضا، فالاخيرة تنتظر تسلم صفقة صواريخ اخرى مضادة للسفن، واسرائيل لمحت الى انها قد تنجح، بدعم امريكي، في الغاء هذه الصفقة ايضا.
الحكومة السورية ابقت الباب موارباً امام الغزل الامريكي، وتجاوبت، مع دول اخرى، مع تمنيات ادارة الرئيس اوباما في عدم التصعيد ضد استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية المباشرة التي عارضتها القيادة السورية. كما عملت مؤخراً على تهدئة التوتر في لبنان. وكان لافتاً ان السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة 'حماس' لم يعقد مؤتمرات صحافية في قلب دمشق تعارض هذه المفاوضات بالقوة المتوقعة، وتغطيها قناة 'الجزيرة' الفضائية بكثافة مثلما جرت العادة في احداث مماثلة.
القيادة السورية تعرف متى تصعّد وكيف، ولعب كل الاوراق التي تملكها بدقة متناهية، مثلما تعرف كيف تلجأ الى التهدئة والانحناء امام العاصفة اذا تطلبت مصالحها ذلك.
حالة الاستقطاب الطائفي التي نرى ارهاصاتها في بعض بلدان الخليج العربي مثل الكويت والبحرين، هي مؤشر على تصاعد احتمالات الحرب، ومرور سبعة اشهر على عقد الانتخابات النيابية العراقية دون تشكيل حكومة، او انعقاد البرلمان، هو مؤشر آخر.
***
دبلوماسيون عرب في الامم المتحدة يتحدثون عن سيناريو جديد للحرب على ايران، يقول بأن الدول العربية 'المعتدلة' اقنعت الادارة الامريكية بعدم المشاركة في اي ضربة لايران، وترك المهمة بالكامل لسلاح الجو الاسرائيلي، لقطع الطريق على اي انتقام ايراني من هذه الدول والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية على وجه الخصوص. وهذا ما يفسر قرار تسليم الولايات المتحدة طائرات 'اف 35' المتطورة التي لا ترصدها الرادارات الى اسرائيل قبل الموعد المقرر. والتسريع باقامة القبة الصاروخية الحديدية لحمايتها، اي اسرائيل، من اي صواريخ ايرانية او من حزب الله في جنوب لبنان.
سورية تقف حالياً امام خيارات مصيرية، فالتجاوب كلياً مع الغزل الامريكي المباشر والاسرائيلي غير المباشر، والخروج من تحالف 'دول الممانعة'، تماماً مثلما فعلت اثناء حرب عاصفة الصحراء عام 1991 لاخراج القوات العراقية من الكويت، قد يؤدي الى احياء المسار التفاوضي حول الجولان، ولكن دون ضمانات مؤكدة، فصحيح انها حصلت على نفوذ اكبر في لبنان، ومساعدات مالية مكافأةً على هذا الدور، ولكنها لم تستعد الجولان، واضطرت اخيراً للانسحاب من لبنان، وخسرت فوق كل هذا وذاك العراق البعثي القومي العلماني الموحد.
ربما يكون من الصعب ان تنجح المغريات الامريكية في اقناع سورية بفك تحالفها مع ايران، والتخلي عن حزب الله حليفها في لبنان، والدخول في عملية تطبيع كاملة وترتيبات امنية معقدة مع اسرائيل. فالثمن باهظ جداً، والنوايا الاسرائيلية في هذا الاطار تعرضت للاختبار مرتين: الاولى اثناء اجتماع الرئيسين الاسد الاب وكلينتون الزوج في جنيف، والمرة الثانية في مفاوضات واي بلانتيشن.
الدورة الحالية للجمعية العامة للامم المتحدة هي دورة الشرق الاوسط بامتياز، فقد جرى في دهاليزها الكثير من اللقاءات السرية، ربما تكون تمخضت عن 'طبخات' غير شهية بالنسبة الينا على الأقل، على ايدي الطباخين الامريكي والاسرائيلي، واذا كان الرئيس اوباما يبدو واثقاً من انه سيرى دولة فلسطينية ممثلة في الجمعية العامة في دورتها المقبلة، فاننا لا نبالغ اذا قلنا اننا ربما نكون امام شرق اوسط جديد مختلف ايضاً بخريطة جديدة، وربما بوجوه جديدة ايضاً، اذا ما اندلعت الحرب ضد ايران سواء بمشاركة اسرائيل وحدها او مع الولايات المتحدة.