كان كاتب هذه السطور قد تناول في مقالة سابقة ظاهرة المقاومة الجنوبية في الضالع وطبيعة المعركة التي تخوضها ضد مليشيات الحوافش والتي يمتد وجودها إلى النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، بعيد احتلال الجنوب والتعامل مع كل مناطقه على إنها أراضي محتلة ومع أهله على إنهم متهمون باللاوطنية وختمنا مقالتنا هذه بالتأكيد على أن الضالع شوكة عصية على الانكسار وأن أهلها عندما يقاومون إنما يقاومون لينتصروا أو ليموتوا شامخين مبتسمين.
إستعادة مدينة الضالع وما جاورها من المديريات الجنوبية من أيدي الغزاة الحوافش أكد أن الضالع ما تزال تحتفظ بسجايا المناضلين الشجعان الأوفياء والصادقين، وأن من يتحدى أهلها إنما يستثير فيهم قوى كامنة تنفجر لتجرفه في طريقها، لأن أبناء الضالع لا يقبلون الضيم ولا ينكسرون أمام جبروت الطغيان ولا يرضون الاستكانة للباطل مهما كانت قوة أصحابه.
واجه أبناء الضالع ومعهم مقاومون جنوبيون من مناطق مختلفة، برشاشاتهم الشخصية الخفيفة دبابات ومدافع وصواريخ ضبعان والحوثيين وفيالق كبيرة من مقاتليهم، واستطاع المقاومون الأبطال بعددهم القليل وعتادهم المتواضع ولكن بإراداتهم الجبارة التي تساوي مئات الدبابات والمدافع والصواريخ، استطاعوا أن يغيروا ميزان القوى على الأرض وأن يهزموا تلك الفيالق الماهرة في القتل والتنكيل وتدمير المباني فوق سكانها وعدم التمييز بين مخيمات المآتم وصالات الأفراح وبين مراكز المقاتلين، وفر القتلة بأعدادهم الكبيرة وأسلحتهم الثقيلة التي تركوا بعضها غنيمة لثوار الضالع الأبطال، فروا خائبين يجرون وراءهم أذيال الهزيمة والانكسار.
بغض النظر عن تسابق القادة الرسميين في ادعاء تبنيهم لانتصار الضالع، يعلم الكل أن السلطة الرسمية، المؤيدة لشرعية الرئيس هادي لم تمد ثوار الضالع بكرتون مياه شرب أو جالون من الوقود أو بدرزينة رصاص، وأن من حرر الضالع هم أبناء الضالع أنفسهم ورفاقهم الوافديون من بعض محافظات الجنوب، وبإمكانياتهم المتواضعة، وكم تمنيت لو أن الذين تسابقوا على تصوير هذا الانتصار على أنه من صنعهم كم تمنيت لو أن أحدا منهم قام بزيارة مدينة الضالع ومواساة ذوي الشهداء والسؤال عن معاناة الجرحى والنازحين والمحاصرين من قبل المليشيات، لكن هؤلاء كانوا مثل ضبعان ينظرون إلى الضالع على إنه مصدر شغب وربما انتظروا لحظة سقوط المقاومة أمام جبروت الغزاة الذين يدعون محاربتهم، لكن الضالعيين ومن وقف معهم من المقاومة الجنوبية برهنوا مرة أخرى أن الضالع عصية على الانكسار والإخضاع والترويض من قبل الطغيان، وأن أهل الضالع لا يركعون إلا للواحد الأحد.
عندما يجري الحديث عن الضالع وانتصارها التاريخي لا يمكن أن تفوتنا الإشارة إلى الملاحظات التالية:
١. محاولة سرقة انتصار الضالع ونسبه إلى مناطق أخرى من قبل بعض وسائل الإعلام العربية لم يكن خطأ فنيا ارتكبته تلك الوسائل بل كان عملا مدبرا قد لا تكون تلك الوسائل الإعلامية تدركة حساسية تداعياته، وأعتقد أن مخبري عفاش من بين العاملين لدى تلك الأجهزة هم من صنع هذا العمل الاستفزازي لمعرفتهم بحساسية ثنائية الشمال والجنوب في معادلة القضية الجنوبية التي يحمل الضالع أحد عناوينها الرئيسية.
٢. الضالع جرى احتواء اسمها من قبل عفاش ونظامه حيث صار هذا الاسم يمثل خمس مديريات جنوبية وأربع مديريات شمالية، ورغم كل المحاولات الاعتسافية الهادفة لتذويب الهوية الجنوبية للضالع، أكدت الأحداث أن الجنوب محتفظ بجنوبيته والشمال محتفظ بشماليته، فلم نسمع عن طلقة رصاص واحدة أطلقت ضد مليشيات الحوافش في أي مديرية شمالية بل لقد مرت مواكب الإسناد لهذه المليشيات مرور الزوار الكرام وربما احتفي بها من قبل بعض وجاهات تلك المناطق فضلا عن احتمالية مشاركة بعض ابنائها في القتال إلى جانب الحوافش، ولم تلاق تلك المليشيات أي مقاومة إلا بعد دخولها نقطة سناح الحدودية، . . . أقول هذا وأعرف حجم الشعور بالمرارة الذي يعاني منه الكثيرون من شرفاء تلك المديريات لخذلان وجاهاتهم ونخبهم السياسية لمعركة الصراع مع تحالف الحوافش وقد تلقيت عبر شبكة التواصل الاجتماعي عشرات الرسائل المعبرة عن ذلك الشعور.
٣. لست من المحبذين للدعوة التي انتشرت عبر مواقع التواصل وأجهزة الإعلام المختلفة، والداعية لنقل المقاومين في الضالع إلى مناطق جنوبية باتجاه عدن ولحج وغيرها من مناطق المواجهة ليس لأن الضالع معزولة عن تلك المناطق، بل لأن هذا الانتصار الذي تحقق في الضالع يجب أن يحمى ويؤمن من خلال الدفاع عن المواقع التي تحررت، لأن هزيمة الحوافش ليست نهائية ولو قتل منهم الآلاف لاستبدلوهم بعشرات الآلاف فهؤلاء لا تقدير لديهم لقيمة الانسان حتى لو كان من أخلص المخلصين لهم، وبدلا من الانسياق وراء هذه الدعوات التي قد تكون صدرت بحسن نية أضم صوتي إلى الإخوة الداعيين لتشكيل نواة للسلطة المحلية لمديريات الضالع واختيار المحافظ الذي يرتضيه الثوار والبدء بتشكيل نواة عسكرية دفاعية وأمنية ذات طبيعة وطنية من المقاتلين الشرفاء الذين صنعوا انتصار الضالع ليحموا ذلك الانتصار ويقدموا نموذجا للعسكري المحترم الذي يحمي مصالح وأرواح الناس ويخدمهم ولا يستخدمهم، والذي لا يسرق ولا ينهب ولا يتعالى ولا يسحق الضعفاء كما اعتدنا أن نشاهد على مدى العقدين المريرين الماضيين.