الحوثيون بين تحقيق المكاسب وحصد الخسائر في المشاورات القادمة 
بقلم/ خالد عليان.
نشر منذ: سنتين و 7 أشهر و 7 أيام
السبت 26 مارس - آذار 2022 07:06 ص

مسافة زمنية قصيرة تبعد عن انتظام المشاورات اليمنية - اليمنية برعاية مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض حيث تتسارع التجهيزات الأخيرة لترتيب وتهيئة أجواء المشاورات وما يزال حتى اللحظة باب المشاركة لجماعة الحوثيين مفتوحاً رغم تصريحات للحوثيين بعدم المشاركة واستمرارهم باستهداف الأعيان المدنية والاقتصادية السعودية بالطيران المسير والصواريخ البالستية وأخرى باشتراطات للمشاركة خارج النطاق الجغرافي المحدد لها إلا أن المتابع المهتم بالشأن اليمني يدرك جيداً أن فرصة لا تعوض يكاد يفقدها الحوثيون من خلال مراوحتهم على مواقفهم السلبية ، ففي الوقت الذي تنتظر بعض القوى السياسية عدم مشاركة الحوثي للتأكيد للعالم والخليج بعدم جنوح هذه الجماعة الى السلام او الحوار وإنها لا تشكل سوى مصدر القلق والخوف للمنطقة والعالم تبقى الفرصة الأخيرة للحوثي رهن الساعات الأولى لبدء المشاورات التي ستنطلق برعاية خليجية ، في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون بالرياض، خلال الفترة الممتدة من 29 مارس حتى 7 أبريل المقبل وفي هذه المقالة أحاول أن أستعرض المكاسب التي ستحققها جماعة الحوثي من الحضور للمشاورات وماذا ستخسره إن هي استمرت في رفضها للمشاركة ؟ لا شك أن جماعة الحوثي بعد سنوات الحرب التي تدخل عامها الثامن قد خسرت كثيراً على مستوى المستقبل السياسي للجماعة والتعاطف غير المعرفي الذي تولد عند بعض القوى الدولية إبان انطلاق عاصفة الحزم ، فالعالم اليوم بدأ يجرم سلوكها الإرهابي محلياً وخارجياً ويتأثر به.

فالجماعة الحوثية أصبحت اليوم بين طرفي كماشة لاسيما بعد تصنيفها كجماعة إرهابية وفرض حظر السلاح اليها من أعلى سلطة أمنية في العالم "مجلس الأمن الدولي" ، وكذلك وضع جماعة الحوثي على اللائحة السوداء من قبل الإتحاد الأوروبي تطبيقاً لقرار مجلس الأمن ، هذا جاء متواكبا مع تصنيف وزراء الداخلية العرب للحوثي جماعة إرهابية وضمها للقائمة السوداء ، عوضاً عما سبق من قرارات طالت قياداتها وبعض مموليها في لائحة الإرهاب وعدم السماح لهم بالسفر والتنقل .

إن جماعة الحوثي مؤخراً باتت في حالة حرجة من التضييق التي يعلن فيه المجتمع المحيط بها عربياً وأممياً وعالمياً موقفه من تلاعب ومناورات الجماعة المكشوفة والذي فاقم المأساة الإنسانية في اليمن وأطال أمد الحرب وبدد الجهود الدولية وأحراج المؤسسات الكبيرة المعنية بفض النزاع .

من هذا التوصيف لهذا الواقع تعد مشاركة الحوثيين في المشاورات القادمة مكسباً كبيراً سيحقق لها الخروج من المأزق الدولي الذي وضعت نفسها فيه بتصرفاتها العدائية ، فالمشاورات تحت سقف الدول الخليجية الستة والتي تتمثل في مجلس التعاون سيكون لمخرجاتها الكلمة الفصل على المستوى الخليجي والعربي خصوصاً و الدولي عموماً لاسيما والمشاورات القادمة تحظى بالتأييد الأممي والمباركة الدولية .

إن التصور الذي تعتقده جماعة الحوثي بان المشاركة في المشاورات اليمنية - اليمنية هو اضعاف للجماعة والغائها من خارطة المشهد اليمني القادم هو تصور خاطئ للحسابات ومراهنة خاسرة على الأجندات الخارجية والتي بدأت تتأكل في ظل اتجاه دولي واضح لإنهاء الحروب في منطقة الشرق الأوسط بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وفى ظل التوجه الأمريكي الساعي إلى اتفاق نووي مع طهران واقناعها بالكف عن سياسة الحروب الإقليمية بالوكالة .

ولعل القراءة المتعقلة أيضاً للمبادرة الإماراتية الأخيرة بالانفتاح على المشهد السوري واستقبال الرئيس بشار الأسد في أبوظبي وحديث اطراف عربية عن جهود تبذل لإعادة سوريا الى الجامعة العربية هي محاولات للملمة المشهد العربي وسحب البساط الإيراني من التغول في المنطقة .

هذه المقاربات تجعل الحوثي أمام التقاط الأنفاس الأخيرة للانضمام الى النسيج اليمني والتراجع عن التبعية الخارجية لإيران والتي قد تفرط بالجماعة في صفقة من صفقاتها القادمة مع أمريكا وحينها لن ينفع الحوثي شعار " الموت لأمريكا "ولن يصطف معه الداعمين من الحرس الثوري او حزب الله ، لأنه سيكون مصيره شبيه بمصير قاسم سليماني وحسن ايرلو .

هذا بمعزل أيضاً أن المشاورات التي دعت اليها دول الخليج مجتمعة عبر مجلسها الخليجي جاءت في وقت يعد إنقاذاً لجماعة الحوثي التي تشهد تنامي غير مسبوق من الاحتجاجات والسخط الشعبي في مناطق سيطرتها والذي أخرج الناس عن صمتهم وخوفهم عبر مسيرات غاضبة وتفاعلات طالبت الحوثي وجماعته المسلحة بالرحيل بعد إخفاقاته المتراكمة في إدارة الأوضاع في مناطق سيطرته ونفوذه ، وتفشي الفساد وتدهور الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات الأساسية كالغاز المنزلي والبترول و رواتب الموظفين والسطو على الوظيفة العامة وممتلكات وعقارات الدولة واعتقاد قادة الجماعة أن الجباية تحت لافتات متعددة كالمجهود الحربي والمناسبات الدينية المزعومة وغيرها من الفعالية أضحت حقاً سياسياً ومذهبياً مكتسباً لا يمكن التخلي عنه .

هذا وفي الزاوية الأخرى لمشهد الفقر المدقع تزدهر السوق السوداء وتنمو أرصدة أمراء الحرب من المشرفين والقيادات الحوثية .

لقد أخفقت سياسة الحوثي في قمع الشعب بعد ان خسر كل شيء في عهده ولم يعد من سبيل لمنع الغليان الشعبي او التأثير عليه بالشعارات المستنفدة والمبررات المستهلكة بتحميل السعودية والمجتمع الدولي المسؤولية عن الاستمرار في الحرب العبثية التي افقدت الناس أبناءهم وحياتهم الامنة وهو ما يؤكد مجددا أن المشاورات القادمة في مجلس التعاون الخليجي تعد المشاركة فيها طوق نجاة للحوثي من ثورة الجياع التي لم تعد قادرة على التعايش مع المشروع الحوثي ولم تعد تؤمن حتى المرجعيات الزيدية نفسها بالفكر الحوثي وغدت مؤخرا تعلن تبرأها من هذه الحركة .

فاذا لم تذهب الجماعة الحوثية الى المشاورات فإنها لاشك ستواجه غضباً شعبياً من نوع جديد كون الدور الخليجي يشكل الأمل الأخير لدى الشعب وبالخصوص المتواجدين في مناطق سيطرة الحوثي والراغبين بالوصول الى سلام يكفل لهم الحرية والكرامة الإنسانية ، ليس أمام الجماعة إلا أن تجهز نفسها لفقد كبير ومخيف لمن تبقى من حاضنتها المجتمعية المتأثرة وكذا المذهبية المساندة وبالتالي ستفقد المليشيا بالتسارع الحاضنة الشعبية والمذهبية في الوقت نفسه .

إن اعتقاد الحوثيين أن الاستخدام المفرط للسلاح وارسال الطيران المسير لضرب المواقع الاقتصادية و المدنية في المملكة سيجبر الأطراف القادمة للتشاور على الاستسلام لمطالبها وشروطها هي فرضية خاطئة تحتاج إلى سرعة في الإفاقة وتدارك الفرصة الختامية التي قد تمثلها الدعوة الأخيرة للنجاة لأنه من المتوقع أن تتشكل بعد المشاورات اليمنية وتتخلق رؤية خليجية جديدة لمبادرة ثانية تنقذ فيها دول مجلس التعاون الخليجي اليمن عامة من الحرب والحركة الحوثية خصوصا من الإلغاء .

وقد يمثل الحضور للمشاورات والنقاش على طاولة واحدة تجتمع فيها الأطراف اليمنية المؤثرة من كل الفئات فرصة لا تكرر لاستيعاب الحوثيين كطرف سياسي وقد يخفف ذلك من وطأة السقوط المدوي للجماعة التي ضاق العالم ذرعا من جرائمها وتلاعبها بالاتفاقات والمعاهدات والقرارات الدولية وهي خلاصة تؤكد بأن الحركة الحوثية أضحت محاصرة من الداخل والخارج معا وأن الحوثي بين تحقيق المكاسب أو الخسائر لا يفصله سوى تلبية الدعوة وإعلان السلام .

مشاهدة المزيد